شناشيل: لا عين حمراء للحكومة!

عدنان حسين
[email protected]

يُصرُّ رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي على أننا هزمنا الإرهاب (داعش وسائر المنظمات المختلفة). هذا ما نتمناه ونريده، لكنّ هذه لم تزل أمنية أكثر منها واقع حال، ووقائع الأسابيع الأخيرة دليل.
بالطبع يهمّ السيد العبادي أن يذهب إلى الانتخابات البرلمانية ممسكاً بورقة قوية كيما يضمن انتخابه من جديد، وربما أيضاً تكليفه بولاية ثانية، كما يطمح هو والمحيطون به من المنتفعين او المتطلعين الى المنفعة.
يبدو أن السيد العبادي يتغافل عن واقع أنّ لديه ورقة أخرى هي الأكثر قوة الآن بعد تراجع أهمية ورقة مكافحة الإرهاب. السيد العبادي نفسه تعهّد غير مرة بأنّ حربه المقدسة التالية، بعد الانتهاء من الحرب ضد داعش، هي الحرب ضد الفساد الإداري والمالي، لكننا على هذا الصعيد لم نزل نسمع جعجعة أكثر ممّا نرى طحناً، بل لا نرى الطحن في أغلب الأحيان، فمن الواضح أن هناك تردّداً في اتّخاذ الإجراءات المتوجّبة للحدّ من عمليات الفساد .. الفاسدون والمُفسدون لم يشعروا بعد بالخوف والرهبة ،لأن الحكومة التي يتبعها الجهاز الإداري، وهو مستودع الفساد وبؤرته الرئيسة، لم تزل متهادنة ومتهاونة ليس فقط مع أولئك الذين “ضربوا” ضرباتهم في سرقة المال العام على مدى السنين المنصرمة وبعثوا بما نهبوه الى ما وراء الحدود، وإنّما أيضاً تجاه الذين يواصلون الآن السرقة علناً على رؤوس الأشهاد.
واحد من أحدث الأمثلة، ما كشف عنه النائب فرات التميمي منذ يومين بشأن عمليات تهريب في محافظة ديالى التي يمثلها في البرلمان، تكلّف خزينة الدولة مليون دولار يومياً. هو قال إنّ “تهريب البضائع وعدم دفع الرسوم الجمركية من الظواهر السلبية الموجودة في ديالى”، مؤكدا أن “المعلومات المتوافرة لدينا أن خزينة الدولة تخسر مليون دولار أمريكي يومياً بسبب التهريب في ديالى”، وأوضح أن “التهريب يجري من خلال طرق مختلفة أبرزها التلاعب بالكميات عبر المنافذ الحدودية لتقليل الرسوم أو نقل البضائع من دون دفع الرسوم في جمرك الصفرة على طريق كركوك- بغداد”. ولم يستبعد النائب “وجود تواطؤ من قبل بعض القيادات الأمنية في دعم عمليات التهريب”.
ومنذ أسابيع كُشِف النقاب عن أنّ عمليات سرقة النفط وتهريبه في البصرة وسواها من المحافظات الجنوبية ما انفكّت تجري على قدم وساق. وثمة عشرات القصص الأخرى من هذا النوع في ديالى والبصرة، وفي بقية المحافظات.
يتحجّج السيد العبادي لتبرير التواكل أو البطء في عملية مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة في عهود الحكومات السابقة، بأنّ عملية الفساد “معقّدة” وبأنّ الأموال المسروقة قد هُرّبتْ إلى الخارج وعمليّة استعادتها ليست يسيرة!.. ليتركنا السيد العبادي من موضوع الأموال المهرّبة، وليركّز جهده على منع عمليات السرقة الجارية الآن بمئة صورة وصورة، وهذا لا يكون ما لم يرَ الفاسدون والمفسدون “العين الحمراء” من الحكومة ورئيسها .. هذا ما نفتقده في الواقع، فلا شيء يحصل غير الكلام المُعاد المكرّر عن مكافحة الفساد، وهو كلام أخذ يصيبنا بالغثيان من فرط ترديده في مناسبة ومن دون مناسبة، فيما هو يُصيب الفاسدين بنوبات متتابعة من الضحك!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here