موعظة قبل 8 عقود

علي علي

قلّب العراقيون خلال الأعوام الخمسة عشر الأخيرة من عمر بلدهم صفحات عديدة، لم يكونوا قد قلبوها في سابقات العقود، كما أنهم خاضوا خلالها تجربة الانتخابات ثلاث مرات، حرموا من الخوض في غمار مثيلاتها طيلة أربعة عقود عجاف، وقطعا، لايمكن القول عن تجربة خيضت ثلاث مرات، وستخاض للمرة الرابعة أنها تجربة فتية، لاسيما إذا علمنا أن من المعيب اللدغ أكثر من مرة من الجحر ذاته، وكما قيل المجرب لايجرَب، وعلى رأي صاحب الأبوذية:
ثلاث ريام فوگ جبال .. يرعن
رعن گلبي وبدن بحشاي.. يرعن
لاتكرب وره المكروب.. يا أرعن
ولا تطرد سراب بغير ميه
فقد تمرس العراقيون وخبروا أصناف السياسات ودهاليزها، ومرر ساسة سابقون ومثلهم لاحقون عليهم دقائق أمور في إدارة البلد، لم تكن تخفى عليهم، وهم أحفاد من حارب الانكليز قبل مئة عام، وهم أولاد الثائرين في ثورة العشرين. ورغم القمع الذي شهدته شرائح البلد كافة خلال أربعة عقود، وهي ترزح تحت وطأة حكم البعث الدكتاتوري الدموي، إلا أنها نهضت وانتفضت أكثر من مرة في مدن ومحافظات وقرى، كادت تطيح بذاك الحكم قبل وصول الغرب الى هذه النتيجة، وقطعا كل هذه السنين رسخت دروسا وعظات في عقلية الفرد العراقي، مازال الى اليوم يستعيد ذكراها، رغم ان أغلبها كان مؤلما.
اليوم ونحن نقترب من التجربة الانتخابية الرابعة، يتفاوت المواطنون بين متفائل بنتائجها وبين يائس مما ستفرزه صناديق الاقتراع، وقطعا للأول أسباب تفاؤله وللثاني مبررات قنوطه. فأما الأول فهو يستند في تفاؤله على ان المواطن باتت لديه من تلك السنين قوة حدس، تمكنه من معرفة مايضمر المرشحون القادمون اليه من نيات وأهداف وغايات، تتباين في نبلها من جهة، وفي قبحها وخستها من جهة أخرى، ولاينكر ان من بين المرشحين أشخاص، نستطيع ان نطلق عليهم مصطلح (سمچ بالشط) قد يفوتنا من خباياهم الكثير ومن خفاياهم أكثر، وهو أمر له من الخطورة ما يضيف السنين الأربعة المقبلة الى قائمة السنين العجاف الماضيات، وكما يقول مثلنا: (چنك يابو زيد ماغزيت).
وهنا يتوجب على الناخب وضع حسابات جديدة، مغايرة مبدأً ونوعا ودقةً وحدة وصرامة، عن تلك الحسابات التي اعتمدها في تجاربه الثلاث التي خاضها، مع ما رافقها من وضع أمني حرج، ومواقف سياسية حساسة. ولايمكن نسيان الصعاب التي رافقت ذهاب الناخبين الى مراكز الاقتراع، وتعرضهم لشتى الضغوط لمنعهم من ممارسة حقهم المشروع في الانتخاب، وفي حقيقة الأمر لم تأتِ النتائج بشكل يوازي تلك التضحيات، بدليل ان البلد دخل متاهات الصراعات بين المرشحين بعد فوزهم، وتبوئهم مراكزهم تحت قبة البرلمان، وانقلب بعضهم على ماكان يدعي به ويعد به الناخب. وتلك النتيجة قطعا حزّت في نفس الناخب المتفائل، حين صار محصوله من الوعود سرابا، ومن الآمال خيبة، ومن الاعتماد خذلانا، ومن الثقة زعزعة، ومن اليقين شكوكا، في الوقت الذي كان قد ظن ان حلمه في العيش كباقي شعوب العالم، بات على وشك التحقيق.
وأما الثاني اليائس مما ستلده صناديق الاقتراع، فعليه أن يحارب يأسه بالإصرار والمثابرة على التغيير، بخوض التجربة مرة رابعة، وفق أسس ليست كالتي خاضها سابقا -كما أسلفت- فبتغيير السبيل تتغير الوجهة، وبتغيير الوجهة تتغير النتائج، وستطرح الطرائق والسبل الجديدة، نتائج أقرب الى تحقيق مايصبو اليه، وهذا يتطلب الحزم والكياسة في انتقاء المرشحين، فالأخيرون لوذعيون مخادعون يبدون خيرا ويتأبطون شرا، ولهم مغانم ومصالح ومآرب في ترشيحهم أنفسهم للانتخابات، جلها -بل كلها- مريب ولايخدم الناخب ولا يصب بمصلحة البلاد، ولعل بيتا منسوبا للملا عبود الكرخي قاله قبل ثمانين عاما، فيه درس بليغ ونصح وموعظة أكثر، ياحبذا لو استفاد منه الناخب في تجربته المقبلة، يقول البيت:
لازم انميز الزين امن الزلم
وننتخب كلمن شهم صاحب علم
ونرفض اللي يجي كل يوم ابفلم
من ايشوف المنصب اشويه اندرچ
قيم الرگاع من ديرة عفچ

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here