العدالة في عالم الحيوان ح 10 المشاعر والتعاطف بين الافيال

! (*)
د. رضا العطار

من المحتمل جدا ان يكون هناك اناس كثيرون لا يدركون ان للحيوانات شريعة اخلاقية يعيشون بموجبها ويتقيدون بها، افضل من تقيد البشر بشريعتهم، وان لديها ضرب من الذكاء الاخلاقي.
يقول البروفيسور )دومينيك لاكابرا( المؤرخ في جامعة كورنيل في الولايات المتحدة : ان القرن الحادي والعشرين هو قرن (الكشف الحيواني) فقد بدأت ابحاث الذكاء والمشاعر الحيوانية تمثل مكانة على اجندة عدد من الاختصاصات العلمية من علم الاحياء التطوري وعلم السلوك الحيواني الادراكي الى علم النفس وعلم الانسان والفلسفة والتاريخ والدراسات العقائدية.

ان حياة الحيوان الاجتماعية تتأثر بانماطها السلوكية ويؤدي الى ما هم مفترض وما هو واجب فيما يتعلق بالصواب والخطأ دورا مهما في تفاعلاتها الاجتماعية، كما هو الحال بالضبط في تفاعلاتنا. واذا كنت تشعر ببعض الريبة فاننا ندعوك لان تطلق العنان لعقلك تنظر الى الحيوان من منظور مختلف.

يروي (دوجلاس هاملتون) الذي قضى اكثر من اربعة عقود من الزمن بين افيال افريقيا يدرس طبيعة هذه المخلوقات، فيقول عنها انها مخلوقات تتصف بروح الوفاء والتضامن ففي احدى الحالات شاهد مجموعة فيلة ترعى انثى فيل مريضة لا تقوى على الوقوف بثبات. وعندما سقطت على الارض، ربتت البقية بخراطيمها واقدامها على الوقوف ثانية، بيد ان انثى الفيل المريضة وقعت ثانية واخذت تصدر اصوات عالية، وعندما حل الليل جلس احد افراد القطيع بجانبها حتى الصباح. وبعد موتها، اجتمع الافيال وشكلوا نصف دائرة حول الجثة في وقفة حداد. ومدًوا خراطيمها نحوها، تعبيرا عن اساها.

وفي موقف آخر يروي هاملتون قصة انثى فيل في الغابة وقد فقدت خرطومها بسبب شرك وضعه احد الصيادين. ولكنها تعلمت كيف تشرب وكيف تقتات قصب النهر. وهو الطعام الوحيد الذي يمكنها ان تتناوله دون الاستعانة بالخرطوم.
لقد تمكن افراد الجماعة من الابقاء على حياة صديقتهم، إذ غيًروا عاداتهم في تناول الطعام وحرصوا على جلب الاعشاب لها.

وعلى حد قول دوجلاس هاملتون الذي لا يخلو من تحفظ العلماء الخبراء عليه :
(ان مسألة وجود تعاطف او معاناة بين الافيال الناجية التي تحافظ الافيال الهالكة او المريضة لا تزال بعيدة عن ان تلقي الاجابة، لكنه يواصل حيثه قائلا (المشاهدات توحي بان هذا هو واقع الامر) ومن اللازم ان نفترض ان القدرة على التقمص الوجداني مرتبط بالتعبير عن التعاطف للمرضى والاسى للموتى.

تروي (جويس بول) التي عكفت على دراسة الافيال الافريقية عقود من الزمن قصص تؤكد ان الافيال تتمتع بقدرة عالية على التقمص الوجداني. فمن المعروف عنها الرقة التي تتعامل بها بعضها مع بعض، ومع مجتمعاتها ذات الروابط الوثيقة. وهناك عدد لا حصر له من التجارب تجاه المرضى، والمحتضرين من اقرانها سواء أكانت قريبة ام لا. ومن مشاهداتها قصة انثى فيل كانت تعاني من اصابة في قائمها، لم يكن باستطاعتها الاتكاء عليها، وعندما شرع فيل ذكر من جماعة اخرى في الاعتداء عليها، طاردته انثى فيل ضخمة الجسم، ثم عادت الى الفيلة المصابة وربتت على قدميها بخرطومها بادية لها تعاطفها.
وقد جاء في صحيفة (صنداي تايمز) قصة فيل صغير قتله لبوه، وعلى مدار ذلك اليوم اجتمع الافيال حول الجثة حدادا معبرين عن حزنهم واساهم. والجدير بالذكر ان الافيال تبدي اهتماما ملحوظا بالجثث وعظام الميت وهذا السلوك الذي يعتمد وجوده لدى البشر والفيلة فقط.
لقد اجرى جماعة من الباحثين دراسة لبحث الاهتمام الذي تبديه الفيلة تجاه العظام، انها تقضي وقت طويل في شم وتحسس جماجم الافيال بمقارنة مع وحيد القرن،
الافيال تعمل علاقات اجتماعية مع وحيد القرن وتآسي بفقدها.
وقد حدث في زمبابوي عام 2005 ان قتل صيادون متسللون احدى افراد وحيد القرن. فنزعوا قرنها ودفنوها . . . الفريسة كانت تربطها صداقة بفيل صغير، فقام الفيل الصغير على اثر ذلك بالحفر حتى عمق متر واحد في محاولة للوصول الى رفيقه الراحل دون ان يكف عن الصراخ.
قليل من علماء الحيوان في حقبة الستينيات كان على استعداد لوصف اي سلوك غير بشري بانه تعاطف حقا. لكن في عام 1964 اثبتت دراسة لمجموعة باحثين ان القرد الجائع لم يتناول الطعام اذا كان ذلك سيعرض قردا آخر بصدمة كهربائية.
فقد رفضت مجموعة القردة سحب السلسلة التي تمدها بالطعام اذا كان ذلك سيعرض قردا آخر بصدمة كهربائية. حتى ان احدهم فضل الجوع 12 يوما كاملا على ايلام رفيقه.

في هذه الفترة نفسها كان العالم النفساني Harry Harlo من جامعة وسكنسون بصدد الاعداد لتجارب جديدة إذ تعامل مع قرود صغيرة اخذت من امهاتها. اثبتت البجربة ان الرغبة الى التعاطف اقوى من شهوة الطعام. وعندما نيط بها الاختيار ما بين قرد قاسي القلب يملك طعاما وآخر عطوف حنون لا يملك شيئا، اختارت الثاني دون تردد.
والى جانب ذلك استنتج هارلو ان القردة التي اخذت من امهاتها وانشئت دون تواصل اجتماعي مع اقرانها ودون امهات حقيقيات تنشب على العزل الاجتماعي والعجز عن مخالطة الاخرين. ويعوق تطور الذكاء الاجتماعي والاخلاقي عندما لا تتولد المؤشرات التطويرية الملائمة.
الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

* مقتبس بتصرف من كتاب العدالة في عالم الحيوان لموؤلفيه مارك بيكوف وجيسيكا بيرس ترجمة فاطمة غانم ط 1 ، 2010 هيئة ابو ظبي للثقافة والتراث والكلمة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here