الشرطة المفصولون.. بين عفو الحكومة ورفض المجتمع

كمال العياش

تعتزم قيادة شرطة الأنبار إعادة أكثر من ستة آلاف شرطي كانوا قد فصلوا من الخدمة عام 2014 بعد هروبهم من مواجهة داعش، إلا أن السكان المحليين يعتقدون انه قرار غير صائب.

في سلم المحافظة على المكتسبات الأمنية تكون العواطف الإنسانية في الدرجات الأخيرة، وهذا ما تترجمه آراء السكان المحليين الذين يشجبون بشدة عودة القوات الأمنية التي تركت الأرض لداعش، ولا يمكن أن يستوي الذين قاتلوا ودافعوا عن المحافظة بمن هرب أو تخلف عن الواجب الأمني تحت أي ظرف وان كان ظرفا إنسانيا اضطر له.

بعد أن تم تحرير كامل مدن محافظة الانبار (110كلم) غرب العاصمة بغداد من سيطرة الجماعات المسلحة، ارتفعت الأصوات المطالبة بعودة أعداد كبيرة من منتسبي الشرطة العراقية الذين صفرت رواتبهم بسبب عدم التحاقهم بالقوات الأمنية.

يقابل هذه الأصوات التي تبدو عالية ومدوية رأي شعبي يرفض بشدة عودة هؤلاء الى الخدمة مرة أخرى، باعتبار أن هذه القوات لم تكن مؤهلة بشكل كاف لحماية المحافظة لاسيما بعد هروبهم وترك ثكناتهم العسكرية وأسلحتهم ومعداتهم التي استولت عليها الجماعات المسلحة، ولولا هروبهم لما تمكن داعش من السيطرة على غالبية المدن في لمح البصر.

زيد الدليمي (52 عاما) احد السكان المحليين لمدينة الفلوجة (60 كلم) غرب العاصمة بغداد يعمل في ورشة لتصليح السيارات داخل الحي الصناعي يجتاز يوميا في طريقه الى العمل عددا من نقاط التفتيش الأمنية التي تطالبه بأوراق ثبوتية وقصاصات أمنية، إجراءات وان كان قد اعتاد عليها الا انه يرى أنها غير ذات جدوى، وان من يطبقها لا يتمتع بثقة غالبية السكان المحليين.

الدليمي تحدث لــ”نقاش” قائلا ان “غالبية الأفراد الأمنيين الذين أشاهدهم في تلك النقاط وهم مدججون بالأسلحة والمعدات كنت أراهم سابقا بمشهدين، الأول قبل دخول داعش إلى مدننا وكانوا بذات الصورة المسلحة والمرهبة، والمشهد الثاني بلباس مدني عندما هربوا نازحين إلى شمال العراق، فلا يحق لهم اليوم أن يمسكوا السلاح مرة أخرى ويتولوا حمايتنا أو محاسبتنا”.

ويضيف “استغرب كثيرا عند سماعي لبعض الأصوات التي تطالب بعودة هؤلاء وكأنهم يريدون أن تستباح المحافظة مرة أخرى من قبل الجماعات المسلحة، وان كانوا يجاملون بعض الشخصيات التي تتدخل بوساطة عشائرية أو حزبية من اجل إعادة هؤلاء الى المنظومة الأمنية، فهذه المجاملات على حسابنا وحساب ما تحقق من مكاسب أمنية كان ثمنها دماء أبطال صمدوا بوجه الجماعات المتطرفة”.

مسألة التعميم قد لا تكون منطقية فهناك من صمد وضحى من اجل استعادة المحافظة وان كان عدد الذي صمدوا اقل بكثير من الذين تخلفوا، الا أنهم مثلوا الجدار الصلب الذي يجب الارتكاز عليه في المرحلة القادمة.

من جهة أخرى لا يمكن إضعاف هذه التشكيلات بزج عناصر هشة ومتذبذبة تمثل ثغرة داخل الجدار الأمني، الذي يراد له أن يكون قويا وصلبا لا يسمح باختراقه مرة أخرى.

شوكت المحمدي (65عاما) اسم مستعار لضابط في الجيش العراقي السابق، يرى أن إعادة المفصولين بسبب تخلفهم وهروبهم يشكل ثغرة أمنية تقدم على طبق من ذهب الى الجماعات المسلحة، إذ أشار المحمدي الى أن “داعش يسعى دائما الى تحديث معلوماته تجاه القوات الأمنية، وبوجود هذه الأعداد التي لم تشكل خطرا عليه عندما نجح في احتلال غالبية مدن المحافظة، ستوفر له عناء البحث والتقصي حول ثغرات القوات الأمنية”.

ويؤكد “في معظم المناورات العسكرية لابد من تقوية نقاط الضعف لضمان عدم الاختراق والهزيمة، وفي هذا الوقت يجب أن تدرك القوات الامنية أن الهاربين والمتخلفين يجب استبعادهم وتعويضهم بأفراد مسكوا الأرض ودافعوا عنها ووقفوا الى جانب القوات الأمنية تقديرا لدورهم، فضلا عن دعم القوات الأمنية بعناصر كفوءة تزيد من قوتها”.

اسعد محمد الفلاحي (58عاماً) احد السكان المحليين لمدينة الرمادي يملك شركة صغيرة لتجارة العملة الأجنبية، لا يثق مطلقا بوجود أفراد الشرطة داخل المدينة، ويرى أن هذه القوات التي تركت مقراتها وسجونها وأسلحتها لم تعد مؤهلة لحماية المدينة.

الفلاحي، تحدث لــ”نقاش” قائلا: “اذكر جيدا ذلك اليوم الذي دخل فيه داعش إلى مدينة الرمادي وأنا أشاهد سيارات الشرطة التي كانت تصول وتجول متوقفة على جانبي الطريق، بعد أن تركها طاقمها مفتحة الأبواب بكامل أسلحتها وذخيرتها هربا من جماعات داعش، تلك القوات هربت ولم تخض معركة ولم تطلق رصاصة واحدة، كيف لي أن أثق بها مرة أخرى”؟

غالبية السكان المحليين الرافضين لقرار عودة المفصولين، يجدون أن التعاطف الإنساني لا يقتضي إعادة هؤلاء الى القوات الأمنية بحجة أنهم اضطروا الى الهروب من المدينة، بل لابد من إيجاد وظائف بديلة لهم خارج المنظومة الأمنية، وتعويض القوات الأمنية بأفراد يحبون عملهم ومدنهم أكثر من حبهم لحياتهم.

عامر العيساوي (33عاما) احد المستفيدين من قرار إعادة المفصولين في مدينة هيت (50كلم) غرب مدينة الرمادي، يجد أن قرار إعادة المفصولين هو قرار لرفع الظلم عن كثيرين ممن صفرت رواتبهم في تلك المرحلة، ويرى أن الغالبية العظمى ممن هربوا أو تخلفوا لم يكن بسبب خوفهم أو تخاذلهم، بل بسبب محاصرتهم داخل مدنهم مع عائلاتهم.

العيساوي تحدث لــ”نقاش” قائلا “لا يمكن لأفراد معدودين لا يمتلكون سوى أسلحة خفيفة وكمية قليلة من الذخيرة، أن يواجهوا جماعات متشددة تمتلك الأسلحة القوية والمتطورة التي تفوق كثيرا ما نمتلكه من معدات وآليات”.

ويقول أيضا “الهروب كان الحل الوحيد أمامنا للمحافظة على عائلاتنا وأنفسنا وان كنا قد نجحنا بحماية أنفسنا، فإننا تمكنا من الحفاظ على الموارد البشرية للقوات الامنية التي لو بقيت في مكانها لسحقت تحت نيران تلك الأسلحة الفتاكة”.

ملاك قيادة شرطة الانبار أكثر من (28) ألف منتسب قبل عام 2014 استبعد مابين عامي 2014-2016 نحو (14) ألف شرطي بسبب تخلفهم أو هروبهم تم إعادة (3190) منتسبا الى الخدمة بقرار من مجلس الوزراء عام 2017 كوجبة أولى ضمن سلسلة وجبات وفق آلية تقضي بخضوع العائدين الى تدريبات خاصة عليهم اجتيازها ليتم توزيعهم على وحدات ومراكز غير التي كانوا يخدمون بها قبل هروبهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here