حكومة الإقليم والمواطنون لا يسددان الديون المستحقة لبعضهما

هيمن حسن

تدين حكومة إقليم كردستان والمواطنون لبعضهما من دون أن يعرف مصير سداد أحدهما لديون الآخر وقد احدث هذا الوضع حالة من انعدام الثقة بينهما، فيما يبدو ان حصة الاقليم من الميزانية للعام الحالي لن تتمكن من معالجة المشكلة.

أدت احتجاجات معلمي الإقليم ضد نظام ادخار الرواتب هذا العام إلى إغلاق أبواب جزء من مدارس إقليم كردستان ونتجت عنها مقاطعة العملية الدراسية أكثر من مرة كما سبقهم موظفو كردستان الآخرين في اتخاذ الموقف نفسه.

وقررت حكومة اقليم كردستان ادخار جزء من رواتب الموظفين منذ عام 2016 بسبب الأزمة المالية، ما يعني أنها تصرف جزءاً من رواتبهم فقط فيما يتوقف صرف الباقي تحت اسم الادخار ويبقى دينا على الحكومة من دون أن يكون هناك حساب مصرفي او ضمان رسمي يوحي بسداد ذلك الدين.

علي حمه صالح نائب رئيس اللجنة المالية في برلمان كردستان قال لـ”نقاش” إن “حكومة الإقليم مدينة للموظفين بـسبعة مليارات دولار وللمستثمرين بعشرة مليارات دولار ولا تملك آلية لسداد ديونها كما لا يعرف كيف صرفت الديون التي حصلت عليها من الشركات”.

وتجاوزت مديونية الحكومة الموظفين فهي مدينة لأموال بعض المستثمرين الذين أنجزوا مشاريع في السابق ولم يتسلموا أموالهم، الأمر الذي تسبب في توقف بعض المشاريع أيضاً.

في المقابل تدين بعض الشركات للحكومة إذ سددت جزءا قليلا من الأموال المستحقة عليها برغم وضع حكومة الإقليم إجراءات لإعادة تلك الأموال.

وأضاف نائب رئيس اللجنة المالية في البرلمان: “قبل ظهور الأزمة المالية في كردستان، منحت حكومة الإقليم مبلغ 800 مليار دينار للمستثمرين وقد أعادوا أكثر من (130) مليار دينار منه الا ان الحكومة لم تسدد الديون المستحقة عليها للمستثمرين”.

وفي شهر شباط (فبراير) من عام 2016 طلبت الحكومة من المستثمرين سداد ديونهم خلال ستة أشهر، الا انه تم ايقاف تسديد الديون بناء على مطالب المستثمرين وضغوطهم.

وقال ياسين محمود المتحدث باسم اتحاد مستثمري كردستان لـ”نقاش”: “لقد تم سداد جزء من تلك الديون من قبل المستثمرين والحكومة خلال الفترة الماضية وتمت معالجة حوالي 30% من مشكلة الديون بين الجانبين، الا ان الحكومة والمستثمرين لا يزالان مدينان لبعضهما”.

واضاف ياسين محمود: “هناك محاولة جديدة من قبل مجلس وزراء الإقليم ووزارة المالية بهدف تسديد الجانبين ديون الطرف المقابل، ومن المقرر أن يصدر تعليمات حول القرار في المستقبل القريب” دون ان يكشف عن التفاصيل.

ليست الحكومة وحدها هي المدينة بل المواطنون أيضاً عليهم ديون مستحقة للحكومة تقدرها إحصاءات اللجنة المالية بـثلاثة مليارات دينار وهي اموال الكهرباء والماء وقروض سلف الزواج.

وتنازلت الحكومة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي عن بعض ديونها المستحقة على المواطنين وقررت اعفاء ضحايا الحرب ضد داعش من سداد الديون المستحقة عليهم من ديون “سلف الزواج والعقار وصندوق الاسكان” والتي تسلموها خلال الاعوام السابقة.

ولكن الاعفاء الحكومي يشمل جزءا قليلا فقط من ديونها المستحقة على المواطنين والتي تسدد باقساط شهرية قليلة.

وقال سفين دزائي المتحدث باسم حكومة اقليم كردستان لـ”نقاش”: ان “الديون المترتبة على المواطنين تسدد شهريا، أما الديون المترتبة على الشركات فقد تم سداد بعضها وبقي بعضها الآخر كما هو، ويطرأ تغييرات في حجم تلك الديون كل شهر”.

أما سداد الحكومة للديون المستحقة عليها للمواطنين فينتظر الواردات التي بدأت تقل منذ عام 2014 بسبب الازمة المالية وقطع حصة الإقليم من الميزانية من قبل بغداد، “متى ما زادت واردات الاقليم سيتم تسديد تلك الديون” يضيف دزئي.

البرلمان العراقي صادق في الثالث من آذار (مارس) الحالي على مشروع الموازنة لعام 2018 رغم اعتراض الكرد عليه فهذه هي المرة الاولى بعد عام 2003 التي يتم فيها خفض حصة الإقليم من الموازنة من 17% الى 12%.

ويتطلع المواطنون والحكومة الى وصول الأموال من بغداد الى الإقليم ليقوموا بسداد ديونهم ولكن يبدو ان انخفاض نسبتها لن يحل المشكلة بينهما اذ سبق وان حذر مسؤولو الاقليم من انه اذ تم خفض حصة الاقليم من الموازنة إلى 12% فإنها لن تكفيهم.

وقال خالد حيدر أستاذ كلية الاقتصاد في جامعة السليمانية لـ”نقاش”: انه “نظرا لان الحكومة هي السلطة التنفيذية وبإمكانها إصدار القوانين والتعليمات فبإمكانها أيضا استحصال ديونها من المواطنين، أما فيما يخص ديون المواطنين فان الحكومة مضطرة لسدادها، فإذا لم تسدد الحكومة ديونها المستحقة للمواطنين سيخلق ذلك انعداما للثقة وخطرا على المستقبل الاقتصادي للإقليم”.

وأضاف حيدر: “تنتظر حكومة الإقليم إرسال الميزانية من قبل بغداد لصرف رواتب المواطنين وليس لسداد الديون”.

في الأعوام الأربعة الماضية لم تسفر جميع المحاولات للتصالح بين الحكومة والمواطنين حول الديون عن نتائج وكانت أبرز تلك المحاولات مقترح لمجالس المحافظات تقدمت به في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي من اجل سداد الحكومة ديون الموظفين من رواتبهم المدخرة ومنها الكهرباء وغرامات المرور وديون اخرى.

وقالت خانزاد يونس عضو مجلس محافظة اربيل لـ”نقاش”: لقد “قدمنا ذلك المشروع للحكومة مرتين، الا أنها رفضته بداعي عدم إمكانية تنفيذه في الظرف الحالي، وقد وضعنا خلال المشروع جميع الإجراءات التي كان بإمكان الحكومة والمواطنين سداد ديونهما عن طريقها”.

وكانت حجة الحكومة لرفض المشروع هي ان تنفيذه بحاجة الى تفاصيل ومدة زمنية طويلة كما يجب ان يملك جميع الموظفين حسابات مصرفية وان الحكومة لا تملك الواردات الكافية لسداد الديون وتستطيع صرف الرواتب فقط حسب ما قال عضو مجلس محافظة اربيل.

مدخرات رواتب موظفي الإقليم لم توضع في حساب مصرفي حتى الآن وتحتفظ وزارة المالية بالملفات الخاصة بادخار الرواتب، رغم تقديم مقترح لتحويل مدخرات الرواتب الى حساب مصرفي للموظفين حتى وان كان رمزيا.

اما الحكومة فقررت بداية الشهر الحالي انشاء دائرة جديدة تدعى “دائرة ديون الحكومة” من اجل تنظيم وتسجيل الديون التي حصلت عليها داخليا وخارجيا وكذلك مدخرات رواتب الموظفين التي سيتم التعامل معها كديون، ولكن لا يعرف ما اذا كان انشاء هذه الدائرة سيضمن تبادل الديون بين الحكومة والمواطنين ام لا.

واعتبر هاوار شيخ رؤوف الخبير في المجال المصرفي، ان النظام المصرفي “افضل” وسيلة لحصول حكومة الإقليم على ديونها المستحقة وكذلك تسديدها وحول ذلك قال لـ”نقاش” ان “العقود التي ابرمتها الحكومة للحصول على الديون الخارجية غير واضحة ولا يعرف كيف قامت بذلك وكيف ستقوم بتسديدها، اما الديون الداخلية فسيتم استحصال جزء منها من المواطنين عن طريق المصارف كسلف العقار والزواج”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here