على ما يبدو إنه لن ينكسر

أسعد الموسوي

كثيرة هي الخلافات في الساحة السياسية العراقية، بل هكذا أريد لها أن تكون منذ أن اتخذت العملية السياسية شكلها الحالي في العراق، بعد سقوط النظام السابق عام 2003، حتى وصلت حدتها أن تتخذ هذه الخلافات طابعا مذهبيا وقوميا، تطور الى الصراع المسلح الذي كانت تداعياته إجتياح داعش للعراق ومحاولة انفصال إقليم كردستان.

هذه الخلافات كانت في داخل الكتل الكبيرة أيضا، سواء الشيعية منها أو السنية والكردية، بسبب الصراعات على مغانم السلطة التي تجير لصالح طائفة أو قومية معينة، أو الاستئثار بتلك المغانم وتجييرها للحزب الذي تحصل على ذلك المنصب، وما ندر يكون لتنفيذ البرنامج الانتخابي لذلك الكيان السياسي، وأصبحت سمة إقصاء الآخر طائفيا وسياسيا هي الغالبة على مفاصل الدولة، دون مراعاة للكفاءة والنزاهة والوطنية.

هذه الصراعات الداخلية التي يصل بعضها الى مرحلة كسر العظم وإقصاء الأخر من الوجود السياسي، تتجلى واضحة مع قرب كل انتخابات برلمانية، وتأخذ اتجاهات متعددة تستخدم فيها الإغراءات والأموال والمناصب الوزارية أحيانا، والتهديد والوعيد أحيانا أخرى، ولعل في انشقاق بدر بداية عام 2010 عن المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، ومن ثم انفصال المجلس الأعلى بجيله القديم عن الحكمة بقيادة عمار الحكيم أيضا عام 2017، شواهد واضحة على حجم الصراع ومحاولات الإقصاء وإضعاف التأثير السياسي.

يبدو أن حكومة 2010 بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، هي من أسست لمثل هذا الصراع في الوسط السياسي العراقي عموما، باتفاق رئيسها مع مسعود البرزاني من المكون الكردي دون غيره من الأطراف الكردية، وكذلك تقريبه لبعض الشخصيات السنية دون غيرها، مما أزعج البقية وراحت تؤلب الشارع السني ضد الحكومة والعملية السياسية برمتها، الأمر الذي ولد عنفا سياسيا تحول الى صراع طائفي دامي، كان نتيجته دخول داعش في ليلة وضحاها واحتلالها ثلث مساحة العراق، ووصولها أطراف بغداد.

أما داخل الائتلاف الشيعي؛ فكان فقد تبنى المالكي إقصاء المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم في حينه من العملية السياسية، حيث شكل حكومته بعيدا عنه وهو الذي كان يملك 16 عضوا برلمانيا، ومنح وزارات سيادية لمن كان يملك خمس مقاعد برلمانية، يضاف الى ذلك إبعاد عناصر وتأثير أفراد المجلس الأعلى عن جميع مفاصل الدولة، بعد أن تمكن من إستمالة بدر الى جانبه بمنحهم وزارة النقل، وعلى ما يبدو إن ذلك جاء في مصلحة الحكيم الذي لم يشترك في تلك الحكومة الفاشلة، فتحصلت كتلته على 32 مقعد في دورة عام 2014 وثلاث وزارات كانت متميزة في عملها، خصوصا وزارة الرياضة والشباب.

لكن الصراع داخل الائتلافات الشيعية لم ينتهي عند هذا الحد، بعد أن انفرط عقد تحالفها السابق الذي تغير أسمه من الائتلاف الوطني الى التحالف الوطني، والمستهدف أيضا رئيسه عمار الحكيم الذي ترك المجلس الأعلى، مشكلا كيانا سياسيا جديدا أسماه الحكمة، في وقت حرج لا يمكن لأحد فيه التقاط أنفاسه وإيجاد تأثير له في الساحة السياسية الملتهبة، لقرب الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2018، الأمر الذي جعل المكونات الشيعية لا تتحالف معه للاختلاف في البرامج الانتخابية أو لضغوطات خارجية.

لكن ما شهدناه في احتفالية يوم الشهيد العراقي، التي أحياها تيار الحكمة في سبع عشرة محافظة عراقية، والحضور الجماهيري الكبير لأنصار هذا التيار الذي تجاوز عشرات الآلاف وحماسهم الكبير، يجعلنا نعتقد أن عمار الحكيم لم ينكسر، وسيعيد الكرة هذه المرة وسيكون انتصاره مضاعفا عن انتخابات 2014، وإذا ما تحقق ذلك سيعود من تركوه لتقبيل يده من اجل إشراكهم في حكومته.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here