8 تحالفات مسيحيّة تتنافس على خمسة مقاعد في البرلمان

يخوض مسيحيو العراق الانتخابات في أجواء مختلفة، فالهجوم الذي شنّه داعش على البلاد، أجبر آلافاً منهم على الهجرة، وافرز انقسامات عميقة بين أحزابهم فيما تحاول قوى شيعية وسنية وكردية الاستحواذ على مقاعدهم.
الجمعة الماضية، هزت العاصمة بغداد حادثة مقتل عائلة مسيحية مكوّنة من ثلاثة أفراد، شاب مع زوجته وكلاهما طبيبان إضافة الى أم الزوجة، وبرغم إعلان وزارة الداخلية أن الجريمة جنائية كان الهدف وراءها سرقة أموال، إلا أن الحادثة سلّطت الضوء مجدداً على ظاهرة استهداف المسيحيين في البلاد.
الأحزاب والكنائس المسيحيّة توحّدت في إدانة الحادثة مطالبةً الحكومة العراقية بإجراءات لوقف استهداف المسيحيين الذي سيشاركون في انتخابات أيار المقبل، في اجواء سياسية وأمنية مغايرة عما كان عليه الحال خلال العقد الماضي.
ولكن على يبدو، أن ظاهرة الانقسامات داخل الأحزاب الشيعية والسنية والكردية امتدت أيضاً الى الأحزاب المسيحيّة التي فشلت في تشكيل تحالف انتخابي واحد، وقررت الدخول في ثمانية تحالفات انتخابية متصارعة على خمسة مقاعد مخصصة لهم وفق نظام الكوتا من مجموع أعضاء البرلمان العراقي البالغ (329 نائباً).
والتحالفات هي “المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري”، “اتحاد بيث نهرين الوطني”، “حركة تجمع السريان”، “ائتلاف الكلدان”، “ائتلاف الرافدين”، “حزب أبناء النهرين”، “حركة بابليون”، والمرشح المستقل فراس كوركيس، هي القوى المسيحية التي ستشارك في الانتخابات وفقاً لمفوضية الانتخابات العراقية.
وفشلت محاولات دولية وكنيسية محلية في توحيد هذه القوى ضمن تحالف انتخابي واحد لمواجهة التحديات الجديدة التي تواجه المسيحيين بعد هجوم داعش على البلاد وتهجير جميع المسيحيين من الموصل ودفعت الآلاف إلى مغادرة البلاد بشكل نهائي، فيما تعاني البلدات المسيحية في مناطق سهل نينوى من تناقص سكانها، وتناحر بين أحزابها السياسية وحتى فصائلها المسلحة.
الناشط المدني المسيحي سركون خوشابا، الذي يقطن في سهل نينوى يقول لـ(نقاش) إن “محاولات عدة لتوحيد الأحزاب المسيحية في الانتخابات المقبلة فشلت وأن وجود تحالفات مسيحية مختلفة لن ينفع المكوّن المسيحي، ولكن هذه الأحزاب أهملت المصلحة العامة، وسعت الى مصالحها الخاصة طمعاً بالحصول على اكبر قدر من المقاعد النيابية الخمسة”.
ويضيف أن “الانقسامات بين الأحزاب المسيحيّة يعود إلى القوى السياسية الكبرى التي تقف وراءها، فهناك احزاب قريبة من الكرد، وأخرى قريبة من الشيعة والسنة”.
الخلافات حول طريقة إدارة المناطق المسيحيّة وكيفية مواجهة الاستهداف المتواصل لسكانها أحد اسباب الانقسام، ولكن السبب الأكبر هو الصراع بين قوى سياسية شيعية وكردية لاستقطاب المسيحيين الى جانبهم والاستفادة من المقاعد الخمسة المخصّصة لهم.
وعلى مدى العقد الماضي التزمت الكنيسة المسيحيّة في البلاد الحياد إزاء القوى المسيحيّة المشاركة في العملية السياسية ولم تدعم أي حزب على آخر بشكل علني، ولكن الكنيسة قررت هذه المرة الوقوف الى جانب أحد التحالفات، وأعلن بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس روفائيل الأول ساكو، وهو ابرز رجال الدين المسيحيين في العراق دعمه لـ “ائتلاف الكلدان”.
هذا القرار قوبل بامتعاض وانتقاد من الأوساط السياسية المسيحيّة، واعتبرته خطوة قد تزرع الطائفية داخل مكونات المجتمع المسيحي الثلاثة في العراق، وهم السريان والآشوريين والكلدان، وجاء تشكيل “ائتلاف الكلدان” ليزيد الحواجز بين المكونات المسيحيّة، ولكن الخلاف الأبرز هو الصراع الخفي الدائر بين قوى شيعية وكردية على مقاعد المسيحيين.
وكان “ائتلاف الرافدين” بزعامة السياسي المسيحي المخضرم يونادم كنا، وهو احد اعضاء مجلس الحكم الانتقالي بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، قريباً من الأحزاب الشيعية على مدى العقد الماضي.
ويرى هذا الائتلاف الذي يتكون اليوم من “الحركة الديمقراطية الآشورية” و”الحزب الوطني الآشوري” أن التحالف مع الطرف الأقوى في البلاد سيحقق مصلحة للمكون المسيحي أفضل مما لو بقي خارج التحالفات، اذ أن تمرير القوانين المهمة للمسيحيين يحتاج الى تحالف سياسي كبير.
في الجانب الآخر، فإن تحالف “المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري” معروف بقربه من اقليم كردستان ويؤيد مواقف وسياسات حكومة إقليم كردستان، وله علاقات طيبة مع “الحزب الديمقراطي الكردستاني”.
في حزيران 2017 عقدت قوى مسيحية بدعم من دول أوربية مؤتمراً لبحث مستقبل المسيحيين في العراق بعد مرحلة “داعش”، ولكن في اللحظة الأخيرة انقسمت القوى المسيحية حوله، وأعلن “ائتلاف الرافدين” والكنيسة السريانية بزعامة لويس ساكو الانسحاب بعدما علموا أن البيان الختامي للمؤتمر سيدعو الى تشكيل إقليم مسيحي في مناطق سهل نينوى.وحضر المؤتمر تحالف “المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري” الذي يضم “المجلس القومي الكلداني” و”حركة تجمع السريان” و”المنبر القومي الكلداني” و”حزب بيت نهرين الديمقراطي” و”اتحاد بيث نهرين الوطني”، وبعد ثلاثة أشهر على انعقاد المؤتمر أجرى إقليم كردستان استفتاءً للاستقلال عن العراق، وأعلنت هذه الأحزاب المسيحيّة تأييدها له.
ويقول يعقوب كوركيس عضو “الحركة الديمقراطية الآشورية” إن “خريطة التحالفات الانتخابية المسيحية تعكس الواقع الذي يعيشه المسيحيون والذي يعاني الهجرة والطائفية وعدم عودة النازحين الى الموصل وسهل نينوى، وصراع بين القوات العسكرية التابعة الى الحكومة الاتحادية وأخرى الى اقليم كردستان في هذه المناطق”.
وأضاف أن “حادثتين عززتا التباين السياسي بين القوى المسيحيّة، الأولى مؤتمر بروكسل الذي قاطعته قوى مسيحية مهمة، والأخرى الموقف من استفتاء إقليم كردستان الذي شهد أيضاً انقساماً بين الأحزاب المسيحيّة”.
المقاعد النيابية الخمسة المخصّصة للمسيحيين موزّعة اليوم بين ائتلاف “الرافدين” مقعدان عن بغداد وكركوك، و”المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري” يملك مقعدين أيضاً عن نينوى ودهوك، فيما حصلت “قائمة الوركاء” على مقعد واحد.
الدورة الانتخابية البرلمانية الحالية التي شارفت على الانتهاء شهدت صراعات بين النواب المسيحيين. وفي تشرين الأول الماضي، طالب البطريرك لويس ساكو برفع الحصانة عن النائب جوزيف صليوه عضو “قائمة الوركاء” واتهمه بإطلاق تهم وانتقادات باطلة ضد الكنيسة ونواب مسيحيين، بينما اتهم الأخير رئاسة البرلمان بالانحياز الى “ائتلاف الرافدين” كممثل عن المسيحيين واهمال باقي الأحزاب المسيحية.
في حين يصدر البطريرك لويس ساكو بين الحين والآخر، انتقادات غير مباشرة الى “ائتلاف الرافدين” لأنه لم يكن بمستوى طموح تمثيل المسحيين في العملية السياسية على مدى الأعوام العشرة الماضية، وهذا ما دفع ساكو في النهاية إلى دعم ائتلاف انتخابي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here