الهجرات العربية نحو الشرق قديما، ودور حضرموت المحوري في نقل الثقافة الاسلامية الى اقطار جنوب شرق آسيا ! ح 1

د. رضا العطار

في تاريخ اجدادنا الاقدمين امثلة من الهجرات مليئة ببوادر المغامرة والتضحية، تغنّى بها الشعراء، فطارت اخبارها وازداد اغرائها. واول شاعر عربي رفع عقيرته بالدعوة الى الهجرة هو الشنفري، يعدد بواعثها وفوائدها، وهي اول دراسة في هذا الموضوع، يلقيها علينا عهد الجاهلية.

وفي الارض منأى للكريم عن الاذى * * وفيها لمن رام العلى متعزل
لعمرك ما في الارض ضيق على امرئ * * سعى راهبا او راغبا وهو يعقل
لأستفّ ترب الارض كي لا يرى له * * عليّ من الطول امرؤ متطول

اذن فالدوافع الى الهجرة لم تتغير بتغير الازمان : السلامة من الأذى واجتناب الاحقاد والخوف من العدوان والسعي وراء الآمال واخيرا الابتعاد من الذل ومن منّ المتطولين.
والامام الشافعي يتشدد في الدعوة الى النزوح عن الاوطان قوله:

ما في المقام لذي عقل وذي ادب * * من راحة فدع الاوطان واغترب
سافر تجد عوضا عمن تصاحبه * * وانصب فان لذيذ العيش في النصب
إني رايت وقوف الماء يفسده * * إن سال طاب وان لم يجر لم يطب
والتبر كالترب ملقى في اماكنه * * والعود في ارضه نوع من الحطب

وقال في موضع آخر :

اذا قيل في الاسفار ذلّ ومحنة * * وقطع الفيافي واقتحام الشدائد
فموت الفتى خير له من حياته * * بدار هوان بين واش وحاسد

ولم يرتحل العراقي زفرة بن زريق من بغداد الى الاندلس الاّ هربا من ظلم خلفائه، قوله:

ما آب من سفر إلاّ وازعجه * * عزم، بفضاء الله يذرعه

فهجرة ابناء العرب الى العالم الخارجي سواء أكان نحو المشرق او المغرب، كانت ضرورة لا مهرب منها في ظروف خاصة. ثم اصبحت مغامرة لا مبرر لها عندما تغيرت الظروف. كانت وسيلة للنجاة من ضائقة سياسية او دينية او اقتصادية، وكانت نية المهاجر في البدأ هجرة موقتة لكنها صارت استقرارا دائما، كانت دواء لعلة عارضة، فأصبحت داء مزمنا يتعذر شفاؤه.

والمهاجر العربي يخسر نفسه احيانا، ( وماذا ينفع الانسان لو ربح الدنيا كلها وخسر نفسه ) والوطن العربي بدأ يحس ألم الخسارة التي نُكب بها، فهو احوج ما يكون الى القوى الحية التي راحت تعمّر وتبدع في ارض غير ارضه، والوطن احق من الأجنبي بمدد ابنائه في حومة البناء والارتقاء.
الحلقة التالية، الاثنين القادم !

• مقتبس من كتاب دائرة المعارف الاسلامية للباحث حسن الامين بيروت 1990
والقصائد مقتبسة من كتاب ادبنا وادباؤنا في المهاجر الامريكية لجورج صيدح.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here