مستاءة أنت!!

رن جرس الهاتف النقال سارعت قبل والدتها لرفعه لاشعوريا، مهمومة ومنزعجة وقد اطبقت افلاك حريتها حتى باتت لا تستطيع ازاحتها وتلك المساحة التي فقدت بعد مشكلة داهمتها عنوة فعكرت صفو أيامها فأنزوت.. نظرت إليها والدتها ثم اتجهت الى المطبخ بعد ان سمعتها..
ألو.. بنبرة صوت شزر
ألو.. عفوا يبدو أنك مستاءة من شيء ما سأعاود الاتصال بك لا حقا…
أغلقت سماعة الطرف الآخر وهي حالة استغراب تام!!!! يالهذا المجنون؟ صارخة من يكون حتى يغلق سماعة الهاتف في وجهي، لابد أنه احد الوجوه التي أكره تحاول ان تتصيد لمعرفة ردة فعلي على ماحدث، لكن لا سأبقى مستندة وظهري الى جدار الصمت، فليس لي ان اتحدث بما يزيد الطين بلة، سحقا لك من هاتف لقد ازعجتني واربكت مفاصل عقلي، ها أنا لا استطيع التركيز والبحث في مفكرة رأسي عمن يكون صاحب هذا الصوت، لابد لي من معرفته أو على الاقل تصور ملامح وجهه….
والدتها: لا تعيري اهمية لذلك فكثرة من يتصيدون في الماء العكر كثر هذه الايام، إني في المطبخ في حال إن اردتي شيئا مني… ما ان هزت رأسها مجيبة والدتها بإشارة حتى رن جرس الهاتف النقال مرة ثانية، لم يتسنى له ان يقطع رنته الأولى حتى تلاقفته قائلة: ألو من المتحدث!؟
ألو.. ههههه يبدو أنك مستعجلة هذا المرة وملهفة غير المرة السابقة، أرجو ان تكوني قد هدأتِ ولستِ مستاءة، أو لعل الدقائق التي تركتك تفكرين عقدتِ بعض العقد في خيوط مسترسلة كثيرة قد تكون عثرة او عقبة في تخطي الأمر، إنك يا سيدتي رائعة في كل شيء، لا يمكنني ان اصفك إلا بآلهة الجمال والحب، فمن المستحيل من يراك وابتسامتك المشرقة مصحوبة مشعة مع ينعان اطلالتك ان لا يهمس او يتغامز مع من يقف الى جانبه، سواء ازعجك هذا ام العكس، لقد صورك الله كآية ابتلى بها عبادا من خلقه، لعلك تكونين سببا في من يدخل الجنة او يدخل جحيم، فالدخول الى حياتك جنة، والابتعاد عنك جحيم، أنني لا اسرد عليك فصلا من قصة ما، او فصلا من مسرحية، ذلك هو شعوري الذي حاولت كبته واخفاءه عنك وعن جميع من هم حولي، كي لا يفضحني هوسي وشغفي بك الذي وصل حد الجنون، وما حصل كان باب النجاة لي من عدم الركوع بين يديك واعطاءك زهرة الحياة البنفسجية اللون التي اعشق وتعشقين امام الجميع أليس كذلك؟؟ وإن كنت راغبا فعلها..
من أنت؟ من تكون؟ فأنا لم اسمع صوتك من قبل، ماهذا الهراء الذي تتحدث به، كيف تجرأت على الحديث معي بهذا الطريقة وكأنك تعرفني من زمن بعيد؟ هيا اغلق سماعة الهاتف قبل ان أغلقها في وجهك…
هههههه يا حياتي، يا كلي وبعضي، يا أنا أنت، سعيد بسماع موسيقى تغريدك آه لو تعلمين أني في الوجود بسببك انت، ثقي أني ما احببت الحياة ومافيها إلا من أجل ان اكون الى جانبك حيا كنت أم ميتا، لا تستغربي إن الله خلقني وقد طبع صورتك في قلبي وإسمك في عقلي، أما أنت فنبضي وشراييني وكل ما انا كمخلوق لا يكتمل كيانه إلا بك.. هل تعلمين عذابي انت؟ سهدي انت، مفردات اسمي انت، وجودي أنت، فهل بعد الوجود من حياة، أرجوك اسمعيني الى الأخر فأنا اعلم جيدا انك لن تغلقي سماعة الهاتف، ولو شئت لأغلقتها بداية كما سابقتها، ربما الفضول هو من دفع بك الى الاستمرار في الانصات، فهذه المرة الأولى التي احترم الفضول فيها، لأني امقته كثيرا، لقد اوقعني في عدة مطبات احرجتني، ربما سأتناسى مقتِ له لوهلة كونه فتح باب الأمل في الحديث معك والاستمتاع بصوت انفاسك التي أحاول فك طلاسمها عبر موجات هاتف غير مرئية كشفرة دافنشي، إني يا سيدة عمري إنسان هائم فيك، يتوسل الله تعبدا أن تدخليه جنتك التي يحب، إنك ملاذي من كل موبقات الدنيا، فالعيش بقرك آمان لي بل هو سبب بقائي حيا، اما الابتعاد عنك فذلك يعني انزال مقصلة الموت على كل احلامي وانهاء سبب وجودها، لست مجنونا إلا بك، وإن وضعتك في حيرة من أمرك فذاك كوني لا اقوى على ان اتلقى الرفض وجها لوجه .. سَمِهِ ما شئت جَبنٍ او انتقاص في شخصية، كيف ما تشائين سمه، فالرجال الاشداء هزمهم الحب هكذا يقول التأريخ، فما بالك بالعشق، الهيام، اليتم كله من طرف واحد كما هو حالي الآن، اتحدث من طرف بعيد قريب جدا إليك بهدهدة انفاسك التي استطعم عبيرها والانصات الى خفقان وضربات قلبك التي تتصاعد تارة وتهدأ ساعة، لعلي ارهقت عقلك وقلبك من الجريان كلا في اتجاه لمعرفة حقيقة وصورة من يكون هذا المجنون أليس كذلك؟؟
تحدث إليها وقد تراخت كل عضلات جسدها، لقد أزاح حديثه معها تلك الغيمة التي قطنت فوق راسها في محاولة هطول مطرها بماء اسود، يعكر، يطفئ وهج الاشعاع الذي تضفيه على من حولها من بنات جنسها او الجنس الآخر..
فخرجت الكلمات من قلبها مباشرة قبل شفاهها..
لا ادري كيف لي ان اصيغ حواري معك!! لقد اربكتني، بل فتحت وحطمت قلاع كنت اخاف ان اكون خلفها حيت تعرضي لمثل هذا الموقف وإن كان في غير مواجهة، جنون حديثي قد يكون سببا في وضعي خانة لم اتوقع ابدا اني سأكون فيها، فزاويتها محددة واعتبرها واقعا احتكار لي ولك ايضا، فمسألة العواطف ما ان تنصاع الى إنسان فإنها تقوده الى محطات لايتوقعا ابدا ان تكون مَعبَراً له، ذاك ما يخيفني، والادهى عفويتك في سرد مشاعرك والتمسك بها ضامنا كأني اتفاعل معها وقد حصل ذلك فعلا، لقد حركت كياني بل أثرتني وألبستني ثياب الغبطة التي افتقد، يا لسذاجتي وياللعذوفة مفرداتك، أكاد لا أمل سماعها حتى وإن كررتها، هاهو وجهي قد طفح و وهج خجلا ورغبة في خوض تجربة الحب لقد تسارعت ضربات قلبي تلك التي اسمعها مدوية.. لكن!؟ من تكون هل فعلا أنك تعتبري كما سمعت؟ أم أنك شخص يتسلى ويخفي طباعه وصورته الحقيقية خلف سماعة هاتف، لا ادري؟؟ أكاد لا أميز هاته من تلك.. هلا أخبرتني من تكون ؟ وكيف حصلت على رقم هاتف منزلي؟ هل اعرفك كشخص ربما التقيتك صدفة في حرم الجامعة مثلا؟؟
توقفي عن اسئلك تلك، سأخبرك كل شيء لكن عليك ان تعدي ان لا ترفضيني شريك حياة لك..
ما الذي تقول!!!؟ هل جننت؟؟ كيف يكون ذلك؟ وفي اي قرن نعيش حتى ارهن حياتي لصوت دافئ مجرد صوت سمعته لوهلة..
ساخبرك حالا هلا توسمتِ صبرا، إني حمزه الطالب في المرحلة النهاية من كلية الطب، وأخ صديقتك المقربة نهلة، لعلك عرفتني الآن فقد شاركتكما الطعام في كافتيريا الجامعة مرة او مرتين، بعدها يُتِمتُ بك حد التجرد من كل شيء سواك.. غير ان نهلة شجعتني واثارت حفيظتك بالامس القريب لتدفع بي لأتدخل وإصلاح ذات البين وسوء التفاهم كوسيلة تعارف بيني وبينك فانتهزتها فرصة لكشف مشاعري.. صدقيني لم اكن انوي ذلك لكن صوتك وانفاسك وحشرجتها وحبي لك دفع بي الى ذلك، تلك هي حقيقتي ولك الحكم علي بالحياة او الموت…
كان صمتها اشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة، مشاعرها انتفضت نحو فوهة لم تألفها وقد اتقد كل شيء فيها، توهجت ناسية صديقتها وما فعلت، فجاء ردها ..
لا.. لا أريد ان اربط مصيري بشخص يخفي حقيقة مشاعره ثم يحاول انتهاز الفرصة للنيل ممن يحب، لقد كان عليك مواجهتي كعاشق لايخاف، فتلك ميزة احترمها واقدرها في الرجل الذي سأشاركه أحاسيسي، لكنك تحاول الدخول عبر نافذة مستغلا صداقتي بنهلة… ولا أظنني استطيع …
أرجوك لا تكملي عبارتك لقد فهمت، وثقي بأني سأدخل من الباب وليس النافذة فتلك ليست من شيمي كمحب عاشق.. هيا انهضي لو سمحتِ وافتحي الباب لي ولعائلتي فقد طال وقوفهم وانا اتحدث إليك عبر الهاتف النقال.

بقلم/ عبد الجبار الحمدي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here