مشغول بالانتخابات: حملة محاربة الفساد مؤجلة

بغداد ــ أكثم سيف الدين

مع بدء العد التنازلي لإجراء الانتخابات البرلمانية العراقية، المقرّرة في 12 مايو/أيار المقبل وهو عمر الحكومة والبرلمان، غصّ العراق بملفات فساد كبيرة، أنهكت الحكومة والشعب، في ظل وجود مافيات وقوى مسيطرة على مفاصل مهمة في الدولة، والتي بدا أن رئيس الحكومة، حيدر العبادي، لم يستطع مواجهتها، على الرغم من إعلانه “الحرب على الفساد”. في هذا السياق، شكّك مسؤولون ومراقبون في قدرة العبادي على الوقوف في وجه هذه الجهات، أو محاولة كشف ملفاتها، وقد بات مجبراً على غضّ الطرف عنها، إذ أنّ ارتباط هذه الجهات وقوّتها، لا تقل عن قوة الدولة، الأمر الذي أجبر العبادي على عدم الصدام معها، والسكوت على فسادها.

وقال مسؤول سياسي مطلع، لـ”العربي الجديد”، إنّ “العبادي، الذي أعلن منذ أشهر عدة الحرب على الفساد، لديه ملفات كثيرة وخطيرة، تخصّ جميع الوزارات العراقية، وتخصّ عدداً كبيراً من المسؤولين ذوي النفوذ والسلطة”، مبيناً أنّه “شكّل منذ ذلك الوقت لجاناً خاصة لدراسة هذه الملفات، وكيفية التحرّك قانونياً عليها”. وأكد أنّ “تلك اللجان قدمت تقاريرها إلى العبادي، منذ فترة، لكنّه لم يفتح تلك الملفات، ولم يوجه بالتحقيق فيها”.
وعلى الرغم من إعلان العبادي “الحرب ضدّ الفساد”، منذ أشهر عدة، إلّا أنّ هذه الحرب لم تتمخض عنها أي نتائج تذكر، بل يتم في كل يوم كشف ملفات جديدة عن الفساد، لكنها تُطوى من دون أي تحقيقات.

ودعت عضوة لجنة النزاهة البرلمانية، النائبة عالية نصيف، هيئة النزاهة، إلى “استكمال التحقيق في 25 ملف فساد في وزارة الدفاع، في عهد وزيرها المقال، خالد العبيدي”، مبينة، في بيان صحافي، أنّه “تم إكمال التحقيق، حتى الآن، في ملف التعاقد مع شركتي بولي ونورينكو الصينيتين، وتمت إدانة الوزير ومدير عام التجهيز والتسليح السابق، الفريق هادي عذاب، بارتكاب مخالفات”. وأكدت أنّ “هذا الملف هو من بين 26 ملف فساد في الوزارة، تمت إحالتها إلى التحقيق”.

وكشفت أيضاً “امتلاك العراق مزرعة شاي في فيتنام يتم تسويق إنتاجها إلى شركات في دول أخرى، يملكها فاسدون في وزارة التجارة العراقية”، مبينة أنّ “هناك مصنعاً للتعبئة ملحقاً بالمزرعة، وهما يدرّان أرباحاً كبيرة على الفاسدين”. واستغربت نصيف “عجز الجهات الرقابية عن ملاحقة الفاسدين في وزارة التجارة، التي أصبحت وكأنها مؤسسة ربحية تهدف إلى تحقيق المنفعة لحيتان الفساد”. ودعت إلى “فتح تحقيق حول كيفية إدارة مزرعة الشاي العراقية، وكشف النتائج أمام الرأي العام”.

كما أكد مسؤولون عدم وجود نية حقيقية لدى الحكومة للقضاء على الفساد. وقال، في هذا الصدد، عضو اللجنة المالية البرلمانية، النائب عبد القادر محمد، لـ”العربي الجديد”، إنّ “العراق لم يستطع، حتى الآن، تحقيق الشفافية في إدارة مؤسساته، على الرغم من حاجة البلاد إلى تحقيق هذا الهدف، والذي من خلاله يتم تجاوز الكثير من الأزمات الاقتصادية التي تثقل كاهلها”.

ورأى أنّنا “نفتقد إلى وجود النية الحقيقية لتحقيق مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد، ولو كانت هناك نية حقيقية من قبل الحكومة لكان العراق قد خطا خطوات إلى الأمام في القضاء على آفة الفساد والمفسدين، ولكان حقق الكثير للشعب”.

بدوره، اعتبر النائب في البرلمان، مطشر السامرائي، في تصريح صحافي، أنّ “هناك فساداً مالياً وإدارياً مستشرياً في البلد، خصوصاً داخل لجان البرلمان، وليست هناك أي خطة حقيقية لمعالجته”، مؤكداً أنّ “أغلب الصفقات تدار من قبل نائب أو عدد من النواب من كتل مختلفة، بالاتفاق على ابتزاز وزير ما، عن طريق الاستجواب، من أجل الحصول على منافع شخصية”. وأشار إلى أنّ “هناك العديد من ملفات الاستجواب كانت مدرجة على جداول أعمال البرلمان، خلال الفترة الماضية”، مؤكداً أنّه “تم تأجيل تلك الاستجوابات، مرات عدة، لأسباب مقصودة وغير مقصودة”.

وأصبحت “معركة الفساد” من أصعب المعارك في العراق، في وقت وقفت فيه الحكومة عاجزة عن التقدم فيها، واعتبر مسؤولون أنّ “الفساد بات أقوى من الدولة، وأنّ الجهات التي ترعاه لا أحد يستطيع الاقتراب منها”.
وقال القيادي في التيار المدني، هيثم الفرّاجي، لـ”العربي الجديد”، إنّ “العبادي لا توجد لديه استراتيجية واضحة لمحاربة الفساد، فحربه التي أعلن عنها، منذ أشهر، لم تتجاوز التصريحات”، مبيناً أنّ “جميع الملفات التي تتوفر لديه الأدلة بإدانة مسؤولين فيها، لم يقترب منها”.

وشدّد على أنّ “ملفات صفقات السلاح، والوظائف الوهمية، والتعيينات الحكومية، وسقوط الموصل، والأموال المهرّبة، وعقارات الدولة، والتهريب، والمخدرات وغيرها من الملفات، لم يستطع العبادي فتح أي منها، إلّا من خلال الكلام فقط”، مؤكداً أنّ “مافيات الفساد بُنيت في البلاد على مدى أكثر من 13 عاماً، وأنّ القائمين عليها يشكّلون تهديداً على أي جهة تقترب منهم، وإن كان العبادي نفسه”. وأشار إلى أنّه “على ما يبدو، فإنّ قدر العراق أن يبقى يغوص في أعماق الفساد، وأنّ هذه الحرب مع الفاسدين هي حرب فاشلة وبلا نتائج، وأنّ الفترة المتبقية من عمر الحكومة، وهي أقلّ من شهرين، لا تكفي لأن تقدم شيئاً في هذا الإطار، ما يعني أنّ هذه الملفات ستُترك للحكومة المقبلة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here