أخبار مزيفة من مصادر موثوقة؟

بقلم د. ميثم محد علي موسى
“يستطيع الكذب أن يدور حول الأرض في انتظار أن تلبس الحقيقة حذاءها” مارك توين

الإتحاد الأوربي يسعى من حوالي سنتين إلى سن قوانين تُعاقب نشر الأخبار الوهمية والمفبركة والكاذبة ، ليس في الإعلام الكلاسيكي فحسب ، بل وبشكل رئيسي بسبب الإستخدام المتزايد والمتسارع عالمياً لوسائل التواصل الإجتماعي كمصدرللمعلومات و الأخبارالتي تحتوى على ماهو مزيف وخاطيء وغير دقيق ومحرِّف للواقع . فهذه المعلومات والأخبار التي تصل المتابع تشوّش تصوراته وتشوه معلوماته وتؤثر على وجهات نظره في شتى القضايا بل ويمكن أن تحدد سلوكه . و الأخبار والمعلومات الوهمية والخاطئة قد تكون مصممة خصيصاً لخداع المتابعين والقرّاء ، ولكن يمكن أن تكون غير مقصودة أيضاً بسبب عدم توفر الدقّة أو لنقص في المعلومات في بعض المجالات العلمية .

عالم الجملة العصبية الأمريكي دانيل لَفيتِن* نشر كتاباً عام 2015 بعنوان ( من مصدر غير موثوق) يقول فيه بأن العالم أصدر من الأخبار والمعلومات خلال السنوات الخمس الأخيرة أكثر مما أنتجته البشرية خلال تاريخها كله منها! ولكن كيف يستطيع مستخدم وسائل الإعلام المعروفة والتواصل الإجتماعي التمييز بين ماهوصحيح وبين ماهو مضلّل ومفبرك أو مايقول نصف الحقيقة؟ وكيف يمكن الوثوق بالمصادر؟

يقول المثل الهولندي ” عين واحدة تكفي البائع ، وينبغي للشاري إثنتان” وهذا يعني بالنسبة لمتابع الأخبار ومستخدم وسائل التواصل الإجتماعي أن يمتلك ( رداراً) عقلياً يلتقط ويميز بين ماهو صحيح وماهو مغلوط ، ماهو منطقي وقابل للتصديق وماهو فبركة أو ثرثرة لاعلاقة لها بالواقع . يعطي دانيل لَفيتِن مثالاً على تشويه المعلومات ، يقول : نشرت صحف أمريكية انه وخلال 35 سنة من عدم تطبيق قانون عقوبات الماريجوانا – حشيشة القنب- في كالفورنيا ، فإن عدد مستخدمي الحشيش يتضاعف سنوياً ! ويبدو ذلك منطقياً للوهلة الأولى ، فحيثما يتساهل القانون ، يتشجع تجار المخدرات على ترويج بضاعتهم ! ولكن ما أن تقوم بالتركيز على الخبر وإعادة الحساب فستحصل على أرقام مخيفة. فلو إفترضنا ان شخصاً واحداً فقط كان يستخدم الحشيشة في كالفورنيا قبل 35 عاماً ، فإننا سنحصل على نتيجة ان هناك 17 ملياراً من متناولي المخدرات في كالفورنيا اليوم! وهذا مستحيل بالتأكيد.

ماذا يعني ذلك ؟ يعني ان القاريء والمتابع ومستخدم وسائل التواصل الإجتماعي بحاجة إلى إستخدام نفس الطريقة النقدية والمتأنية عند الإطلاع على أي خبر ومعلومة ، ويعني ان عليه أن يتوقف لأكثر من مرة عند أي خبر أو معلومة منشورة قبل أن يعتبر ذلك يقيناً ، فيبتلع صنارة الفبركة ويقتنع بالوهم . حتى ان أكثر المثقفين والمتعلمين يقع في فخ المعلومات المفبركة والوهمية ، بسبب وسائل التواصل الإجتماعي كالنت والتويتر والفيس بوك .

أما المتابع العربي فيتم إخضاعه قسراً إلى تقبل الفبركة والأخبار الكاذبة والمطبوخة في دهاليز الأنظمة التعسفية حث يلعب تكرار الأخبار بوسائل ومصادر عديدة إلى تقبل المواطن الأمر على انه أمر مفروغ منه وحقيقي. فغالبية ، ان لم تكن كل الأنظمة العربية ، تعد الأخبار في أروقة النظام وتضخها إلى المواطن البسيط الذي يتلقفها ، ولربما أضاف إليها وأعاد نشرها على نطاق واسع ، فتنتقل كالنار في الهشيم . ويكفي أحياناً نسبة الأخبار والمعلومات إلى شخصية مشهورة ومعروفة لتجد طريقها إلى قلوب وعقول الناس. ناهيك عن سيطرة الدولة على كل وسائل الإعلام و إمتلاكها إلى جيش من الصحفيين والكتاب المفبركين ومقدمي البرامج على الفضائيات مدفوعي الأجرة لترويج مايروق للنظام ، هؤلاء من كان الراحل د.علي الوردي يسميهم ( وعّاظ السلاطين )

من يريد أن يتحصن ضد ظاهرة الوقوع في فخ المعلومة والخبر المفبرك والكاذب عليه ان يمتلك عينين وعقلين في آن واحد .

(د.ميثم محمد علي موسى)

*

Daniel Levitin

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here