دراسة نقدية حول مجموعة #قيامة_وطن

دراسة نقدية حول مجموعة #قيامة_وطن للكاتب غفار عفراوي

صباح محسن كاظم :

 التهكم في قصص قيامة وطن

ثمة إشتراطات واجب الإعتناء بها في التعاطي بكتابة القصة القصيرة جداً : الإختزال –التكثيف – الشعرية -القصدية أصفها بومض بعد برق .. وضح ذلك معظم النقاد د- محمد حمداوي (المغرب ) في كتابه عن القصة القصيرة جداً ، د-جابر عصفور ( مصر ) بدراسته النقدية الحديثة عن القصه القصيرة القص هذا الزمان ، وعشرات من النقاد العرب ، فضلاً عن تمثل دراسات د-كريم الوائلي د- جاسم الياس – إسماعيل إبراهيم عبد – وغيرهم من النقاد العراقيين التي أغنت مؤلفاتهم الدراسات بموضوعة القصة القصيرة جداً ،وتُعد عِماد الدراسات النقدية عن القصة القصيرة جداً بالعراق .. إستخدمت مؤلفاتهم النقدية بدراسات عن القصة القصيرة لدى بعض المبدعين العرب “مريم الحسن ” –السعودية – القاص “حمودي الكناني ” -العراق – بمجلة رؤية –المُحكمة – في ليبيا ، و غيرهم بدراسات للصفحات الثقافية المختلفة ولدت لديّ الميل لهذا الجنس الإبداعي فتناولت عدة مجاميع قصصية للمبدعين مهدي علي زبين – علي السباعي – إبراهيم سبتي وغيرهم .. من هذا التمهيد أحدد القيم الجمالية في المعطى القصصي للكاتب “غفار عفراوي ” بقصصه القصيرة جداً (الإصدار الأول ) “قيامة وطن ” عن دار كيوان –سوريا -2017 في 102 صفحة .. إجمالاً القصص إتجهت بوصلتها صوب (التهكم ) السياسي –الإجتماعي وهو يتفاعل مع لا وعي الكاتب الذي عُرف بكتابة المقالات النقدية الساخرة ،المُتهكمة بموضوعات شتى ،هذا التراكم طوال أكثر من عقد برصد الواقع السياسي ،بتناقضاته ، وتصدعاته ، والمحن المتتالية من عنفٍ ،وفسادٍ في إدارة البلاد ،وإحتلال خلف الخراب أكمل ما فعلته الدكتاتورية البعثية لعقود خلت ولد لدى “غفار” القدرة على تناول موضوعات ساخرة بكلمات معدودة إقتربت أحياناً مع إشتراطات القص ،ونجح بحبكتها،ومضمونها وتمثل أكثر من نصف المجموعة ،فيما بعض تلك القصص كانت سطحية ،مباشرة ،تفتقد شروط نجاح القصة القصيرة التي تفوق بأكثر من نصفها ،بالطبع المران ،والتجريب ، والقراءة لتجارب عربية مهمة (الماغوط ) (أحمد مطر ) (وجيه عباس ) (علي السوداني ) (حسن برطال) والأخير من ألمع كتاب القصة القصيرة جداً بالوطن العربيّ يرفد الكاتب برؤية ووظيفة القصة في نقد الواقع الفاسد ، فالمرتجى والمؤمل من ممارسة النقد والتهكم بالقصة القصيرة هو ليس النقد من أجل الإنتقاد بل للبناء ، مع محاكاة صُناع الصنعة ضرورة للنضوج القصصي ، يمكن لي التعبير مجازً عن القصة القصيرة كاريكاتير سياسيّ ناقم على المساويء داعياً للإصلاح كما قدمه بهجوري وناجي العلي ومؤيد نعمة وغيرهم ،القصة القصيرة جداً تلاحق بتهكم وإزدراء وإحتجاج الطغاة أو اللصوص للمال العام وظواهر إجتماعية مُقرفة ..ثمة قصص قد حققت غاياتها الجمالية –نسق السرد المقتضب- بالتكثيف والشعرية والرمزية وهذا يُحسب لتجربة الكاتب الأولى والتي أفحص بعض قصصها 0( مهزلة –محكمة – إقتياد – مصير –ام يعقوب – حسنُ نيه- محكمة – ممارسات –خيانة –كفاءات – حاج – تكريم -)

مهزلة:
جلس ( سبهان ) وقد بدت على جسده النحيل آثار السنين وقد علت وجهه بالتجاعيد. شاهد المتّهمين بقضية قمع الانتفاضة وهم في أبهى حُلّة وأجمل منظر! تذكّر مرارة السنوات تحت التعذيب النفسي والوحشي، صاحَ بقاضي المحكمة: – أنا قمعتُ الانتفاضات الشعبانية والرمضانية والرجبية.. سقط مغشيّاً عليه. حرّكوه، كان قد مات! ***
المفارقة التي استخدمها غفار بتلك القصه بين الجلاد والضحية؛ وتبادل الاداور نلكن الجلاد بقي بثيابه التي لم تتغير فيما كان تمزق ثياب الضحايا من الجلاد بسجوننا الوحشية كما في قصة محكمة – اقتياد – وغيرها
محكمة
مُدافعاً عن نفسهِ في قاعةِ المحكمة، صاحَ المتهم بأعلى صوته: – لقد كُنتُ رحيماً بالغوغائيين فلم أُعذّبهم بالكهرباءِ أو بقلع الأظافر! ردّ المشتكي بصوتٍ حزينٍ منكسر: – لكنه يا سيادة القاضي حرمنا نِعمة الكرامة لسنين طِوال.
– اقتياد:
اقتادت قوات الشرطة لشيوخ والنساء والأطفال لجهةٍ مجهولة بلا رحمة أو إنسانية! لم يعلم أيَّاً منهم ما الجريمة التي اقترفها! سلموا أمرهم بيد الجلادين.صاغرين! حصل ذلك في أزمنة الجحيم، داخل حدود مشتعلة لبلد السفاهة!
مصير
قَرَأ بعد عشرين سنة، في الصحيفة الحكومية اسم أخيه تحت مُسمى “ضحايا المقابر الجماعية”. اغرورقت عيناه بالدموع، وحمد الله كونه لم يكن ممّن ذابوا في أحواض التيزاب!

لعل قصة ام يعقوب مؤلمة جدا نجح بحبكتها كيف كان البعث يعامل ابناء الشعب بالمطاردة –الاعدام – معاقبة عوائل كل معارضيه بوحشية عجائبية
كما بتلك القصة أم يعقوب – محكمة – وغيرها
انتشروا في ساعةٍ متأخرةٍ من ليلةٍ تموزيةٍ وسط أزقة الحيِّ القديم.. هجموا على دار “أم يعقوب” نصبوا سلالمهم الطويلة،تسلّقوا، قفزوا كاللصوص، أرعبوا النساء اللواتي هربنَ من حرّ الهاجرة. صاح رفيقهم بوجهها: – أين يعقوب؟ ردّت وقد فرغت توّاً من صلاة الليل ولّما تجفّ دموع دعائها بعد.. نعم. ماذا تريدون؟ الم تأخذوا زوجي وأبنائي الأربعة؟ صاح بها وكأن الرحمة أقتُلِعَتْ من قلبه: – اخرسي يا عجوز. انتم غوغاء. وسنقتادكم جميعا حتى يظهر يعقوب!!
كانت المفارقة المضحكة-المبكية أن المرأة كانت أماً لأربعة فتية كانت أسمائهم على التتالي “محمد وعلي وعباس وحسين” وكانت تُكنّى بأمِّ يعقوب في شبابها، قبل أن تتزوج وتنجب أولادها الأربعة!
ولعبة المفارقة بقصة 0حسن نيه0 التي تجعل الاطمئنان بزمن الغدر غباء
حسن نيّة
وضع رأسهُ على جُرف النهر، أسْبَلَ يديه، أغْمَضَ عينيه. – سأناااااااام قليلا.. سأنام …سأنام. استيقظ بعد ساعات فلم يجد الزورق ولا الشبكة!!

محكمة
آخر ما قال في قاعة المحكمة بعد صدور حكم الإعدام لكتابته قصيدة شعر في آخر أحلامه:
– أمي، ولدتني كي أعيش حُراً ، كي أتكلم، كي أكتب…فمن يُحاكم أمي؟!
ثمة صرخة واحتجاج علي ممارسات بعصر الديموقراطية وكأننا بزمن الفاشستيه ومصادرة الحقوق والحريات في حبكة قصة

ممارسات:
خرج لممارسة دوره في رفض الظلم ، عادوا به محمولاً على الأكتاف بعد ممارسة الحكومة لدورها!

كفاءات
افترقا أيام الدراسة المتوسطة بعد فشل (س) في اجتياز مادة اللغة العربية لثلاثة سنوات متتالية. (ص) استطاع الحصول على شهادة البكالوريوس في اللغة الانكليزية . بعد سقوط النظام عاد (س) من الغربة وصار وزيراً للتربية والتعليم العالي ، واستمر (ص) ببيع الشاي على باب الوزارة!
عالج الكاتب غفار عفراوي بحكمة موضوعات تفشت بواقعنا وادان تلك الممارسات التي تعد من الضحك على الذقون ومحاولات الاستغفال (حاج)
علق الحاج كريم لافتة مكتوب عليها (هذا من فضل ربي ) أعلى باب دكانه الكبير بعد أن أكمل صفقة الشاي الفاسد مع سمسار الوزارة !

صاح ابن الحكم الجائر الذي يلفظ الراء واوا وقد كان في مزاج ثمل بعد ليلة حمراء :
– كوموها
فلم تبق فقرة ولم يسلم عظم أو ضلع من ضرباتهم على جسدها النحيل!.
كتبت الأديبة السورية بمقدمة المجموعة القصصية ص 10 :
(…… لاشكّ أنّ الكاتب في قصصه أثر الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، وما آلت إليه من وضع مزرٍ، دفع الإنسان إلى القلق وعدم الاستقرار والأمان وانتشار السرقه ….). مسك الختام أقول ألف مبارك.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here