ماهر السامرائي ومهارات الخزف الرائع!!

ماهر السامرائي خزّاف عراقي عربي عالمي متميز أصيل , إبن مدينة حضارية ذات ثقافة إنسانية جامعة وإبداعات عمرانية رائعة , تلخصها ملويتها الشامخة الشماء المتباهية بقامتها الباسقة , وما تكنزه من أفكار وفلسفات روحية وكونية مطلقة.
مدينة ينبض الفن والجمال في عروقها ويتجسد في معالمها , التى جعلتها تسر الناظرين في ذروة تألقها العمراني الفريد , الذي جعل منها لوحة بديعة مشعشعة الحسن والبهاء المؤطر بالعزة والقوة , والقدرة على صناعة الأساطير البطولية , التي جسدتها قصائد أبلغ شعراء العصور , كما جاء في قصائد أبو تمام وإبن المعتز والبحتري.
ماهر السامرائي ينهل من معين مدينته الحضاري , الذي يقدم له شواهد حية في اللُقى الأثرية التي تُملي على الخيال التفاعل معها , وما تكشفه التنقيبات من جواهر وموجودات خزفية ذات لمسات فنية راقية ومتطورة , من زمن لم تعرف فيه البشرية أبجديات الحضارة , فهو إبن مدينة سبّاقة بأنوارها الإبداعية والإبتكارية , إنها حضارة سامراء أولى الحضارات , ومبتدأ الصيرورات المجتمعية والتحضرية في تأريخ البشرية.
ماهر السامرائي العارف بسلوك الطين ومفردات لغاته , التي تعلمها من الغِرْيَن الرسوبي الذي يخلفه نهر دجلة بعد الفيضان , وكيف “يتفلّع” ويرسم لوحات سريالية وتكعيبية تزداد تعقيدا عندما نُلقي الحصى فيها , فتتوشح بإنبثاقات خطوط تلهم أفكارا ذات معنى وحضور فني جميل.
وأعماله مُستلهَمة من النهر والكهف وروح المدينة العامرة بالتجليات السامية , التي ترعرع فيها وعبق من أريج تأريخها ونسمات حضورها الإنساني الأمجد , ففي أعماله إمتزاج لعصور متوافدة وأماكن متداخلة , ونبضات إشراقية تفاعلت مع وجدانه وترسخت في أعماق إبداعه.
ماهر السامرائي آثاري مجتهد ينقب في رياض الخيال , ورحاب الآفاق التأريخية التي تستحضر روائع الكينونات الإبتكارية فتتكاتف أمامه بهيأتها الفنية , فيبدأ بصياغة الكيانات الأصيلة الفريدة ذات التقنيات الخزفية المتميزة.
وكأنه ينقب في جوهر الحضارات في تل الصوان وكهف القاطول وتل العليج , وفي رحاب الملوية وقصور بني العباس , ويسبر أغوار مدينة أوجدت منطلقات الحضارة الإنسانية , فهو يدرك في أعماق لا وعيه أنه يترعرع في مدينة منها إنطلقت مشاعل الإبداعات العمرانية والإروائية والزراعية والصناعية , وآثارها الخلابة وما تكنزه أرضها من لُقى , لشواهد خلفتها الأجيال التي أبدعت من الطين موجودات ذات جمال أخاذ , قبل أن تدرك البشرية معنى الحضارة والفن والإبداع الجميل.
ففي أعماله تنعكس موسوعة حضارية وأرشيف معرفي غائر في القدم , فهو يحاول تكثيف التأريخ بأشكال ذات رؤى عميقة ورمزية فائقة , وتفاعل فكري وفلسفي مسبوك بأوعية الإدراك الراقي لمعاني ومدلولات ما تنطق به اللقى الأثرية , وكأنها رسائل ناطقة تتوافد أمامه من نبع نهر الأجيال الدفاق عبر العصور.

ماهر السامرائي فنان تتجسد في أعماله جواهر ومعاني الثقافة الحضارية المتراكمة في بودقة الأجيال , المتفاعلة في وعاء مدينة ذات جمال وخيال ونبضات إبداع يتكلم عن مكنونات الذين أسهموا في قدْحِ جذوة الإبتداءات الإبداعية , والذين تأهلت مداركهم وتوهجت عقولهم فابتكروا موجودات تلبي حاجاتهم اليومية وتغذي نفحاتهم الروحية والفكرية , فما تحقق في سامراء منذ فجر توهجها الغائر في البعيد , أسهم بمعطيات إبداعية متنوعة ومتنامية إستحضرت ذروة الإقتدار التفاعلي في أزمان متباينة.
وهذا الغوص والتماهي الإدراكي الفتان , دفعه للإبحار في أعماق التجليات الفنية لوادي الرافدين , وما تميّزت به أجيال ما قبل عُبيد وسومر وأكد وبابل وآشور , وما ينطق به النهران ويترنم به دجلة على لسان موجه الولهان, ولهذا فأن ما يبتكره من أيقونات ساحرة , تبدو وكأنها إنسكلوبيديات حضارية مضغوطة بفنية تعبيرية وتقنية راقية , فهو يجيد فن التكثيف الحضاري الإبداعي الخلاب.
ماهر السامرئي خزّاف من الطراز النادر بما يترجمه بأعماله من أفكار ولقطات فنية ذات إمتدادات إدراكية وتعبيرية سبّاقة لعصرها , ومستوعبة للمفردات الزمانية والمكانية , وممتزجة بخبرة نادرة وآليات قادرة على صبها في عمل خزفي يتكلم معك بلغته الرمزية , وينقل إليك أفكارا ثقافية تدلك على منابع الوجود ومبتدءات أكون.
ماهر السامرائي , أعرفه منذ الصغر شابا ممشوق القامة مفتول العضلات نضر الطلعة دمث الخلق طيب السلوك , فكان قدوتنا ومَثلنا في التعبير عن القيم والمعاني الأخوية الراقية , فلا أذكر منه إلا ما هو رائع ونافع وجميل.
وكان ملتقانا في شارع القاطول ذلك الميدان الذي كان مسرحا للحياة المتفاعلة مع الواعدين من أبناء محلة القاطول , وكانت تلك اللقاءات الشبابية ذات إضفاءات تربوية ومساهمات في صقل المواهب والرؤى والتصورات والتطلعات , التي كنا نسعى إليها بإرادة الإقبال والإصرار على الكينونة المثلى رغم أهوال المصدات وركام المعوقات.
ماهر السامرائي أخي وإبن مدينتي ومحلتي , تحية لك من القلب , وأرجو أن تتقبل ما تقدم من كلام فأنتَ أروع مما كتبت , لكني وجدت من الواجب أن أشير إلى فنان يتألق ببراعته الخزفية التي تضعه في مقدمة الخزافين العالميين , ولا بد أن يكون لأعمالك مكانا في متاحف الدنيا المرموقة.
ماهر السامرائي لم ألتقيك منذ عقود لكن صورتك حاضرة في ذاكرتي وأوقاتنا معك حية في خاطري , وأعمالك أتابعها وأتأملها وأتمنى أن أكتب عنها قراءات نفسية وفكرية ذات قيمة ثقافية , وسأتواصل في قراءة ما تبدعه من تحف خزفية خالدة الأثر ثرية المعنى ساحرة الحضور.
ماهر السامرائي سلاما من القلب , يا مبدعا ساطع العطاء , مع أحلى الأماني وأطيب التحايا , وخالص الإعتزاز والإفتخار.
ودمت بيرقا حضاريا عالميا عراقيا عربيا سامرائيا منيرا في ميادين الإبداع المعاصر.
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here