أََعمِدَةُ الدِّيمُقراطِيَّة فِي نَهجِ الإِمَامِ! [٢]

نــــــــــــزار حيدر
١/ الأَغلبيَّة وتحديداً السياسيَّة؛ ولذلك عندما أَراد مُعاوية بن أَبي سُفيان أَن يتمرَّدَ في الشَّام على سُلطة الإِمام حاججهُ بها في رسالةٍ بعثها لَهُ يَقُولُ فيها {إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ وَلَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ وَإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى} وهو أَمرٌ أَصبحَ فيما بعدُ قاعدةً وقانوناً مُتعارفاً عَلَيْهِ كما هو الحالُ في الولايات المتَّحدة مثلاً، فعندما سعى الجنوبيُّون للإِنفصالِ عن الاتِّحاد بعد أَن كانوا قد أَمضَوا على الدُّستور الاتِّحادي حاربهُم الشِّماليُّون بقيادة الرَّئيس إِبراهام لِنكُولن لتستمرَّ الحربُ الأَهليَّة أَربعة أَعوام إِنتهت بحمايةِ الدُّستور والحفاظِ على الاتِّحاد.
وفِي عهدِهِ إِلى مالك الأَشتر لمَّا ولَّاهُ مِصْرَ، أَوصاهُ بالاغلبية قائلاً {وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلَاءِ وَأَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَأَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ وَإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَالْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ}.
٢/ الإِقتراعُ الحرُّ المُباشر وإِلغاء نظريَّة أَهل الحلِّ والعَقد، فالإِمامُ (ع) أَوَّلُ خليفةٍ يتسنَّم السُّلطة قد تمَّ إِختيارهُ بالتَّصويت الحرُّ العام والمُباشر على الرُّغمِ من أَنَّ عدد الذين انثالُوا عَلَيْهِ في منزلهِ ليبايعُوه لم يكن قليلاً كما يصفُ (ع) الوضعَ بقولهِ {فَمَا رَاعَنِي إِلَّا وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَشُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ}.
٣/ المُعارضة السياسيَّة فلم يُجبِر الإِمام (ع) أَحدٌ على البيعةِ شريطةَ أَن لا يرفع السِّلاح بوجهِ الدَّولةِ! كما أَنَّهُ لم يقمع أَحدٌ بسبب معارضتهِ لسياسات الدَّولة ولذلكَ لم يكُن في عهدهِ سجينُ رأيٍ واحدٍ ولا سياسيٌّ تحتَ الإقامة الجبريَّة، ولقد عَمدَ لحظة تسنُّمهِ السُّلطة إِلى رفعِ القيودِ عن كلِّ الذين فرضَ مَن سبقوهُ عليهِم الإِقامة الجبريَّة كانَ منهُم [الصَّحابيَّان] طلحة والزُّبَير.
ولقد {أُخِذَ مَرْوَانُ بْنُ اَلْحَكَمِ أَسِيراً يَوْمَ اَلْجَمَلِ فَاسْتَشْفَعَ اَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ (ع) إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (ع) فَكَلَّمَاهُ فِيهِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَقَالاَ لَهُ؛ يُبَايِعُكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ قَالَ (ع)؛ أَوَ لَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ لاَ حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِهِ إِنَّهَا كَفٌ يَهُودِيَّةٌ لَوْ بَايَعَنِي بِيَدِهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ}.
وعندما دعا الإِمامُ النَّاس لقتالِ الفئةِ الباغية التي قادَها مُعاوية ضدَّهُ، أَجابهُ إِلى السَّيرِ جُلَّ النَّاسِ، إِلّا أَنَّ أَصحاب عبدالله بن مسعود أَتَوهُ، فيهم عُبيدة السِّلماني وأَصحابهُ، فقالُوا لهُ؛ إِنّا نخرجُ معكُم ولا نترُكَ عسكركُم ونُعسكِرَ على حِدَةٍ، حتى ننظُرَ في أَمركُم وأَمر أَهل الشَّام، فمَن رأَيناهُ أَرادَ ما لا يحِلَّ لَهُ، أَو بدا لنا مِنْهُ بغيٌّ كُنَّا عَلَيْهِ.
فقالَ لهم الإِمام عَلَيْهِ السَّلام {مرحباً وأَهلاً، هذا هو الفِقهُ في الدِّين، والعِلمُ بالسُّنَّة، مَن لم يرضَ بهذا فهُوَ خائِنٌ جبَّار}!.
٤/ حُريَّة التَّعبير فقد {وَرُوِيَ أَنَّهُ (ع) كَانَ جَالِساً فِي أَصْحَابِهِ فَمَرَّتْ بِهِمُ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ فَرَمَقَهَا الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقَالَ (عليه السَّلام)؛ إِنَّ أَبْصَارَ هَذِهِ الْفُحُولِ طَوَامِحُ وَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبُ هِبَابِهَا فَإِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى امْرَأَةٍ تُعْجِبُهُ فَلْيُلَامِسْ أَهْلَهُ فَإِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ كَامْرَأَتِهِ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ: ‏قَاتَلَهُ اللَّهُ، كَافِراً مَا أَفْقَهَهُ، فَوَثَبَ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ (ع)؛ رُوَيْداً إِنَّمَا هُوَ سَبٌّ بِسَبٍّ، أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ}.
ولقد كتبَ الإِمامُ إِلى أَهْلِ الكوفةِ، عند مسيرهِ من المدينةِ إِلى البصرةِ لقتالِ أَهلِ الجَملِ {أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ حَيِّي هَذَا – إِمَّا ظَالِماً وإِمَّا مَظْلُوماً وإِمَّا بَاغِياً وإِمَّا مَبْغِيّاً عَلَيْه – وإِنِّي أُذَكِّرُ اللَّهَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هَذَا لَمَّا نَفَرَ إِلَيَّ – فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً أَعَانَنِي – وإِنْ كُنْتُ مُسِيئاً اسْتَعْتَبَنِي} وهوَ مسعىً واضحٌ من الإِمام (ع) لإِثارةِ التَّفكير عند النَّاس بالرَّأي الآخر ليختارُوا فيتحمَّلوا مسؤُوليَّة الاختيار!.
لقد كانَ الإِمامُ يحرِّضُ على حريَّة التَّعبير فيرفضُ المديحَ والثَّناءَ و [المهاويل] فقالَ (ع) في جوابٍ رائعٍ على مَن أَثنى عَلَيْهِ ومدحهُ ويذكر سمعهُ وطاعتهُ لَهُ:
وَإِنَّ مِنْ أَسْخَفِ حَالَاتِ الْوُلَاةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْرِ وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الْإِطْرَاءَ وَاسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ وَلَسْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَرُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلَاءِ فَلَا تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ لِإِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَإِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ فِي حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا وَفَرَائِضَ لَا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهَا فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ وَلَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ وَلَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ وَلَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ لِي وَلَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ وَلَا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي إِلَّا أَنْ يَكْفِيَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي فَإِنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لَا رَبَّ غَيْرُهُ يَمْلِكُ مِنَّا مَا لَا نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلَالَةِ بِالْهُدَى وَأَعْطَانَا الْبَصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى.
*يتبع…
٢٧ آذار ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here