الفكرة والحياة!!

“الفكرة ينبوع القوة وجوهر الإقتدار”
الفكرة تلد الحياة والحياة تلد الأفكار ، والعلاقة ما بين الفكرة والحياة ذات أبعاد سرمدية وطاقات مطلقة ،  ولا يمكن فصل الفكرة عن الحياة إطلاقا.
وفي المجتمعات التي تعطي أهمية للأفكار ومهارات تطويعها وتدجينها وتصنيعها وتنميتها وإستثمارها والتعبير عنها ، تتحقق صياغات متميزة ومؤثرة للحياة.
وفي واقعنا الأرضي هتاك العديد من المجتمعات التي خبرت فنون التعامل مع الأفكار وصياغة دلالاتها وتحقيق معانيها وإراداتها ، ولهذا تمكنت وتقدمت وأبدعت في أساليب عيشها وآليات وجودها النفسي والثقافي والإجتماعي والحضاري.
وفي مجتمعاتنا العربية هناك إخفاق واضح في التعامل مع الأفكار ، بل أن الفكرة مهملة ولا قيمة لها أو معنى ، وأنها ذات تأثيرات سلبية أو عاطلة ، لفقدان مهارات التعامل معها ، لهذا فأن المجتمع يسعى إلى وأد الفكرة ومطاردة المفكرين لأنهم يضعون المجتمع أمام موقف العجز والضعف أو الجهل.
أي أن المجتمع يجهل الفكرة وآليات التفاعل معها ، ولا يبحث في المعرفة والخبرة ولا يتجشم عناء المحاولة والتعلم ، ولهذا يميل إلى الإهمال والتسفيه وتحقير الحالة ومحقها في أكثر الأحيان.
وبسبب غياب مهارات التعامل مع الأفكار وصناعة مدلولاتها ، ترى المجتمع في حالات إضطراب متواصلة تدفع به إلى تداعيات خطيرة وضارة بحاضره ومستقبله.
ونجد الكثيرين يتحدثون بلغة لا تقترب من الفكرة أيا كانت ، وإنما يحاولون تأكيد وجودهم الذاتي العنيف المفروض على الواقع بالقوة المدمر لكل هيكلية حضارية معاصرة.
وفي أكثر الأحيان يجنح مجتمعنا إلى تدمير الأفكار وإقصاء المفكرين ومحاربة أي جديد ، لأن الدماغ العربي وعبر متوالية الأجيال الراكدة المقولبة في قوالب الرؤى البائدة ، صار يمتلك جدرانا صلدة وطاقات سلبية هائلة , ونمطية مرعبة من الصعب تجاوزها والتحرر من قيودها الثقيلة.
وفي كل ما نقرأه ونسمعه تعبيرات إندحارية ومواقف سلبية تدين الأفكار وترميها بما ليس فيها ، وتتخذ موقفا حُكميا مسبقا تجاهها ، مما يمنع قدرات التواصل والتلاقح وإتساع أفق الرؤية والنظرة.
وهذا هو السائد في الصحافة والإعلام العربي.
فلا توجد ميادين مطلقة لرعاية الأفكار وتحرير طاقات الإبداع العربي , وإنما الميل دائما نحو الخنق والمحق والإلغاء.
فقوة الحركة العربية ذات إتجاهات مركزة نحو نقطة مركزية , بينما مجتمعات الدنيا ذات قدرات خلاقة منطلقة من المركز نحو محيط الوجود الحضاري الشاسع.
وهذا يعني أن الجهود العربية جهود إنكماشية وإندحارية , والجهود المعاصرة في المجتمعات الحرة إنفتاحية مطلقة لا تعرف الحدود ، وتؤمن بأن قدرات العقل البشري كونية متنامية الإتساع ولا تنضب.
فهل من دور للفكرة وللمفكرين المعاصرين في بناء الحياة العربية؟!!
د-صادق السامرائي

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here