د. رضا العطار
لقد انتشر في المجتمع العباسي مظاهر التألق في الأزياء، والتأنق في المراسيم، والتهادي بالورد، فظهر لدى العوائل البغدادية شغف في تزيين بيوتهم بالوان من الزهر والرياحين، فكانت دورهم تطفح دوما بشذى عبيرها الفوّاح، تشكل رمزا صادقا لمعاني الوّد والوداد، و دلالة واضحة على الذوق الفنّي للشخص العراقي، كما كان باعثا لألهام الشعراء بمشاعر الخصب والخيال، وعلى اثر ذلك كثرت حقول الورد في ضواحي بغداد وفي كل مكان وفي هذا السياق يقول الشاعر ابن الجهم :
لم يضحك الوردُ الاّ حين اعجبه * * حسن الرياض وصوت الطائر الغرد
بدا فأبدت لنا الدنيا محاسنها * * وراحت الراح في اثوابها الجدد
قامت بجنته ريحُ معطّرةُ * * تشفي القلوبَ من الاوصاب والكمد
كما يشدو ابو نؤاس، سلطان شعر الغزل، الابيات التالية :
لا تخشعنّ لطارق الحدثان * * وادفع همومك بالشراب القاني
أوما ترى أيدي السحائب رقّشت * * حلل الثرى ببدائع الريحان
من سوسن غض القطاف ونرجس * * وبنفسج , وشقائق النعمان
وجنّي ورد يستبيك بحسنه * * مثل الشموس طلعن من اغصان
حمراء وبيضاء وصفراء * * يجتبين بروعة الوديان
كعقود ياقوت نظمن ولؤلؤ * * اوساطهن فرائد العقيان
ومن الزبرجد حولهن ممثلا * * سمطا يلوح بجانب البستان
فإذا الهموم , تجاذبتك , فسلّها * * بالراح , والريحان والندمان
ويضيف :
الورد يضحك والاوتار تصطخب * *والناي يندب احيانا وينتحب
والقوم اخوان صدق بينهم نسب * * من المودة ما يرقى له نسب
تواضعوا درة الصهباء بينهم * * واوجبوا لنديم الكأس ما يجب
لا يحفظون على السكران زلته * * ولا يريبك من اخلاقهم ريب
* مقتبس من ديوان ابونؤاس لعمر فلروق الطباع دار الارقم للنشر بيروت 1998.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط