النوم حتى سابع نومة

علي علي

“النايم كالميت”.. عبارة يستشهد أغلبنا بها في موقف قد يمر به، مقصده فيها تبرير إهمال النائم لما يحيطه، وعدم تفاعله مع معطياته، او إيلاؤه العذر عما يفوته مما يدركه اليقظون من حوله، وبكل الأحوال فالميت قضى نحبه و (النايم) ينتظر وكاتب المقال وقارئه كذلك وما بدلوا تبديلا..! ورحم الله النائم و(العدل) والميت على حد سواء.
وقد تستخدم مفردة النوم لوصف العجز عن أداء أي عمل، سواء أكان فكريا أم عضليا! باستثناء الأحلام، وهي قطعا لاتعد عملا، لعدم جدواها وفلاحها وصلاحها في دنيانا التي تستوجب منا جميعا العمل والمثابرة بشكل مدروس، وبالتالي الإنتاج والعطاء على نحو ملموس ومحسوس.
منذ عقد ونصف العقد من السنوات العجاف، تقلب العراقيون على صفيح ساخن من الأحداث المروعة والمرعبة، كان الموت أهم عنوان لأبرز صفحاتها، والعجيب أن أحد مسببات ذاك الموت هو نوم بعضهم عن إبعاد شبحه، ودخولهم في غياهب الأحلام السعيدة، فيما يحترق العراقيون في أتون محرقة كان وقودها الخلاف والأطماع والمصالح والتواطؤات بين أولي أمره، والقائمين على إدارة بلده. ومافاقم الحال سوءًا هو إهمال الرقيب المكلف بالسهر على راحة المواطن، لاسيما وهو ممثله والمدافع عنه والناطق باسمه، ذاك هو مجلس النواب. فقد اتسم أعضاؤه ورئيسه بالنوم والنوم والنوم حتى (سابع نومه) وإن كان هناك صحو فهو للملمة المنافع بدافع من الأنانية، او لتمشية فرض بإسقاطه او إرجائه وتأجيله الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
وهو في حقيقة الأمر ليس حدثا غريبا أو جديدا، فالسبات ديدن مجلسنا منذ نشأته الأولى، مع ولادة التجربة السياسية في العراق الجديد، وأظنها التجربة السياسية الوحيدة التي بقيت حتى اللحظة (خديجة) فهي لم تبرح حاظنة الخدج، رغم الأعوام الخمسة عشر التي مرت عليها. وقد سجل هذا المجلس -الذي يمثل أعلى سلطة تمثل الشعب- طيلة دوراته الثلاث الماضية، نكوصا وتراجعا في كثير من أداءاته فيما منوط به من واجبات. وما واجباته إلا التشريع والرقابة، إذ لم يحالفه النجاح في الإثنين، بدليل النتائج التي ينحدر اليها البلد يوما بعد آخر، وقطعا لم يكن هذا إلا بسبب عدم جدية أغلب أعضائه ورؤسائه المتعاقبين عليه، في حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، والتي كان ينبغي عليهم تحمل أعبائها والقيام بما توجب عليهم الضرورة والحاجة والأولوية، فضلا عن المهنية والوطنية والمصداقية.
ولما كانت رقابة مؤسسات المجلس التنفيذي واحدة من واجبَي مجلس النواب، فإن الرقيب على مجلس النواب يجب أن يكون الضمير، ولسوء حظ العراقيين فإن الضمير لدى نوابنا هو الآخر يغط في سبات ونوم عميقين. وقد جسد لنا مجلس نوابنا كيفية كون النائم كالميت، إن لم يكن السبب إجازة فصلية فغيابات متعمدة من أعضائه، تاركين وراءهم قرارات كثيرة وقوانين مهمة معلقة، تحوم كوابيسها وتبعات تأخيرها فوق رؤوس المواطنين الذين بدورهم سئموا الوعود، وملوا الضحك على الذقون وسماع الكلام المعسول، حتى باتت ألسنتهم تلهج على الدوام بما منسوب للملا عبود الكرخي قبل ثمانين عاما، يوم قال:
والله ضيعنه الصدگ من الچذب
اتشوفه هيبه وحچيه المصفط عذب
ياخذك وايردك ابشرق وغرب
وبسچاچينه يدچّك حيل دچ
قيم الرگاع من ديرة عفچ
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here