الانتخابات العراقية..هل يبقى المعلول بعلته… ؟

الانتخابات القادمة قد تختلف في شكلها السياسي وطبيعة التحالفات والقوى المشاركة فيها حسب الظاهر، وكما شاهدنا من الشعارات الانتخابية عما سبقها من الانتخابات الماضية، التي اختلفت في الشكل والمضمون عن ماتم العمل به ، وهذا الأمر فرضته الطبيعة السياسية والاجتماعية لاقناع الناخب العراقي للمشاركة الفعالة فيها،هذه المشاركة التي قد تختلف عن المراحل السابقة اذا تم تطبيقها بنحو احسن و يكون لها الدور الاكبر في إرساء قواعد النظام الديمقراطي في العراق للسنين القادمة اذا ما تم احاطتها بالامان والمصداقية من التزوير و نزاهة الانتخابات وشفافيتها قضية اساسية ينبغي الالتزام بها في كل مراحل العمل ، أية عملية انتخابية لا توصف بأنها ديمقراطية من دون أن تسلك المسار الصحيح الذي يتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان، والعدالة، والشفافية، والمساواة، وهذا ما نتأمله عن سابقاتها لكونها ستنقل العراق من مرحلة الممارسة الديمقراطية الي تثبيتها، التي يفترض بها أن تحدد الضوابط القانونية للكيانات والمرشحين وحتى الناخبين، للسير بعملية ديمقراطية شفافة لا انحياز فيها ولا خروقات ، تؤدي الى غلبة كيان أو مرشح على آخردون اطر قانونية وشريفة على اساس التحايل بطرق ملتوية مثلاً ما طرح في السنوات الماضية على سبيل الحصر “إن كانت هذه الوسائل الدعائية لا تذكر تسلسل الكيان أو المرشح لا تعد دعاية انتخابية مبكرة ” وخذ على مقايسها وطبعاً هذا لن يتحقق إلا بمفوضية حريصة وامينة على أصوات الناخبين وعدم ضياعها أو المتاجرة فيها، وتتحمل المسؤولية الكاملة في أن يكون العراق آمنا مستقرا أو تبقى الفوضى عائمة فيها كما هي الحال مع الاسف ،مع ان الانتخابات السابقة شابتها الكثير من الشبهات حول عمل المفوضية وانحيازها الى جهة سياسية معينة . ان وجود مفوضية خاصة بالانتخابات ليس بمشكلة ولكن المشكلة تكمن في آليات الاختيار والوصول الى مجلس المفوضية . فالاختيار الحالي انعكاس للكتل السياسية فضلاً عن عدم وجود قانون أحزاب رصين وحيادي وعادل ووطني مبني على أساس المواطنة كشرط لتأسيس الأحزاب وليس هناك شخصيات مستقلة وكان ذلك واضحا بدلائل تشير الى عدم حيادية المفوضية كما في الانتخابات السابقة ، وكما هو معروف في الانظمة البرلمانية الموجودة هي ممثلة من كتل سياسية وشخوص مكررة تنتقل بين الكتل لا اكثر ولا اقل وليس مستقلين او كفاءات تخصصية وبما ان لجنة الخبراء التي تتم اختيار اعضاء مفوضية الانتخابات عن طريقهم هم ممثلين من كتل سياسية فأن مخرجاتها هي تمثل وجه نظر سياسية حسب مكونات الشعب العراقي وحجم الكتل السياسية الفاعلة في الساحة و لا يوجد شخص مستقل وكفوء فيها بشكل مطلق لان كل شخص لديه نظرة في اختيار من يمثله ويحقق طموحاته ولم يمتلك المعترضين في الدورات السابقة على النتائج اي قوة في الاعتراض على ممارساتها، كونها محمية قانونيا فلا غرابة عندما تعلوا الصراخات من المرشحين عندما يقولون اين ذهبت اصواتنا التي اعلنت في محطات ومراكز الاقتراع فلا مجيب لهم .اليوم يتسابق الساسة في العراق كتلاً واحزاباً، بالأعلان عن الحملات الانتخابية بطرق ملتوية للتحايل على القانون ومن المحتمل ان يلعب المال السياسي فيها دوراً خطيراً بالتأثير على نزاهة الانتخابات، ويسهم بوصول شخصيات غير جديرة لمجلس النواب و على الرغم من أن المفوضية العليا للأنتخابات لم تسمح ببدء الحملة الانتخابية رسمياً ،لكن المشاهد ان ملصقات المرشحين قد سبقت المدة القانونية للعملية رغم كل التهديدات بالعقوبات ووجدت طريقها الى أنظار المواطنين قبل الإعلان الرسمي لانطلاقها بحيل لا يحاسب عليها القانون كما اسلفنا.ما يعني ان الإدارة الجديدة لمفوضية الانتخابات لن تختلف عن سابقتها من حيث التشكيلة والهيكلية والموَارَبة لصالح لكتل ورغم ان المفوضية اعلنت في بيان لها ” بغية الحفاظ على سلامة ونزاهة العملية الانتخابية ولان بطاقة الناخب الالكترونية هي من المرتكزات الاساسية والعنصر المهم في عملية التصويت للاستحقاقات الانتخابية ” واكمل البيان ” المفوضية ستعمل بكل قوة ووفق الانظمة والاجراءات المتخذة من قبلها في المحافظة على سير العملية الانتخابية ومعاقبة المتلاعبين الذين يحاولون التشويش على ارادة الناخب النزيه وارادة الشعب في اختيار ممثليه وستعمل بكل حيادية ومهنية وهي تأمل من جميع شركائها الوقوف معها والمساهمة في انجاح الانتخابات البرلمانية المقبلة “. إلا ان هناك الكثير من الاختراقات التي تم ضبطها في بعض المحافظات ( اهمها بيع بطاقات الانتخابات الالكترونية بمبالغ للمرشحين) تدل بان هذا الانتخابات رغم كل الجهود سوف لن تختلف عن السابق في المخالفات فيها ومدام ان الاجراءات القانونية ضد مرتكبيها ومعاقبة المتلاعبين الذين يحاولون التشويش على ارادة الناخب النزيه وارادة الشعب سوف تكون بعد الانتخابات .ومع وجود الإشكاليات والخلافات المتعددة التي شهدها البرلمان العراقي في الفترة الأخيرة في اقرار الميزانية العمومية للبلد والتي تهم كل طبقاته تدل على مدى الخلاف الواسع بين الفئة القليلة التي تنوي تطبيق الديمقراطية الحقيقية ، وتوفير المناصب والإدارات ، والتوظيف لكافة فئات الشعب حسب الجدارة و مدام هناك اجندات حزبية تمثل الاغلبية تعمل للحفاظ على مكتسباتها وتمثل خطراً حقيقياً على نتائج الانتخابات اذا استمرت في نهجها في الرضوخ لارادة سياسية معينة ويمرر اهدافها فسوف لن يتغير شيئ على الاوضاع ومعاناة للمواطن . فكل الكتل والقوى السياسية تعلن في خطابها على ان الفساد المالي والاداري وتراجع الخدمات والتعليم والبطالة سببه الاول والاخير المحاصصة ونتفق اذن في التشخيص كمواطنين وقوى سياسية على ذلك ولكن تبقى القوى السياسية مشلولة الارادة في تغيير المعادلة لانها المستفيد الاول واي محاولة للانقضاض على المحاصصة تعنى نهايتهم .والنتيجة فقدان الثقة من قبل اغلب العراقيين بالعملية الانتخابية وعزوف نسبة كبيرة عن تحديث سجلاتهم الانتخابية (اكثر من نصف من لهم الحق المشاركة فيها) واذا كانت الأحزاب الكبرى هي الجلاد والحاكم فكيف يكون التغيير عبر لجنة تضم ممثليهم اوعن اعضاء في مجلس النواب انفسهم ويبقى المعلول بعلاته .

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here