أركبتُه خلفي فمدّ يده في (الخُـرْج) – طبيعة بعضنا – ذكريات قبل خمسين عاماً –

د. بهجت عباس

فوق الشوك مشّاني زماني..!

(كانت المكاتب العلمية التي استُؤْنف فتحها في بغداد عام 1965 تمثّل شركات الأدوية الأجنبية، حيث كانت مصاريفها من تلكم الشركات. وكانت صلة الوصل بين المؤسّسة للأدوية الحكوميّة والشركات الأجنبية فيما يتعلّق باستيراد الأدوية حيث يتمّ استيرادها حسب مُتطلبات السوق. يقوم المكتب بضمان تصريفها في مدة معيّنة وإلاّ وجب عليه شراؤها من المؤسّسة العامّة للأدوية لقاء حسم 4.7% وتصريفها. وهنا يقوم المكتب العلمي بالدعاية لها لدى الأطباء لكتابتها بوصفات طبية إلى المريض. كانت شركة ميرك الألمانية التي كنتُ أمثلها لا ترضى قيام المكتب ببع أدويتها بل الانصراف إلى الدعاية لها وترويجها وكان ثمّة وكيل سابق لها هو مستر كليتا يقوم بعملية الشراء والبيع وكان بادئ الأمر يحاول عرقلة مبيعها واستيرادها ليعطي صورة سيئة عني أمام ميرك بغية الحصول على المكتب والتعاون مع صيدلي غيري وأنا بدوري حاولتُ التخلّص منه لإيجاد مذخر آخر يقوم بشراء الأدوية وتوزيعها)

أثناء إحدى زيارات د. بيبر ( المدير العام لشركة ميرك) إلى بغداد عام 1968 أخذته إلى إحدى المدن الجنوبية وإلى صيدلية صديقي بهاء (ليس اسمه الحقيقي وكان من مدينتي أصلاً – يعني ابن ولايتي!) الذي دعانا إلى بيته وقدّم لنا ما طاب من طعام وشراب وأظهر (ثروته) أمام الدكتور بيبر وذكر نشاطه في ميدان العمل وأكدته أنا من جانبي عن حسن نيّة، فوافق د. بيبر مبدئياً على الاتَفاق معه ولكنه قال: إن السيد شميدت، مدير الكيميائيات في الشركة، سيزور بغداد وقد يوقع العقد معه لشراء وتوزيع الأدوية. جاءني السيد شميدت ، فذهبت به إلى الصديق (بهاء) فتفاوضا على النسبة المئوية التي سيتقاضاها (بهاء) من ميرك علاوة على خصم 4.7% من المؤسسة العامة للأدوية ، فكانت صفقة جميلة لو تمّت ولكن؟ انتظرت أياماً وأسابيع فلم أحصل على أيّ جواب، وعند زيارتي للشركة في دارمشتادت ولقائي بالسيد شميدت عاتبته على عدم الاتفاق مع (بهاء) ، فأخبرني ويا لهول ما أخبرني! السيد (بهاء) كان قد سافر إلى ألمانيا دون علمي وذهب إلى ميرك وقابل شميدت عارضاً عليه إمكانياته المالية طالباً أن يأخذ المكتب كاملاً وأن يقوم بتوزيع الأدوية! فسأله شميدت وماذا عن بهجت؟ فأجابه: بهجت سيبقى موظفاً في المكتب! وبمعنى آخر أراد أن يشتري المكتب وموظّفيه بما فيهم أنا! فصرفوه بإحسان قائلين له إنهم لا يرضوْن لبهجت بديلاً . فهززت رأسي ندماً وعجباً وأصبح كليتا في نظري إنساناً طيباً لا خطر منه لأنه ليس بصيدلي على الأقل ليأخذ المكتبَ منّي ، وليس ابن ولايتي ثانياً ! وتذكرت الآية القرآنية التي تصلح في كل زمان ومكان عربي (إنّ أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ويريد أن يضمّها إلى نعاجه). وذكّرني أيضاً بأبي نواس وقصيدته السموألية الذي اطمأنَّ حينما علم أن الخمّار ليس مسلماً :

فلمّا حكى الزنّار أن ليس مسلماً

ظننّا به خيراً فصيّره شرّا

بعدها أخذ هذا الصديق (ابن ولايتي) يعادي ميرك وأدويتها . أمّا أخوه الطبيب، فكان يكتب أدوية شركة ميرك من قبلُ ، ولكنه انقطع عن وصفها للمرضى، ولما سئل عن سبب توقفه عن كتابتها، أجاب بأنّ شركة ميرك لم تتفق مع أخيه! هكذا سمعتُ، وبعدها لم أزره. وهذا يذكّرني أيضاً بصديق آخر كان في السنة الأخيرة من دراسته الطبّ، وكنا نلعب الدومينو معاً ورفاق آخرون، فغضب لـ(ملاسنة) جرت بيني وبينه لأنه خسر، فزعل وأرسل لي خبراً بأنه سوف لا يكتب أدوية ميرك حينما يتخرج طبياً ما دمتُ أمثلها! يا عزيزي الذي زعل وراح وترك الفؤاد شجيّا ، إن ثمة أكثر من ألف طبيب كان يكتبها، فما قيمة حنوّن؟ هل زاد في الإسلام خردلة بعد أن أسلمَ، أم النصارى، بعد أن فقدته، أغلقت كنائسها!

· ——————————————————————————–

· وِعاءٌ من شعَرٍ أو جلدٍ ، ذو عِدْليْن ، ويوضعُ على ظهرِ الدابَّةِ لوضع الأَمتِعة فيه

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here