مّنْ المستفيد من معاداة أمريكا؟

عبدالخالق حسين
تطلع علينا بين حين وآخر، مقالات ودعوات مشبوهة على مواقع الإنترنت، و عبر مجموعات النقاش، يطالب أصحابها الحكومة العراقية بإخراج آخر جندي أمريكي من العراق. كما وجّه أحدهم رسالة إلى المرجع الديني الأكبر السيد علي السيستاني، يناشده بإصدار فتوى باعتبار أمريكا دولة معادية للعراق ويقول بالنص:
((منذ عام ٢٠٠٣ قامت القوات الأميركية بقتل مئات الآلاف من الأبرياء ومن قوات الجيش العراقي … وكذلك وباعتراف مسؤولين اميركيين كانوا وراء تكوين الدواعش و تدريبهم و دعمهم وإمدادهم بالعتاد والأسلحة والصواريخ وضرب قواتنا دعماً للدواعش وهذا تم تثبيته ميدانياً بما لا يقبل الشك ،فهل ممكن إصدار فتوى للسياسيين والى مجلس الوزراء للتعامل مع الأميركان كأعداء ومحتلين دفاعاً عن النفس وكما هو معروف في كل الشرائع السماوية والإنسانية …))

ومن هذا النص نفهم أن مئات الألوف من الشهداء العراقيين لم يُقتلوا بسبب التفجيرات التي قامت بها فلول البعث الفاشي تحت مختلف الأسماء الإسلامية لمنظمات إرهابية وآخرها داعش، بل قتلتهم القوات الأمريكية، لذلك يجب إخراج القوات الأمريكية واعتبار أمريكا دولة عدوة محتلة !! والغريب من كاتب الرسالة أنه يطالب المرجع الديني بإصدار الفتاوى حسب الطلب.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: من المستفيد من إخراج القوات الأمريكية ومعاداة أمريكا؟
الجواب الأكيد هو أن المنظمات الإرهابية التي ناصبت الشعب العراقي العداء منذ سقوط البعث الفاشي وإلى الآن هي المستفيدة، وكذلك إيران بسبب معاداتها لأمريكا، فتريد جر العراق باتخاذ نفس الموقف الخطير.
والسؤال الملح الآخر هو: هل بإمكان العراق بوضعه الحالي المتشتت، والصراعات الدموية بين مكوناته وقواه السياسية، أن يعادي الدولة العظمى، وفي نفس الوقت أن يعادي السعودية وإيران كما يطالب آخرون وكل حسب توجهاته مواقفه السياسية؟ لا شك أن أية دعوة لمعاداة الدولة العظمى هي دعوة للانتحار الجماعي،لا يستفيد منها إلا أعداء العراق.

غني عن القول، أنه لولا الدعم الأمريكي للشعب العراقي لإسقاط النظام البعثي الفاشي لكان صدام حسين وأبنائه وبقية زبانيته، مازالوا يواصلون هوايتهم المفضلة في قتل العراقيين ونشر المزيد من المقابر الجماعية، ولا نرى ضرورة لذكر جرائم البعث بحق الشعب العراقي وشعوب المنطقة، فالقائمة طويلة وباتت معروفة لدى الجميع ولا ينكرها إلا أيتام البعث ومن في قلوبهم مرض.

أما تجربة إخراج آخر جندي أمريكي من العراق، فقد مارسها رئيس الوزراء السابق، السيد نوري المالكي عام 2011، وتحت ضغوط من إيران، وحلفائها من القوى الإسلامية العراقية المشاركة في الحكومة، وكانت النتيجة وبالاً على الشعب العراقي، وفي صالح أعداء العملية السياسية من البعثيين وأشباههم الذين رفعوا رايات التهميش، والإقصاء، والعزل السياسي، وسلموا مناطقهم التي تبلغ نحو ثلث مساحة العراق لداعش عام 2014، الجريمة التي كلفت الشعب العراق عشرات الألوف من الضحايا، وملايين المشردين، والخراب الشامل لتلك المناطق.

المفروض أن يتعلم الإنسان من أخطائه، فتجربة إخراج القوات الأمريكية من العراق كلفت الشعب ثمناً باهظاً، وعليه لماذا المطالبة بإعادتها؟ هل هذا نتيجة الغباء، أو لنوايا خبيثة مبيتة تصب في صالح داعش وحلفائها؟
نقول ذلك ونحن نعرف أنً كل من يتجرأ بمعارضة إخراج القوات الأمريكية، لا يسلم من تهمة العمالة لأمريكا من قِبَل المطالبين بمعاداتها وبغطاء الوطنية. ولكننا نقول لهؤلاء إن عملاء أمريكا الحقيقيين هم الذين يشتمونها في العلن، ويخدمونها في السر. فهذه المطالبات لا تخدم إلا الدواعش وغيرهم من أعداء العراق من البعث الفاشي وتنظيماتهم الإرهابية وتحت مختلف الأسماء.

أما الموقف الإيراني بفرض الضغوط على الحكومة العراقية برفض تواجد قوات أمريكية في العراق لتدريب الجيش العراقي وتطويره، فهذا الموقف لا يخدم حتى الحكومة الإيرانية نفسها. وقد ناشد السيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء والقائد العام، مراراً، الحكومات الإيرانية، والسعودية، والأمريكية بعدم اتخاذ العراق ساحة لحروبهم بالوكالة، والعراق يرفض أن يكون طرفاً في صراعاتهم الغبية.

كذلك يحاول هؤلاء تأجيج الوضع مع السعودية، و مطالبة رئيس الوزراء بعدم السماح لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارة العراق، متذرعين بالدور القذر الذي لعبته السعودية في دعم الإرهاب في العراق في الماضي. ولكن ما البديل عن التقارب مع السعودية خاصة إذا كانت الأخيرة هي صاحبة المبادرة، وبعد أن تأكدت أن الإرهاب في العراق لا بد وأن تصلهم شروره، وسينقلب السحر على الساحر.
كذلك بات معروفاً أن لأمريكا دور كبير في الضغط على السعودية، ومن خلال الأمير محمد بن سلمان للتقارب مع العراق بدلاً من العداء. لذلك يجب أن يعرف هؤلاء أن السياسة فن الممكن، وليس فن البلطجة، وأنه ليس في السياسة أصدقاء دائمين ولا أعداء دائمين، بل مصالح دائمة. وعليه فما البديل عن التقارب مع السعودية؟ البديل هو المزيد من الإرهاب والقتل والدمار والخراب والمعاناة، إذ كما تقول الحكمة: “ألف صديق ولا عدو واحد”. فإذا أمكن تحويل العدو إلى صديق والتخلص من شره، فما العيب في ذلك؟
والغريب أن أغلب الذين يطالبون العراق الجريح بمعاداة أمريكا وبقية الدول الغربية، هم وعائلاتهم يعيشون برفاهية في هذه الدول، ولكنهم في نفس الوقت يطالبون الشعب العراقي بتقديم الثمن الباهظ بمعاداتها وهذا هو النفاق والازدواجية إلى أبعد الحدود.

وبناءاً على كل ما تقدم، نهيب بالسيد رئيس الوزراء، الدكتور حيدر العبادي، وكل المخلصين للعراق، وأمنه، وسلامته، واستقراره وازدهاره، أن يرفضوا مطالبات هؤلاء المشبوهين من أعداء العراق، المتقمصين بثياب الوطنية المزيفة. فهؤلاء أعداء العملية السياسية العراقية، يريدون تمرير مطالباتهم الشريرة بغطاء الوطنية، بينما هم في الحقيقة أعداء الوطنية العراقية، وتنطبق عليهم مقولة صموئيل جونسون: “الوطنية آخر ملاذ للأوغاد”.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here