أصوات الحناجر وصمت العقول؟!!

تسيطر على القنوات التلفازية العربية برامج مسابقات الأصوات الغنائية بمختلف الفئات العمرية , حتى صار التسابق نشاطا سائدا وأملا كبيرا يتدافع نحوه الشباب والشابات.

وهذه ظاهرة قد تبدو من زاوية ما جيدة ومن زاوية أخرى تثير تساؤلات , وأولها لماذا تغيب برامج مسابقات العقول بإبتكاراتها وإبداعاتها العلمية والمعرفية المتنوعة؟

لماذا لا توجد مسابقات علمية وبحثية؟!!
هل أن العرب لا يعرفون غير الغناء والشعر؟!
أين أصوات العقول؟!
ولماذا التأكيد على أصوات الحناجر؟!
هل أن العرب بحاجة لمزيد من المطربين لسعادتهم الفائقة ومسراتهم المتعاظمة؟!
هل أن هذه الظاهرة تشير إلى هروبية واضحة من الواقع الأليم المدجج بالويلات والمضمخ بالأحزان؟!

تساؤلات لا تنتهي والإجابات فيها ما لا يُحصى من الإحتمالات والتصورات ووجهات النظر , ولا نريد الخوض بميادين الجواب , لكن ميادين الأسئلة أكثر إثارة وتحفيزا للعقول وتدفعنا إلى أن نعيد النظر فيما نقوم به ونقدم عليه.

إن الواقع العربي المأساوي لا يتوافق والنزعة الطربية التي يُراد لها أن تطغى , ليتحقق من ورائها القول بأن العرب يرقصون ويغنون , بل ويتغنون بالأوجاع وما يحل بديارهم من خراب ودمار , بل أنهم يستلطفون ما يحصل ويدور , وعليه أن يتواصل ويدوم.

كا أن هذه الظاهرة تبدو وكأنها أشبه بإنحراف سلوكي متناقض مع ما يعتلج في النفوس , ويعتمل في أعماق الناس وينبض في عروقهم من مشاعر وأحاسيس , ويجول في رؤوسهم من أفكار وتفاعلات وتصورات ذات معانٍ قاسية وحضور أليم.

قد يقول قائل أنك حتى هذا تستكثره وتعارضه , وليس هذا هو الهدف والغاية , فالطرب والفن من جماليات الحياة وطاقاتها البناءة , لكنه يجب أن يتكون في بيئة متوازنة ذات قدرات تفاعلية صالحة للحياة المعاصرة المؤثرة ببناء حاضر سعيد ومستقبل واعد جميل , أما أن تتراكم الويلات والمآسي ويعم الفساد والظلم والقهر والحرمان من أبسط الحاجات الأساسية للبشر , والناس منشغلة بالمسابقات الصوتية وأي صوت أجمل وأعذب , والأيام من حولها أقبح وأغضب.

أتمنى أن يتم الإستثمار في طاقة الفرح العربي المكبوتة في الأعماق , وتحويلها إلى مشاريع حياة ذات قيمة حضارية معاصرة , ولائقة بأمة الحضارات ومنبع الإبتداءات الإنسانية السامية , بدلا من تبديدها في الغناء والطرب الذي لا يطعم من جوع ولا يؤمن من جزع!!
أم أن البشر يرقص مذبوحا من الألم؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here