خيبة و خذلان شهيد عائد : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

مهما كان الأمر يبدو عجيبا و سورياليا غريبا فقد دبت الحياة فجأة في الجسم المسجى في لحده للشهيد عبد السادة عبد الزهرة الذي استشهد في أحد المعارك التي كان يخوضها ضد داعش حيث استطاع أحد القنّاصين النيل منه بأصابته في الجبين مباشرة فأرداه صريعا . و قد دبت موجات من فرح و سرور في قلب الشهيد وهو ينفض الغبار و بقايا التراب العالقة عن نفسه بعدما تزحزح ليخرج من قبره بصعوبة بالغة .فكيف لا يفرح فهو شهيد و على وشك أن يعود إلى أهله مكلالا بنجوم النصر و آيات الشهادة من أجل الوطن و المذهب ..وهو على ثقة بأن مسئولي الحكومة و أصحاب العمامة و السماحة و كذلك زعماء الأحزاب المتنفذين الذين حثوه على التطوع و الشهادة سوف لن ينسونه لا هو ولا عائلته ، متوقعا أن زوجته و أطفاله يعيشون بشكل أفضل مما في السابق ، فربما أعطوهم قطعة أرض أو بيت أو شيء من هذا القبيل ، بعدما استنزفتهم نفقات الإيجار. لاحظ وجود كثير من سيطرات و نقاط تفتيش في الشوارع والفروع القريبة و المحيطة ، فتذكر أنه لا يمتلك أوراقا شخصية ثبوتية بوصفه ميتا منسيا ، فربما سيطلبون منه أوراقا ثبوتية ومن المحتمل جدا سيحجزونه لفترة طويلة بعدما يرفضون تصديق كلامه بأنه شهيد عائد من عالم الأموات لتوه ، بل ربما سيعدونه مشبوها خطيرا .ولكن سرعان ما حالفه الحظ إذ تذكر بأن بيت زميل له في فصيله المقاتل آنذاك يقع قريبا منه و بعيد بعض الشيء عن هذه الحواجز الأمنية ، ففضل زيارته ليطمئن عليه أولا و عسى ولعله سيرتب له أمرأواراقه ثانيا ، فخبط الباب بقبضته و انتظر وبعد مرور وقت فتُح الباب فرأى صديقه القديم يقف أمامه برجل واحدة ، متكئا على عكازة ، فأندفع هو حاضنا إياه ليمطره بعناق أخوي طويل و حميم ، فأحس بان زميله المقاتل السابق لم يعد يتذكره ، فطبطب على كتفه محييا و مازحا وهويقول ضاحكا :

ــ ماذا يا كرومي ؟ .. هل حقا لا تتذكرني ؟ .. أنا زميلك عبد السادة عبد الزهرفي الفصيل حيث قاتلنا سوية في معارك الموصل ضد الدواعش في مناطق الأنبارأيضا ؟ ..

فرد زميله بنبرة غيرواثقة تماما وهويعصرذاكرته المشوشة بسبب إصابات سابقة في الرأس :

ــ أ .. أي نعم .. ــ صمت قليلا و أردف من باب مجاملة و أدب دون أن يتذكر شيئا ــ أهلا وسهلا عيني أشلونك ؟ . جهال أشلونهم ؟ .. أن شاء الله زينين …هاي وينك ؟ .. شنو هاي الغيبة الطويلة علينا ؟ .. من زمان ما شفتك ؟ ..

فرد هومستغربا وهو يضحك ضحكة أقرب إلى بكاء:

ــ هاي شنو ؟ .. نسيت أني استشهدت برصاصة قناص ؟ .

فجاة انتابت ” كرومي ” موجة غضب عارمة ، فأخذ يرتعش ثم سرعان ما استغرق ببكاء حار و ساخن حتى اهتزت أكتافه من شدته ، و كادت عكازته أن تفلت منزلقة من تحت أبطئه فتشبث بأكتاف عبد السادة لكي لا يسقط أرضا ، في أثناء ذلك كان هو يحاول تهدئته مربتا على كتفه وهويردد :

ـــ بسيطة بسيطة .. الله كريم يا كرومي !..

بعدما مسح كريم دموعه و هدأ قليلا ، قال بنبرة لا زالت مرتجفة من بقايا غضب و انفعال :

ــ هوءلاء قد خدعونا ومن ثم نسونا تماما دون أن نخطرعلى بال أي واحد منهم ، وهم الآن مرفلون ببحبوحة العيش الرغيد كأمراء و ملبوك صغار.. بينما أنا … تصور ما عندي فلوس كافية حتى أشتري دواء لجروحي المتقيّحة في رجلي المبتورة ..لا راتب ولا تقاعد .. باستثناء بعض مساعدات مالية نادرة يقدمونها وكأنهم يتصدقون علينا .. فلولا أم الأولاد التي تجمع الخرق و الأشياء البالية في موكب النفايات و طفلي الذي أضطر لترك المدرسة حتى يبيع قناني الماء و المناديل الورقية لمتنا من الجوع … صدقني … و هذه الحال عامة و تقريبا تنطبق على اغلب عوائل الذين استشهدوا أو أصبحوا معوقين وعجزة بحكم جروحهم البالغة .. و أظن بأن مصير عائتلك قدلا يكون أفضل حالا أن لم يكن أسوأ مثلما حال أغلبنا ..ـ

صمت قليلا ثم فجأة انتابته موجة غضب و انفعال جديدة فصاح بنبرة لوم و عتب :

ــ ليش رجعت أخوية من عالم الأموات ليش ؟ … مو كنت مرتاح هناك وخالي البال ؟.

فحك عبد السادة عبد الزهرة جبينه مرتبكا وهو حائر بماذا يجيب ، فقد صعقته تلك الأخبارغير السارة ، وهو يتوقع بأن وضع عائلته ربما قد تكون أسوأ بالفعل ، و كأن سؤال كريم الأخيرقد أرجعه إلى صوابه و أحسه بخطأ بالعودة..

و فجأة نهض بوثبة نهوض مستعجلة مصافحا ومعانقا زميله كريم وهو يودعه بدموع خيبة مدرارة و ساخنة لاهبة من حرقة المرارة و الخيبة و الخذلان :

ــ سؤالك صحيح عزيزي ” كرومي ” كان من المفروض أن ما أرجع و الآن ما عليّ إلا أن أرجع من حيث أتيت ، ولكن بشكل لا عودة فيه أبدا أبدا .

قال ذلك و سد الباب خلفه راجعا بخطوات سريعة إلى قبره .

ملحوظة : اسم عبد السادة عبد الزهرة من نسيج خيالي فإذا وجد شخص يحمل هذا الاسم فأنما مجرد محض صدفة و غير مقصود في هذه القصة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here