هل سقطت بغداد أم لم تسقط ؟؟

سالم سمسم مهدي

في عام 1991 كنت واحداً من ملايين العراقيين الذين غلفوا خزانات ماء بيوتهم بالنايلون والأشرطة اللاصقة خشية من نفاذ العناصر الكيماوية اليها لان الكل يتحدث عن حرب كيماوية خاصة وان ذاكرة العراقيين كانت تحتفظ بالدمار الذي اصاب حلبجة الشهيدة …

كنت حريصا جداً على أن يكون عملي متقناً خوفاً على عائلتي وأطفالي فجمعت كمية كبيرة من قناني المياه والمواد الغذائية والمشتقات النفطية وحتى الفحم لأنني قررت أن لا أمتثل للحملة الدعائية التي أخذ النظام يبثها ويطلب من الأهالي مغادرة منازلهم إلى آلاف الخيام التي تم نصبها في أطراف بغداد وحولها كسكن بديل لهم …

عندما غادر الناس استجابة لما كان يبثه التلفزيون ومكبرات الصوت بضرورة التوجه إلى قوافل السيارات التي كانت قد حشدت في المقرات الحزبية والمواقع التي اختاروها غلقت باب الدار وطلبت من الأولاد عدم الخروج حتى إلى حديقة الدار وإذا ما طرق أحد الدار وأستفسر عن عدم الخروج قولوا له أن أبانا مريض ولا يستطيع الخروج مع أن الارتباك أستولى عليهم عندما شاهدوا جميع الجيران قد غادروا ولم يبقى في المنطقة غيرنا …

كنت فعلاً أعاني من بداية انزلاق أثر على حركتي قبل وقوع الحرب بأيام ومازلت مستمراً في تناول الدواء ولكن ليس هذا السبب الرئيس لعدم المغادرة بل لقناعتي أن ليس هناك شيء أقرب الى قلبي أكثر من بغداد وأن هناك بهذلة تنتظر كل من يغادر بيته الى تلك المواقع البديلة وهذا ما أعترف به لي الجيران فيما بعد …

قضيت الأيام التي كنا وحدين فيها بالمنطقة بقراءة ما أستطيع من أجزاء كتاب الطبري وأنا مستلقي على ظهري والذي كنت قد اشتريته قبل أيام من معرض بغداد الدولي للكتاب …

أشتد القصف على بغداد وقطعت الكهرباء والهواتف وأصبحت محطات المياه تضخ بطاقة متدنية جداً وكانت حنفية المياه التي في الحديقة هي الوحيدة التي كنا نستطيع الحصول منها على الماء لحوائجنا المنزلية علماً أن المنطقة خالية من سكانها …

تكرر الشيء ذاته عام 2003 عندما احتشدت جيوش قدرت بمليون جندي مع حوالي أربعة ألاف دبابة وألفي طائرة في السعودية وقطر والبحرين والأمارات ومعها سلاح المدفعية بعيدة المدى وراجمان الصواريخ وحاملات طائرات وبوارج حربية وأقمار صناعية تزاحمت فوق منطقة الشرق الأوسط تراقب الحدث الكبير …

الغريب أن هذه الدول أخذت تتباكى على صدام لاحقا وأصبحت موارد رئيسية للإرهاب من ناحية الموارد المادية والبشرية والتسليحية والتدريبية والإعلامية الموجهة بخبث …

وكان موقفي واحد لن أغادر بغداد لأن كل ما فيها قد حُفر في قلبي ولم أستجب لدعوات من أقاربي في النجف الأشرف والشطرة وديالى بالذهاب أليهم رغم أن القصف القاسي والمبالغ فيه قد أثر على معنويات عائلتي هذه المرة وطال حتى وضعهم الصحي …

أستمر الحال حتى 6 / 4 أي قبل دخول القوات الأمريكية إلى قلب بغداد وإسقاط صنم ساحة الفردوس بثلاث أيام حيث وصلت شظايا القصف إلى سطح منزلي عندما استهدفت الصواريخ والطائرات موقع عسكري قريب من داري لليلتين متتاليتين وشاهدت بعيني إنفجارات القنابل العنقودية وكان قراري بالمغادرة صائبا لان داري قصفت بالقنابل العنقودية ثاني يوم مغادرتها والتي هُجرت منها أيام الحرب الطائفية المجنونة لاحقاً …

عندما اخترت لكتابي عنوان ” ما لم يُذكر عن سقوط بغداد ” أعترض بعض الأصدقاء والمعارف على العنوان وقالوا أن بغداد لم تسقط بل دنستها جزم الأجنبي وهو قول جميل ولكنني مازلت مصراً على سلامة العنوان لأن ما حصل لها لم ترتكبه جزم الأجنبي فقط بل ما فعله المحسوبين عليها أشد مضاضة وأكثر ألماً …

هذا الألم والوجع الذي زاد منه وأجج من سعير ناره تكرار تسميتها بأسوأ عاصمة في العالم نتيجة لإفرازات أسوأ قيادة في تأريخ بغداد منذ تأسيسها وهو شيء لصق بها بسبب جشع من دمرها أكثر من الأجنبي وهم أولئك الذين سرقوا تراثها وثروتها وأحرقوا الوزارات ومكاتبها ليعاد تصليحها بمليارات الدولارات ليفتح ذلك كل ابواب الفساد من قبل الأجانب الذين عينوا رؤساء فعليين لهذه الدوائر والوزارات قبل أعادة تشكيلها ليكمل من يدعون أنهم عراقيين هذه المسيرة الفاسدة …

وهذا يعني أنك فاسد فاقدا للشرعية وأن الكلمة العليا للأجنبي وهذا أكبر مراحل السقوط .

سالم سمسم مهدي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here