الكرد يتوجهون إلى بغداد بسلة فارغة

هيمن حسن

لن يعود الكرد إلى بغداد هذه المرة مع نفس الأوراق التي كانوا يأخذونها معهم على مدى الأعوام الخمسة عشرة الماضية بعد كل انتخابات تشريعية من اجل ممارسة الضغوط فيما يتعلق باختيار الشخصية التي ستصبح رئيسا لوزراء العراق.

الانفصال عن العراق ومصير المناطق المتنازع عليها والاستقلال في بيع النفط واستخدام القوة كانت في السابق من أبرز الأوراق في يد الكرد لحصد المكاسب التي يريدونها مقابل التصويت لمرشح منصب رئيس الوزراء أعلى سلطة في العراق.

أما الآن وقبل شهر من إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية لم تبق تلك الأوراق في يد الكرد لممارسة الضغوط، إذ أبطل إجراء الاستفتاء العام الماضي ورقة انفصال إقليم كردستان عن العراق ما ادى الى قيام القوات الأمنية العراقية بالسيطرة على معظم المناطق المتنازع عليها والتي كان الكرد فيها متنفذين ويملكون فيها قوات عسكرية.

كما لم يعد للاقتصاد المستقل في بيع النفط بالنسبة لإقليم كردستان القيمة المرجوة بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية وفقدان عدد من حقول في حدود كركوك لصالح بغداد إذ كانوا يصدرون منها كميات كبيرة من النفط.

وكان الكرد خلال الدورات السابقة للبرلمان العراقي لاعبا أساسيا إلى جانب السنة والشيعة في حسم منصب رئيس الوزراء ومرشحه إذ تمكنوا في عام 2005 من رفض إبراهيم الجعفري الذي كان مرشح الشيعة لتسلم المنصب.

ومن المنتظر ان يحدث الأمر نفسه في حسم منصب رئيس الوزراء هذه المرة أيضاً عند توجه الكرد الى بغداد خالي الوفاض.

وقال أمين بكر رئيس كتلة التغيير في البرلمان العراقي لـ”نقاش”: حول التفاوض “لم تبق للكرد المكانة السابقة في بغداد ولا يستطيعون أن يلعبوا دورا حاسما في اختيار رئيس الوزراء المقبل، ولكن لن يكون من السهل اتخاذ القرارات في العراق بدون الكرد”.

وأضاف “اذا كان الكرد متحدين فبإمكانهم تعزيز مكانتهم من جديد، أما اذا توجهوا الى بغداد بمكانتهم الحالية فالوضع سيكون هذه المرة أيضا كما كان عندما تم اختيار رئيس الوزراء والمصادقة على الموازنة بدون الكرد”.

وتمثل وحدة صف الأطراف السياسية الكردية في بغداد قشة الأمل القوية التي تتمسك بها الآن، ولكن اذا بقي الوضع على ما هو عليه فمن المستحيل الاعتماد على ذلك الأمل أيضاً.

فمشكلة منصب رئاسة الاقليم وعدم البت في مسودة الدستور والخلافات بين الأطراف حول موضوع الواردات وطريقة الحكم وسعت الهوة بين الأطراف السياسية في إقليم كردستان اذ تحولت طريقة ادارة الاقليم من حكومة القاعدة العريضة إلى جبهتي المعارضة والسلطة وازدادت خلافاتهما.

اذ كان الكرد يتوجهون في السابق إلى بغداد مطمئنين من انه لن يتم تهميش أسس توافق المكونات ودورهم ومطالبهم، الا أنهم يشكون في شركائهم السابقين هذه المرة.

وقال آريز عبد الله رئيس كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان العراقي لـ”نقاش”: “هناك توجه سياسي في العراق يريد تهميش دور الكرد، ولكنه لن يتمكنوا من ذلك لان تشكيل اية حكومة بدون صوت الكرد يعني فشل العملية السياسية في العراق، فالقرارات المصيرية في العراق لابد ان تتخذ بالتوافق وليس على اساس الأكثرية والأقلية”.

ولم تبق للأرقام بالنسبة للكرد تلك القوة التي كانت تتمتع بها هذا فضلا عن انخفاض عدد مقاعدهم في البرلمان بعد عام 2003.

جميع المؤشرات توحي الى ان شمس الدور الكردي في بغداد تتجه الى الغروب باعتبار انخفاض عدد مقاعدهم في البرلمان العراقي عاما بعد عام ومن المحتمل ان ينخفض أكثر هذه المرة.

ففي الانتخابات التشريعية العراقية عام 2005 حصل الكرد على (77) مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان التي بلغت (275) مقعدا، أما في انتخابات عام 2010 فقد انخفض عدد مقاعدهم إلى (57) مقعدا بالرغم من زيادة مجموع مقاعد البرلمان إلى (325) مقعدا، وفي الانتخابات السابقة رفع الكرد عدد مقاعدهم إلى (62) مقعدا رغم زيادة مجموع مقاعد البرلمان إلى (328) مقعدا.

وقال سردار عبد الكريم العضو السابق لمجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق لـ”نقاش” ان “النظام الانتخابي كان سببا في انخفاض نسبة اصوات الكرد في الانتخابات”.

وتعد الانتخابات في المناطق المتنازع عليها في كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى الامر الذي يتوقع ان يزيد طين انخفاض مقاعد الكرد في البرلمان العراقي خلال الانتخابات المقبلة بلة.

فمن جهة قرر الحزب الديمقراطي الكردستاني مقاطعة الانتخابات في حدود محافظة كركوك ومن جهة اخرى تصاعدت أصوات احتجاج المواطنين الكرد ضد الأحزاب الكردية في تلك المناطق بسبب سيطرة القوات الامنية العراقية عليها. هذا فضلا عن نزوح مواطني بعض تلك المناطق او مغادرتهم الى خارج العراق بسبب الحرب ضد داعش اذ كانت الأحزاب الكردية تعتمد عليهم.

وتوقع محما خليل قائم مقام قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى والذي لا تعترف به الحكومة المركزية، توقع انخفاض عدد مقاعد الكرد في المحافظة من ثمانية مقاعد إلى أربعة.

وقال خليل لـ”نقاش”: انه “في هذه المرة ستنخفض نسبة اصوات الكرد فقد نزحت أعداد كبيرة من المواطنين من المناطق المتنازع عليها او غادرت البلاد الى الخارج، هذا فضلا عن استياء وغضب السكان المحليين الكبيرين من الأطراف السياسية الكردية التي لم تتمكن من حمايتهم”.

وبالرغم من فقدان أوراقهم لا يزال الكرد يأملون في نقاط “قوة” أخرى لتغيير المعادلة السياسية في البرلمان العراقي في الدورة المقبلة.

وعبر عرفات كرم رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان العراقي عن تفاؤله باضطلاع الكرد بدور في اختيار رئيس الوزراء العراقي المقبل ومع ذلك يعترف بان الكرد لن يتمتعوا بمكانتهم القوية السابقة للعب دور حاسم.

وقال كرم لـ”نقاش”: “إذا اتحد الكرد وشكلوا تحالفا بعد الانتخابات فسيكون لهم دور أساسي في تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء، إما إذا ما بقوا على هذه الفرقة والضعف فلا يمكن لهم ان يلعبوا دورا”.

ويدعم احمد حاج رشيد رئيس كتلة الجماعة الإسلامية في البرلمان العراقي هذا التوجه ويرى أن الأطراف الأخرى لا تستطيع تهميش الكرد، وقال لـ”نقاش”: حول ذلك “بلا شك لا يمكن تشكيل الحكومة بدون الكرد، إما اذا تم تشكيل حكومة الأكثرية وهو أمر غير مستبعد فإنها ستضم بعض الكرد”.

مؤشرات تشكيل حكومة الاكثرية في الفترة الماضية لم تكن مطمئنة للكرد، فالقوى الكردية اعتمدت على حكومة توافقية خلال (15) عاما الماضية وكانت في كل مرة رقما مؤثرا في تشكيل الحكومة والبت في منصب رئيس الوزراء.

وشكل التقارب الأخير بين القوى السنية والشيعية تحت قبة البرلمان بأغلبية أصوات المكونين خطر تكرار تمرير الملفات لدى الكرد مثل المصادقة على مشروع قانون الموازنة لعام 2018 بدون موافقة الكرد.

وقال السياسي الكردي محمود عثمان الذي كان نائبا لدورات برلمانية لـ”نقاش”: ان” التقارب الشيعي السني سيكشف ما إذا كان للكرد دور ام لا، فلو حصل تقارب لن يتمكن الكرد من لعب دور في حسم منصب رئيس الوزراء”.

جميع المؤشرات تتجه الى ان الكرد لن يكونوا رقما صعبا في حكم العراق ولن يكون بإمكانهم فرض شروطهم كالسابق، إلا أنهم لن يكونوا رقما يمكن تهميشه، وقد تكون الاستجابة الاخيرة لحيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي بارسال رواتب موظفي الاقليم وفتح مطارات الإقليم بحد ذاتها اعترافا من قبل رئيس الوزراء بأهمية الصوت الكردي، فالعبادي لا يريد إهدار أصوات أكثر من خمسين مقعدا في البرلمان العراقي عند ترشحه المحتمل لمنصب رئيس الوزراء.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here