اردوغان و المنطقة و احلام الامبراطورية ! ـ 1 ـ

د. مهندالبراك
[email protected]

اثر تزايد الصراعات الاميركية الاوربية الروسية حدة على الطاقة و قوانين التجارة و العسكرتاريا و غيرها في الفترات الأخيرة، برز الصراع على الطاقة بشكل حاد بينهم و عموماً بتقدير اغلب المراقبين و بالذات على مشاريع نقل الطاقة في المنطقة و في مقدمتها مشاريع انابيب نقل الغاز و النفط، حيث صارت تركيا عقدة اساسية لأنابيب نقل الغاز و النفط (عدا الروسية منها) من آسيا الى اوروبا و اميركا، و قفزت مدخولاتها من نقل الطاقة قفزة نوعية كبيرة و خاصة بعد دخول نفط قزوين ساحة الإنتاج العالمي لرؤوس الاموال الغربية.
و ازدادت مداخيلها اثر انفتاحها على اسواق دول آسيا الوسطى الاشتراكية السابقة المسلمة و ذات اللغات القريبة من التركية، بازدياد الإستثمارات العالمية على الاراضي التركية لرخص اليد العاملة فيها، في مجالات الصناعات المتنوعة من السيارات و المكائن و الملابس و البناء و السياحة و غيرها، حيث ساعدت عضويتها البارزة في الناتو ( لكونها دولة مسلمة،صاحبة اكبر عدد من الجنود القليلي النفقات) اضافة الى انفتاحها على الغرب كدولة تأسست على اساس علماني في زمن مؤسسها اتاتورك من جهة و لتوفر الهياكل التحتية للتطور فيها لكونها وريثة احدى الدول الكبرى في العالم حتى انتهاء الحرب العالمية الاولى، من جهة اخرى.
و قد تميّزت انظمة الحكم التركي المتعاقبة بإعتمادها على الجيش و القوة و على التعالي القومي و الديني على القوميات و الاديان الأخرى، في مواجهة تحدياتها، و لعبت بسياساتها و اساليبها دوراً خطيراً بالبطش بالحركات الديمقراطية والقومية التحررية فيها، بتشجيع من دوائر الناتو و من هياكل الدولة العميقة الساعية الى العودة الى الزمن الامبراطوري العثماني . . التي شكّلت منها الدركي الشاك السلاح لحماية الحدود و عملت على تأهيلها لمواجهة الإتحاد السوفياتي، ضمن خطط حماية العالم الرأسمالي الإمبريالي حينها، و قوىّ في انظمتها المتعاقبة روح التوسع و الهيمنة على جيرانها بمختلف الحجج، كما جرى مثلا في الغزو التركي لجزيرة قبرص.
من جهة اخرى، و فيما هزّت الثورة الشعبية الإيرانية عموم المنطقة باسقاطها المدويّ لشاه ايران، فإن استيلاء القوى الإسلامية و انفرادها بالحكم فيها و عملها لنشر فكرها الاسلامي الشيعي باستخدام القوة و دخولها في عموم المنطقة في زمن تخلخلت فيه قواها و طغى فراغ واضح للقوة و الفكر فيها . . هيّج الدوائر التركية الاسلامية السنيّه الأكثر تزمتاً، مدعومة بالبيوتات المالية التركية و العالمية للوقوف امام المد الايراني التوسعي، بتقدير خبراء بشؤون المنطقة.
على ذلك الطريق مُهّد الطريق لأردوغان الذي كان محكوماً بالسجن و بعدم النشاط السياسي لأنه كان يدعو الى الكراهية الدينية في تركيا ، بدعوات لمّت كثير من الاوساط الشابة الاكثر تخلفاً و وعياً و الاكثر تطرفاً اسلامياً، الامر الذي هدد الدستور، وفق قرارات المحاكم التركية حينها . . حتى وصل بدفع جهات مستفيدة متنوعة تركية و اقليمية و دولية الى المشاركة في الانتخابات و الفوز بمقعد رئاسة الوزراء في 2003 بعد مقعد عمدة اسطنبول، وسط مساعدات مالية و تهليل و دعم خارجي للجهات المستفيدة حسّنت نسبياً من واقع اقتصادي تركي عانى الأمرّين، و وسط دعوات للانفتاح و التحاور السلمي مع المعارضين و اعلن عن ايقاف القتال في كردستان تركيا و التفاوض لحل المشاكل و سمح بالتخاطب باللغة الكردية، رغم احتجاجات و تحذيرات قوى المعارضة الديمقراطية و القومية التحررية التركية، من جوانب أخرى.
و فيما كان اردوغان يقويّ وجوده الحاكم من خلال حزبه و من خلال تشكيل انواع الجماعات المسلحة المدينة بالولاء له، اضافة الى اعادة بعثه منظمة الذئاب الرمادية الفاشية الإرهابية سيئة السمعة، سخّر حزبه و تلك الجماعات المسلحة لكل ما يبعث فكر الماضي العثماني الامبراطوري، و ينفخ بنداءات التوسع، برايات الطائفة الدينية السنيّه المقدسة . . التي وجد فيها خير اداة تحريضية لتحريك الجموع و اثارتها و كسبها لمشاريعه التوسعية باسم الاسلام و الطائفة وفق خططه . .
في وقت ازدادت فيه الضغوط و الاعتقالات على القوى الديمقراطية و اليسارية و الليبرالية و على نوابها في البرلمان و بدأ كما لو انه هجوماً منظماً عليها و على مكاتبها و صحافتها، في وقت انتشرت فيه صور لأردوغان بملابس شبيهة بملابس هتلر و بتحيته النازية و شاربه الاقطم، صور بقيت في واجهات مكتبات شارع استقلال في منطقة تقسيم ـ اسطنبول لسنوات . .
حتى تفجّر الصراع عام 2013 في الاحتجاجات الشبابية في اسطنبول على خطة وزارة اردوغان في الغاء بارك غازي (غيزي) التي حلّت محل تهديم آخر قلعة للخلافة العثمانية عام 1924 . . و في بناء مركز كبير للتسوّق على ارضه، احتجاجات شاركت بها اوسع الاوساط الشبابية التي حملت من رايات جيفارا و اوجلان و الشعارات العمالية الى رايات حماية البيئة و صور اتاتورك مؤسس الدولة التركية العلمانية، و جمعت كل المحتجين على محاولة اردوغان ازالة مركز الاعتصامات و الاحتجاجات الجماهيرية ضد الدكتاتورية، حيث نصب شهداء الحرية في رأس شارع ” استقلال “، الذي اقيم على شرف ذكرى الوثبات العمالية و اليسارية بوجه الدكتاتوريات و الاحكام العسكرية التي سادت في سنوات متتالية حين جمّدت العمل بالدستور.
و توسعت الإحتجاجات بسبب تدخل قوات مكافحة الشغب و الوحدات الامنية الخاصة التي واجهت المحتجين بقنابل الغاز و الهراوات و خراطيم و مدافع المياه و دافع المحتجون عن احتجاجاتهم برشق الحجارة و بقنابل المولوتوف الحارقة المحلية التي قوبلت بالرصاص المطاطي، حتى تحولت الاحتجاجات الى اعتصامات سادت عموم منطقة ” تقسيم” و “بارك غيزي” حماية لآلاف الجرحى، و تحوّلت الشعارات الى شعارات سياسية تطالب بانهاء الدكتاتورية و بالديمقراطية و حماية حرية الصحافة، و تضامنت معها العديد من المدن التركية و في مقدمتها العاصمة انقرة . .
لقد كانت الاحتجاجات على سياسة اردوغان من السعة و كثرة الضحايا الذين كان بينهم عدد من القتلى، ان اعلنت اغلب القوى السياسية التركية ومنها الحزب القومي التركي ” حريت” الذي كان السند الهام لحزب اردوغان (العدالة و التنمية)، اعلنت تضامنها مع الاحتجاجات و استنكرت مواجهتها بذلك العنف الذي تسبب بآلاف الضحايا . . حتى وصلت الى احتجاجات دول الاتحاد الاوروبي التي اعلنت تشددها اكثر بقبول تركيا في الاتحاد الاوروبي بحكومات كحكومة اردوغان، و ارسلت فرقاً للتحقيق الى هناك .
ويرى متخصصون بأن تشديد اردوغان بالضغط على المعارضة التركية الداخلية و تنصله من الاتفاقات مع حزب العمال الكردستاني التركي و موقفه المتشدد من حزب ” الشعوب الديمقراطي ” و قادته و نوابه . . جاء بعد ان توضح له و لحزبه استحالة ركوبه موجة (الربيع العربي) لإعلان امبراطوريته العثمانية الجديدة و اعلانه خليفة على رأسها مدعوماً من بيوتات مال و سلاح و نفط اقليمية و عالمية (راجع ماتعلنه محاضر المحاكم المصرية في الصحافة بخصوص الربيع العربي و حكم اردوغان)، فتوجه توجهات اخرى اكثر خطورة كما سيأتي. (يتبع)
12 / 4 / 2018 ، مهند البراك

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here