أصحاب الرؤى آنذاك وفي الوقت الحاضر

بقلم ثوماس كيميل

كان لأمريكي واحد في الثمانينيات من القرن العشرين تأثيرا كبيرا على قرية واويزغت، المغرب، وهي قرية أمازيغية تقع غرب جبال الأطلس الكبير. كان اسم هذا الأمريكي جي كريستوفر ستيفنز، متطوع في فيلق السلام. وهو أيضا نفس الشخص جي كريستوفر ستيفنز الذي كان سفيراً للولايات المتحدة في ليبيا و قُتل في الغارة على بنغازي في 11 سبتمبر 2012.

أجل، “كريس”، كما كان يدعوه أصدقاؤه ومعارفه، لا يزال يُذكر هنا كالأمريكي الضخم الذي كان يعيش مع التقاليد الإسلامية للمجتمع رغم أنه لم يكن مسلماً. كان معروفا محليا لأنه كان دائما محترما ومنفتحا ً على ساكنة القرية.

تعلم اللغة العربية من الحسين والي الذي كان في ذلك الوقت صاحب بقالة محلية والذي علّمه كريس بدوره اللغة الإنجليزية. وإحدى الأساليب التي كان يدرس بها الحسين الإنجليزية هي الإستماع إلى البث الإذاعي لهيئة الإذاعة البريطانية. يتذكر الحسين كيف كان وكريس يناقشان في كثير من الأحيان أوجه التشابه بين الديانتين الإسلامية والمسيحية. ساعدت اللغة العربية التي تعلمها كريس هنا في إلهام مسيرته المهنية في العالم العربي. كان كريس أيضًا نشيطًا مع الأطفال، حيث قام بتدريس اللغة الإنجليزية في مركز الشباب المحلي. كان متفرغًا جدًا لمساعدة الناس في واويزغت، حيث مكث معهم سنة إضافية في فيلق السلام.

كان معروفا محليا باسمه الأخير: ستيفنز. يتذكر الناس كيف كانت تتم دعوة ستيفنز لتناول الشاي في منزل شخص ما ويسافر إلى هناك، بغض النظر عن المسافة. ترك وراءه هبة المعرفة. وعم حزن شديد في قرية واويزغت عندما سمعوا عن وفاة ستيفنز على شاشة التلفزيون.
وبعد ثلاثين عاماً أحيت منظمة غير ربحية أمريكية أسسها قدامى متطوعي منظمة ” فيلق السلام ” ذكرى “كريس” من خلال تقديم حلول زراعية لمعظم المشاكل الزراعية في واويزغت. قامت مؤسسة الأطلس الكبير التي أسسها يوسف بن مئير من نيومكسيكو مؤخراً بتخصيص مشتل للأشجار خارج المدينة لذكرى كريس ستيفنز. يزرع المشتل شتلات اللوز والزيتون. وتعتني مؤسسة الأطلس الكبير بنموّهذه الشتلات لتعطيها للمزارعين المحليين دون مقابل. تقوم جمعية المزارعين التعاونية (المسماة أدرار، أو الجبل) بتوفير الأرض للبستان الجديد و تقدّم مؤسسة الأطلس الكبير الأشجار والخبرة اللازمة للمزارعين للشروع بنجاح في إنشاء البساتين الجديدة.

وفي حين أن المشتل المستوحى من ذكرى ستيفنز يخدم منطقة واويزغت، تحتفظ مؤسسة الأطلس الكبير حاليًا بأحد عشر مشتلًا للأشجار في جميع أنحاء المغرب، وتشارك مع الشركة الاجتماعية إكوسيا (Ecosia)، لتكرار هذا النشاط في معظم مناطق البلاد. هذا تطبيق للحكمة الصينية الحديثة التي تقول: “أعطِ رجلا سمكة، يأكلها في يوم واحد، ولكن علّم رجلاً كيف يصطاد، يقتات طوال حياته مما يصطاد”.

أصبح المسؤول عن مشتل مؤسسة الأطلس الكبير في قرية واويزغت، وهو هشام فرحات، منخرطًا بشكل ٍ فعّال في زراعة الأشجار لساكنة القرية، وخاصة أطفال المدارس. ظهر هشام هذا الأسبوع في المدرسة الابتدائية، وقام هو والأطفال بزراعة أشجار الزيتون لتعزيز فناء المدرسة. تم تجاوز حماسه فقط من فرح الأطفال وانفعالهم لأنهم ساعدوا أيضا ً في غرس الأشجار.

تركز مؤسسة الأطلس الكبير على مهمة واحدة هي زراعة الشتلات وتوزيعها على المزارعين الذين يمكنهم استخدامها ولكنهم لا يستطيعون شراءها بشكل عام. وبما أن كل منطقة مختلفة ولها ظروف نمو خاصة بها، فإن مجموعة متنوعة من الأشجار تزرع في مشاتل الأطلس الكبير وتشمل الخروب، والجوز، والرمان، والكرز، والتين، والأرغان، ونخيل التمر بالإضافة إلى اللوز والزيتون المذكورين سابقًا. أصبح الأطلس الكبير بمثابة “جوني أبليسيد للمغرب” باستثناء أن هناك أكثر من شجرة واحدة للاختيار من بينها.

نعم، وكما يمكنك أن تتخيل، فالحكومة المغربية من المؤيدين المتحمسين لمساهمات الأراضي في هذا البرنامج، ولكنها لا تساهم بدعم مالي. يأتي الدعم المالي الأساسي من مانحين فرديين ومنح (مثل إكوسيا Ecosia). تم إنشاء مشتل واويزغت في عام 2013 بشكل مناسب من قبل مكتب شؤون المحيطات والبيئة والبحث العلمي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية. والمستفيد الأكبر هم أولئك المزارعون الذين يزرعون الأشجار ولكن من الصعب تحديد المساهمات “الخضراء” بشكل كبير. ويخلق إنشاء “غابات” البساتين آلية لإزاحة الكربون وتوليد الأكسجين ومنع التآكل. تستخدم جميع المشاتل الري بالتنقيط، وهي تقنية القرن الحادي والعشرين وفي المكان المناسب في دولة قاحلة تفتقر للموارد المائية.

إن أعمال مؤسسة الأطلس الكبير تحقق روح ما كان يدعمه كريستوفر ستيفنز منذ أكثر من ثلاثين عامًا. كان لديه الرغبة في تحسن ظروف العيش بالنسبة للمغاربة. إن مفهوم زراعة الأشجار والتبرّع بها عمل فريد لا يحدث إلا في المغرب. تماما مثلما فعل “ستيفنز” كل ما بوسعه للمغاربة ،كذلك فإن مؤسسة الأطلس الكبير لها هدفها الطموح في تغطية البلاد بأشجار الفاكهة والمكسرات.

وبكتابتي هذا المقال أدركت أنني أيضاً قد انضممت إلى عمل الأمريكيين الآخرين الذين عملوا في المغرب. قضيت مهنتي في الري، وفي المغرب لا تنمو البساتين بدون ماء. إن إضافة عنصر مائي إلى أعمال مؤسسة الأطلس الكبير يعني أن البساتين ستعيش وتزدهر.

____________________________

توم كيميل هو المدير العام المتقاعد لجمعية الري، متطوع حاليا في برنامج “من مزارع إلى مزارع” الذي أنشأه الكونجرس الأمريكي. المغرب هو جزء من البرنامج ويدار من قبل “لاند أو ليكس للتنمية الدوليّة” (Land O’ Lakes International Development).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here