الكتاب بوابة الإصلاح

إقبالٌ جماهيريٌ ملفِتٌ.. تعطُّشٌ واضحٌ للقراءة، مشاركةٌ واسعةٌ لمئاتِ دورِ النشرِ المحليةِ والعربية، عناوينُ فكريةٌ متنوعةٌ، حضورٌ متميزٌ للكتابِ والروائيينَ العرب، ندواتٌ فكريةٌ ثقافيةٌ واقتصادية، حالةٌ تنظيميةٌ مقبولة، ملامحُ ميَّزتْ دورةَ معرِضِ بغدادَ للكتابِ عن الدوراتِ السابقة، تجربةٌ ثقافيةٌ اَثْبَتَتْ أنَّ المواطنَ العراقيَّ يُمكنُ التعويلُ عليهِ في عمليةِ التغييرِ بعد أنْ بَدأَ يتلمَّسَ طريقَ خلاصِهِ من دوامةِ المشاكلِ والأزمات.
لكنْ رغمَ ما قيلَ ويُقالُ عن هذا الكرنفالِ المميزِ مازال مستوى الطموحِ بعيدَ المنال، خصوصاً واَنَّ شعورَ المبالاةِ تِجاهَ الكتابِ واضحٌ للعيانِ من قِبَلِ الحكومةِ واغلبِ شرائحِ الشعبِ على حدٍ سواء, اللذِينِ باتوا يُعوِّلونِ على وسائلَ أُخرى بعيدةٍ عنِ الثقافةِ وأدواتِها لإصلاحِ شانِ الدولةِ الغارقِ في بحرِ الجهلِ والتبعيةِ والفساد .
فوسائلُ الثقافةِ الأساسيةُ الكتابُ والقلمُ تُعتَبرُ حجرَ الأساسِ كما يُؤكدُ العلماءُ والباحثونَ في أيِ عمليةٍ تغييرية, فحركةُ التأليفِ وما نَتَجَ من تقدُمٍ علميٍ هي وراءَ تسيُّدِ الغربِ وأميركا على العالمِ الثالثِ اليومَ سياسياً واقتصادياً وعسكرياً, كما إنَّ قلةَ الحروبِ والاستقرارَ السياسيَّ والرفاهَ الذي تَعيشُهُ المجتمعاتُ الأوربيةُ هو نتاجُ القلمِ والورقة, حتى مَكرُهُم وخططُهم الاستعماريةُ للسيطرةِ على مُقدَّراتِ الشعوبِ هي حصيلةُ مؤامرات وخططٍ معرفية .
هذهِ المعرفةُ التي تَشهَدُ انحداراً كارثياً ليس في العراقِ فقط بل حتى في محيطِهِ العربيِ حيثُ تشيرُ الدراساتُ إلى أنَّ الفردَ المسلمَ يُخصِصُ مِن وَقْتِهِ عشرَ دقائقَ سنوياً للقراءةِ بمعدَّلِ ربعِ صفحة, في وقتٍ متوسطِ القراءةِ للفردِ الغربيِ ما يساوي مئَتَي ساعةٍ سنوياً, أما المعاييرُ الدَّوليةُ تُشدِدُ على ضرورةِ وجودِ مكتبةٍ متنوعةٍ لكلِ ستةِ آلافِ مواطن, فيما لا يتجاوزُ عددُها ألخمسةَ آلافٍ فقط في كلِ الدولِ العربية .
دعواتُ النصرِ و البناءِ والأعمارِ ودحرِ المؤامراتِ والتفوقِ على الأعداءِ التي يُطلِقُها الساسةُ بينَ الحينِ والأخر، شعاراتٌ لا وزنَ لها في عالمِ الواقعِ الذي يَعتمِدُ على حقائقَ لا مفرَّ منها, فالمطلوبُ من الحكومةِ العراقيةِ تحشيدُ الرأيِ العامِ ضدَّ الجهلِ والتخلفِ كما فعلَتْ مع الإرهابِ وداعشَ اِذا كانت جادةً في مساعي بناءِ دولةٍ حقيقية، والطلبُ من المرجعيةِ الدينيةِ إصدارَ فتوى توجبُ القراءةَ والمطالعة، والاستغاثةُ بالمجتمعِ الدَّوليِّ لِدَعمِ جهودِ العلمِ والمعرفةِ والضغطِ على مجلسِ الأمنِ الدَّوليّ لإصدارِ قرارٍ أمميٍ لخفضِ أسعارِ المؤلفات، ورَصدُ الأموالِ لشراءِ الكتبِ والبحوثِ، ومناشدةُ دولِ الجوارِ الجغرافيةِ لرفدِ العراقِ بالمصادرِ والدراسات، واستثمارُ الانفتاحِ الدبلوماسيِ لتطويرِ العلاقاتِ مع العلماءِ والمفكرينَ وتهيئةُ الأجواءِ لاستضافةِ قِمَمْ وليس قمةً واحدةً لِدَعْمِ الفكرِ والعقل .
الحروبُ تُقابَلُ بالمِثلِ فالقضاءُ على التخلفِ والتطرفِ يجبُ أنْ يَتمَّ بسلاحِ الكتابِ الذي ما إنْ غابَ حتى ظهرَ الإرهاب ، والوصولُ إلى مصافِّ المجتمعاتِ المتقدمةِ يمُرُ عبرَ بوابةِ سياسةِ ” اقرأ ” القرآنيةِ والاهتمامِ الجادِ باعمالِ العقلِ والإكثارِ منَ المعارضِ والكرنفالاتِ الثقافيةِ وإقامةِ المسارحِ واستضافةِ الشخصياتِ العلميةِ وتنظيمِ المسابقاتِ الغنيةِ بالمعرفةِ والتواصلِ مع المفكرينَ والاهتمامِ بِهِم ودَعمِ الباحثينَ ليقدموا أفضلَ ابداعتهِم بدَلَ تهميشِهِم وإهمالِهِم, لانَ الثقافةَ تساوي الحريةَ التي بِدَورِها تصنعُ التقدُمَ والازدهار.
رسول الخالد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here