لماذا هذا التسابق في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بالعراق؟

كاظم حبيب

تشير المعلومات المنشورة في وسائل الإعلام العراقية إلى تزايد نشاط المحاكم العراقية في إصدار قرارات بالإعدام بحق المشتبه بهم في تعاملهم مع تنظيم داعش الإرهابي بغض النظر عن مكانة ودور ونشاط هذا المشتبه به أو ذاك، وسواء أكان رجلاً أم امرأة، وسواء أكان طباخاً أم قاتلاً. ويقبع في سجون العراق حتى الآن 13 ألف مشتبه به، كما يشير إليه تقرير العالم (تقرير بعنوان ” شنقا حتى الموت”.. عقوبة موحدة لجميع مرتكبي جرائم ضد الإنسانية، جريدة العالم البغدادية بتاريخ 18/04/2018)، وهم في الغالب الأعم من وجهت لهم تهمة الإرهاب. بمعنى معين، إن المحاكم وعلى وفق الطريقة الجارية حالياً سيعدم هؤلاء جميعاً دون أي تدقيق فعلي وحقيقي فيما إذا كان هؤلاء جميعهم تنطبق عليهم تهمة الإرهاب أو شاركوا في عمليات إرهابية أو قتلوا بشراً. يشير تقرير نشر التقرير السابق ذكره إلى إصدار حكم بالإعدام على 14 امرأة في مدى ساعتين لا غير، وكانت واحدة منهن تركية الجنسية “استغرقت المحاكمة بأكملها 10 دقائق قبل ان يحكم القاضي عليها بالإعدام شنقاً. دخلت امرأة تركية اخرى متهمة لقاعة المحكمة وبعدها اخرى واخرى، وفي غضون ساعتين، تمت محاكمة وادانة 14 امرأة بالإعدام. وهذا يعني إن المحكمة قد وضعت حكماً نمطياً على كل من وجد في إطار تنظيم داعش، بغض النظر عن الموقع الذي كان فيها والمهمة التي أداها والجرائم التي ارتكبها. ويشير التقرير أيضاً إلى إن الباحثة بلقيس ولي، وهي باحثة عراقية من منظمة حقوق الانسان تقول: إن “نظام العدالة لا يميز في الظروف الفردية مثل، الطباخين والعاملين في المجال الطبي فالكل يتعرض لعقوبة الاعدام”.، فأي عدالة هذه التي تمارسها المحاكم العراقية؟ وأي عواقب لمثل هذا النهج الخطير على القضاء والمجتمع. (التقرير السابق نفسه).

لقد ألغي حكم الإعدام بالعراق في أعقاب سقوط الدكتاتورية البعثية، ثم عاد إليه النظام السياسي الطائفي لتكريس حكم الإعدام بالدستور العراقي لعام 2005 حين ثبت النص التالي: “ثامناً ـ المصادقة على احكام الاعدام التي تصدرها المحاكم المختصة.” في المادة 73. وكان الهدف تأمين الحصول على أحكام الإعدام بقادة النظام البعثي الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية أو ضد العراقيات والعراقيين عموماً أو شاركوا بإصدار أحكام بالإعدام أو قتلوا الكثير من أبناء وبنات الشعب العراقي وتنفيذها بهم. إلا إن حكم الإعدام لم يعد العقاب المناسب لأي من البشر، مهما كان الجرم الذي ارتكبه هذا الشخص أو ذاك، بل يفترض أن تكون أحكام السجن هي البديل عن أحكام الإعدام. وكل الدول المتحضرة كفت عن إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام، ما عدا تلك التي ما تزال متخلفة، مثل العراق وإيران ومصر والسعودية وغيرها، أو ما تزال متوحشة في سلوكها مسؤوليها مثل بعض الولايات الأمريكية على سبيل المثال لا الحصر.

إن ما يمارسه حكام العراق اليوم يمكن أن يخضع في أي تغيير فعلي في نظام الحكم أو في نهجه الراهنة إلى المحاسبة القانونية، ويمكن أن تصدر بحقهم أحكاماً بالإعدام على وفق التهم الموجهة منذ الآن لهم وإذا ما ثُبتت عليهم تلك التهم وبرهن القضاء على ارتكابهم جرائم بشعة بحق الإنسان أو الشعب العراقي. فالتهم الموجهة من عدد كبير من أبناء وبنات الشعب العراقي إلى رئيس الوزراء العراقي السابق كثيرة وخطيرة، وإذا ما ثبتت عليهم كل أو بعض تلك التهم أثناء المحاكمة، فستكون عقوبتها الإعدام في ضوء القوانين العرقية. فهل ينبغي ان نقبل بحكم الإعدام عليه حتى لو ثبتت عليه كل أو بعض التهم. من جانبي أرفض جميع أحكام الإعدام ورفضت حكم الإعدام بحق صدام حسين وغيره، كما سأرفض تنفيذ حكم الإعدام، إن صدر قبل التغيير أو بعده، وإذا ما قدم للمحاكمة رئيس الوزراء السابق، بحقه، ليس حباً فيه ولا تودداً منه، بل لأني أرفض هذه العقوبة جملة وتفصيلاً، وارى فيها عودة للتوحش وممارسة العين بالعين والسن بالسن، بل يفترض أن يقضي المجرم حياته في السجن كعقاب له على ما ارتكبه من جريمة بحق فرد أو جرائم بحق شعب.

لقد احتجت منظمات حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية، وأنا عضو في الأخيرة وفي بعض منظمات حقوق الإنسان، على صدور أحكام بالإعدام على المزيد من المتهمين بالعراق بارتكاب جرائم أو وجدوا عاملين مع داعش، بغض النظر عن موقع عملهم وما إذا كانوا قد ارتكبوا جرائم أم لا بحق الآخرين. أؤيد هذا الاحتجاج وأسانده باتجاهين أساسيين:

أولاً: إلغاء حكم الإعدام من القوانين العراقية وابدالها بالحبس.

ثانياً: إجراء محاكمات وفق الأصول القانونية والتقاليد الإنسانية في المحاكمات الجزائية، محاكمات تتميز بالعدالة والمسؤولية واحترام الإنسان المتهم باعتباره بريئاً حتى تثبت إدانته. إن وضع أحكام نمطية على غرار ما كان يمارسه الحاكم القرقوشي عبد الله النعساني في فترة الحكم الملكي أو محاكم الثورة في العهد البعثي الاستبدادي، أو ما يمارسه بعض الحكام بالعراق حالياً إزاء المتهمين على وفق المادة 4 إرهاب، تلحق أضراراً فادحة بالدستور والقضاء والمجتمع بالعراق، وتعتبر تجاوزاً فظاً عليها وعلى الفرد العراقي. فالدستور العراقي يرفض المحاكمات النمطية، ولتفادي ذلك وضع الأسس الآتية في المادة 19 من الدستور الدائم لعام 2005 لضمان العدالة في المحاكمة:

“اولاً: القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون.

ثانياًـ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة، ولا يجوز تطبيق عقوبة اشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجريمة.

ثالثاًـ التقاضي حق مصون ومكفول للجميع.

رابعاًـ حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة.

خامساًـ المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، ولا يحاكم المتهم عن التهمة ذاتها مرة أخرى بعد الافراج عنه إلا اذا ظهرت ادلة جديدة.

سادساًـ لكل فرد الحق في أن يعامل معاملة عادلة في الاجراءات القضائية والإدارية.” (الدستور العراقي).

وعليه لا يجوز لمثل هذه الحالة أن تستمر، إذ ستكون لها عواقب سيئة جداً في الوقت الحاضر وفي المستقبل. إن العراق يعيش الآن معركة انتخابية حامية الوطيس تُخرق فيها الكثير جداً من القيم والمعايير والأسس الديمقراطية والعقلانية في سباقٍ انتخابي غير إنساني، يتجلى أيضاً في إصدار أحكام بالإعدام بحق المتهمين بغض النظر عن القضايا التي ارتكبوها، بل لمجرد وجود بعضهم، سواء أكان عددهم قليلاً أم كثيراً، بمعية داعش، بأمل كسب أصوات من خلال البرهنة على شدة وقسوة الحكام، في حين إنها تشكل جزءاً من التجاوزات الجارية على الشرعية الدستورية وأصول المحاكمات الجزائية وحضارة الإنسان. إن ما أقوله هنا ليس تبرئة أو دفاعاً عن متهمين ارتكبوا جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، بل أجد نفسي ملزماً في الدفاع عن الشرعية الدستورية أولاً، ورافضاً لقاعدة الإعدام التي لم تعد مقبولة في المجتمع الإنساني الحديث ومرفوضة حضارياً ثانياً.



تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here