عن الحرب بين أيران وأسرائيل !

(١) ما هو المشهد الدولي الآن ؟ لا شك أنه معتم ، ويوشك يكتنفه ظلام دامس ، فلم تعدد شمس توسط السماء ، فمن أي مكان نظر تجد هناك ظلال كثيفة تعتم رؤيتك . فقد أستيقظت كل غرائز الشر التي كانت هاجعةً . فالحرب ، كانت قاب قوسين أو أدنى منذ أيام قليلة ، ويجري الأعداد لها على قدم وساق . فَلَو أن روسيا نفذت وعدها ، مثلاً ، بأن في حالة الهجوم على سوريا سوف ترد على مصدر النيران ، وليس التصدي للعدوان فقط ، لكانت مخاطرة كبيرة في أشعالة فتيلة الحرب ، ولكن روسيا ، وبطريقة ما تفادت ذلك الصدام ، والسؤال هو إلى متى تستطيع تجنب المواجهة ، والعدو ما نفك ، يشحذ اسلحته ، ومصر على الهجوم ؟ فالحرب ، تبدو ، أضحت شيء محتوم في هذا الفترة لآن فترة ربيع العالم من السلم والدعة شارفة على النهاية ، والدائرة أوشكت أن تنغلق على نفسها ! فالسلاح النووي الذي كان ، في السابق ، مصدر توزان وردع بات عامل محرض على الحرب ، فما عاد يخيف أحد ! بعد أن أصبح عامل تهديد وأبتزاز . ولعل من أبرز العلامات على وشك أقتراب الحرب ، هو اللغاء القانون الدولي ، الذي كان المرجعة في حل الخلافات وفِي أتاخذ القرارات . فلم يعد أحد يرجع ويصغي ألية في أتخاذ الأجراءات والعمل وفقاً له . فمعروف أنه منذ ، أصبحت أمريكا هي القطب الوحيد في العالم ، عملت على اللغاء هذا القانون الدولي ، أي الرجوع إلى الامم المتحد في حل الخلافات ، بل دعت حتى إلى إلغاء عضوية روسيا ، في الدول الدائمة العضوية ، بعد إنهيار ، الأتحاد السوفيتي ، وكذلك اللغاء عضوية الصين ، والتفرد في حل مشاكل العالم حسب ما تراه أميركا مناسباً .

(٢) فإذا إذاالحرب المتوقعه نشبت ، كما يتوقع الكثير ، بنى على ما تحفل المنطقة من تهديدت بين القوى العظمى ، فأن البؤرة والنقطة التي ستنطلق منها شرارة الحرب ، ستكون بكل تأكيد أسرائيل ، أو سوريا ، فبعد أن هضمة معدة اسرائيل كل الاراضي التي احتلتها ، انفتحت شهيتها من جديدة إلى أراضي جديدة ، وشجعها على ذلك عدة متغيرات ، منها تحول جل العرب لدواعش ، وتحول الدواعش ليهود . فالسلام النسبي ، الذي خيم على علاقتها مع العرب تبين وهمه وزيفه ، فقد كانت الاراضي التي حتلتها خلال حرب تشرين ، استوعبت كل حاجتها لتلك المرحلة . ولكن بعد فترة الدواعش ، والتحول الوهابي بتجاه إسرئيل غذت شهيتها من جديد إلى مزيد من أن الأرض ، بيد أن تتداعات الحرب العراقية والسورية حد من هذا الطموح . فالحرب السورية توشك أن تحطم استراتيجية أسرائيل ، فقد أفرزت هذا الحرب عوامل لم تكن في حسبان أسرائيل ولا أي واحد من المخططين للربيع العربي ، وهو التدخل الأيراني والروسي ! هذان العاملان قلب أستراتيجية الدولة اليهودية رأس على عقب . وآية ذلك ، هي أن استراتيجية أسرائيل كانت تقوم على خصاء من حولها وجعلها دول عاجزة تماماً في الرد عليها بأي طريقة فعالة ، فاسرائيل ، لا تريد إلى أي من جيران والقريبين منها يملك ما يقاوم به غطرستها ، ولذلك بعد أن تم خصاء مصر في كامب ديفيد ، وجعلها خارج نطاق معادات أسرائيل أرادت أن تستفرد بما يحيط بها من دول عربية وجعلها تحت رحمتها وعدم السماح لهم في أن تكون لهم فوة يريدون بها على عدوانها . ولكن مجريات الحرب السورية وتتدخل أيران ورسيا قلب طرفي المعادلة ، وحرص هذين على تأهيل سوريا وحزب الله لمقاومة اسرائيل . فأسرائيل ترى في كل تعزيز وتسليح للقوة الدول المجاورة لها تهديد للآمنها، فهل يمكن تحقيق حلم اسرائيل في بقاء المنطقة على حالها وإخضاعها لطموحات ؟

(٣) أن تدخل أيران ورسيا في الحرب السورية قوض استراتيجية اسرائيل ، لذلك وجدت نفسها في النهاية وجهاً لوجه مع أيران وروسيا ، وبما أنها لا تستطيع محاربة روسيا ، وليس من مصلحتها على المدى البعيد معادة وروسيا ، فقد حولت كل عداءها صوب أيران لأنه مفيد لها من عدة نواح ، كون المنطقة ، وخصوصاً السعودية وحلفائها في عداء دائما لها ، فهي تستطيع أستثمار ذلك لمصلحتها . لذا ، تبدو المواجهةً مع ايران كأنها أمر محتوم ، فعداء اسرائيل لا يأت من ناحية مذهبية أو عقائدية صرفه ، وأنما من كون أيران تحاول أن تدافع عن سوريا ، وتنهض بها على مواجهات التحديات . لذلك تسعى اسرائيل في تصوير أيران كشر مطلق ، وتهديد وجودي لها ، وترفض أي وجود لها قريب منها . وقامت في عدة محاولات لضربة القوات والافراد الإيرانين ، وأخرها كان قصف مطار تيفور ، والذي أدى لمقتل عدد من جنودها بينهم عسكري برتبه كبيرة ، ولهذا توعدت أيران برد فاسي . وعليه فهل تعلن الحرب بينها وبين أسرائيل ؟

(٤) يقال بأن التراكم الكمي يؤدي إلى تغير نوعي ، سواء من ناحية السلب أو الإيجاب ، فسلسلة الاعمال الحربية ، ليس بالضرورة أن تؤدي لحرب ، فقد يؤدي أيضاً لسلم ، بعكس ما يتوقع ، بعد أن ييقن الطرفين أن حربهم ستؤدي لكارثة لكلايهما . هذا الجانب العقلني من المشكلة هو المستبعد حالياً ، أعني الرضوخ للعقل ، بيد أن الجانب الآخر ، وهو ، الحرب ، والذي أيضاً لا نستطيع تخيله ، ليس لأن لا توجد حدود بينهما ، فالحدود كما قال البعض تخلق وقت الحرب . ولكن الشيء الذي يصعب تخيله هنا ، هو شكل الحرب ونوعيتها وحجمها . فالحرب بين أيران ليس مثل الحروب بين الدول العربية وإسرائيل ، فأيران ، محاط في بئية معاديه لها ، لا توفر لها الفرصة في تحريك جيشها ، في السرعة والمكان المطلوبه ، لهذا يصعب تخيل حرب من النوع الذي خاضته الجيوش العربية . وسوريا ، لا توفر كل ما تحتاجه أيران لشن حربها . ولذا فأن الشكل الذي سوف تخوض أيران الحرب سوف يختلف عن كل أشكال الحروب العربية ، أما حجم هذا فهو أيضاً سيصعب تقديره ، لنظراً لكل ما ذكرناها ، من ضيق مساحة أيران في التحرك . ونحن نرى بأن هناك الكثير من تحدث عن الحرب الوشيكة بينهما ، ولكن لم نجد فيهم من خبرنا عن شكل هذه الحرب ولا حجمها ، فكل ما قيل من قبلهما هو أن هناك حرب على الأبواب ، وبما الحرب لا تحدث في الفراغ ، أي لا بد من يكون لها مكان معين ، والذي سوف يعين شكلها وحجمها .

(٥) بالطبع أن شكل الحرب هو الذي سيقرر نوعها وحجمها . وما نقصد بشكل الحرب ، أن شكل الحرب بين أيران ، سيخلف عن شكل كل الحروب التي خاضت ضد أسرائيل ، فقد حدثت تغيرات كبيرة في نوعية السلاح واستخدامه ، لدى كل من الطرفين ، فسوف لن تخاض هذه الحرب بنوع السلاح التي كانت تخاض فيه . فتطور في السلاح أفقد ميز كبرى كانت تتفوق بها أسرائيل أستراتيجياً على كل الدول العربية في السابق واليوم ، فما عاد لسلاح الطيران الأسرائيل له نفس الثقل كما كان قديماً ، فقد حجمت قوة الطيران الحربي لأدنى حد إذ لم تكن قد لغت فعلياً ، مع الدفاعات الجوية الحديث ، والتي تصطاد الطائرات ما أن تقلع ، أو تضربها في مجاثمها. وفقدان أسرائيل لهذه الميزة يعادل فقدانه لنصف الحرب ! وأضاف لهذا ، نعرف أيضاً بأن ليس لدن أيران وجود عسكري كثيف ، فما يوجد هناك لا يعدو أن يكون حرس ثوري في أسلحته الخفية ، وليس في عدة الجيش المحترف والرسمي ، فالوجود الايران في سوريا شعبي وليس وجود جيوش وقوات مسلحة رسمية ، ولهذا لا نتوقع هناك حرب برية بينهما ، وأنما ستكون ، مجرد حرب صواريخ وحرب درونات ، أي طائرات صغيرة بدون طيار . ومن هنا يصعب تخيل الحرب البرية بينهما مع وجود الجيش الروسي ، الذي سوف بالتأكيد لن يقف موقف المتفرج ، حينما يخوض حلفاءه السورين والأيرانين الحرب ، فالحرب البرية ، ستكون مستحيلة إلا أذا تطورت لحرب شامل لمنطقة بين الروس وحلفاءهم من جهة وأسرئيل وأمريكا وحلفاءها أيضاً . وهذا يبدو بعيد الاحتمال . وفوق كل ذلك ، تواجه حرب الصواريخ البعيد المدى والقصيرة نفس مشكلة الطيران الحربي ، فهذا الصواريخ وجدت لها أيضاً المضادات التي تقدر على أسقاطها في طريقها أو فوق أماكن أنطلاقها ! فماذا بقى من الحرب ! فهل معنى هذا ، أن الحرب باتت مستحيل بين الدول ، التي لا توجد بينهما حدود مشتركة ، فالتطور التكنولوجي ، حد من أمكانية الصواريخ البعيدة المدى ، فهناك الطائرات والصواريخ المضادة القادرة على أسقاقطها ، وهي في طريقها . وأيران لا تقدر ، من ناحيه ، أن تشن حرب من الأرضي السورية لمخاطر الكبيرة على حلفهاءها ، واحتمال توسعها أكثر .

. (٦) فكيف لنا بعد ذلك نتخيل وجود حرب بين أيران وأسرائيل بعد كدنا نجزم بستحالتها بطريقة التقليدية والحديثة على سواء ! فأذان ما شكل الحرب التي ستكون عليه بين وأسرئيل وأيران تلك التي يروج لها ،ويوعدون بأنها قريب توشك أن تقرع الأبواب ! في الحق ، أن وجود الروس في سوريا جعل من الحرب التقليدية مستحيلة ، فقد كانت أسرائيل تشن الحرب حينما كان جيرانها لا يملكون الوسائل الكافية التي يصدون به هجوم أسرائيل لذلك كانت تسرح وتمرح وتدمر ما شاء لها هواها ، ولكن هذا الأمكانية أنعدمت تماماً في سوريا بوجود روسيا ، وكذلك نعدمت فرصة شن حرب برية علئ الأراضي السورية ، إلا إذا قررت أسرائيل الانتحار بمعنى الكلمة ، فأن لن ينفعها طيرانها ولا قنابلها النوية ، لأنه أضعاف هذه سوف تصيب أسرائيل في حالة ما راود نفسها أستخدامهم . فما الذي يبقى من الحرب المُحتملة بين وأسرائيل وأيران ، أذن ؟ . أهي حرب ، أنتقامية ، وغارة مباغته ، وحرب طائرات بدون طيارين . بعد انتهى الحرب بالطريقة التقليدية ، لوجود توازن في القوى ، وعدم المُجازف لهدم المعبد على الطرفين ؟

( ٧) فالحرب التقليدية ، كما قلنا ، غدت غير ممكنة بين دولها ليس لها حدود مع بعضها ، وتعتمد على الأسلحة التقليدية ، ولكن الحرب بين دول متباعد ، وبعيد عن بعضها ، أصبحت ، كذلك ، شيء صعب بوجد الأشياء المضادة ، فتلك الصورايخ التي تطلق من دولة بعيدة ، يمكن أن تسقط على دول آخر ليس طرف في الحرب بينهما ، وقد تكون تلك الصواريخ نووية أو مدمرة جداً . وبما أن الحرب على الارض السورية غير معقول ولا محتمل ، لأن معروف رد أسرائيل عن أدنى هجوم أو ضربة ، فهي ترد بعنف بالغ كما أعتادت تفعل مع لبنان ، لأنها تعرف ، بأن لا أحد يملك الرد بأعنف من ردها ، فسوريا الآن ، وروسيا وأيران أصبحوا لهم هذه الإمكانية ، في الرد عليها ، إذا فعلت ما أعتادت أن تقوم به عند كل تحرش . وهكذا تغيرت الأمور ، هذه اللعب ، أي الهجوم من قبل طرف واحد ، أنتهت الآن بوجود أيران وروسيا اللذان يمكن أن يضربا في العظم ، والمناطق الحيوية لها . لهذا فنحن نرجح ، أن يسمح برد أنتقامي خفيف للايران ، يعقبه رد إسرائيلي خفيفة وبنفس القدر ، لحفظ ماء الوجه لكليهما ، كما هو الحال في الضربة الامريكية وتستمر العملية لبعض الوقت ، حتى يرجع الطرفان لتحكيم العقل . فلا حرب شامل مع الوجود الروسي ، لأن شيء طبيعي أن تتدخل أمريكا لصالح أسرائيل في حالة الهجوم الأيراني ، وفِي هذه الحالة لن يقف الروس موقف الحياد ، وحليفيهما يتقاتلان مع حلفاء اسرائيل . .

(٨) هذا التعقيد في الوضع الحالي ، هو الذي يمنع من نشوب حرب شاملة بين الأثنين ! فكثير ما يظن المشرفون على حوك المؤامرات والحروب أنهم من يوجهون دفة الأمور ، ولكن تجدهمهم في النهاية يرضخون لدياكتيك الأحداث ويقرون بعجزهم ، فالأيادي الخفية هي من لها في النهاية الكلمة الأخيرة . وما كان يرفض بالامس بشدة يصبح في اليوم الأسود مترجئ وعزيز ، ومن لا يرض بالموت يرضى بصخونه كما يقول المثل . فأسرائيل ، حينما تتعطل كل أدوات الحرب لديها وتصبح خردة ، فأنها مستعدة لنزع عنجهيتها ، فهي تعرف قبل غيرها ، أن صداقتها مع أمريكا ، لا تعن ذبح أمريكا في سبيلها ، فألأمريكان والاروبيينً لا يغامروا بحرب عالمية في سبيلها ، فهي ليس صداقة مصيرية ، وأنما مصالح عابرة ، تسمح بمحرقة آخرى لها ، إذا كان الحفاظ على مصالحهم يتطلب ذلك .

(٩) هذا التبسيط في التحليل ، لا يعني أن الحل السلمي قاب قوسين أو ادنئ ، وأنما كل ما يعني ، أن الأمور وصلت طريق مسدود ، مثل خيار القبول في الأسد لحل الأزمة السورية بعد كل هذا الحرب في سبيل أسقاطه . فما كان يرفض بعنف بتلك الفترة أصبح ممكن ومقبول حالياً ، ولهذا بعد كل تأزم ، يلوح الحل في الأفق .وهذا لا يعني أن السلام ، سيكون هو من له الغلبة في تفكير الحكومة الإسرائيلية . بل ، كل ما نريد نقوله هنا ، هو أن اسرائيل حينما تواجه بردع وقوة أكبر منها ، فأنها ترضخ للواقع ، وتقبل بالحلول المعقولة . فهي متغطرسة لأن ما من أحد يردعها ، ويعيدها للجادة العقل ، فوجد ، أيران وروسيا ، بوجه أسرائيل سوف يعيد لها الكثير من صوابها . فهي ليس على استعداد لمواجهة أيران لوحدها ، فإذا السعودية تخلت عن الدفع لترامب تكاليف حروبه ، فأن ترامب لا يغامر في حرب بسبيل أسرائيل ، والخزينة السعودية لا تقدر اليوم على تحمل كلفة باهض مثل هذه الحرب . فأسرائيل اصبح العدو أمامها والبحر من ورائها ، عدو لا طاقة على مقاتلة لوحدها وما عليها سوى الجنوح للسلم ، وإلا قوى الردع موجودة .

هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here