تأملات في القران الكريم ح382

سورة الذاريات الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ{24}
تضمنت الآية الكريمة خطابا لرسول الله محمد “ص واله” ( هَلْ أَتَاكَ ) , بلغك , ( حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ) , الضيوف كانوا من الملائكة الكرام , يختلف المفسرون في عدتهم , الاغلب يشير الى انهم اربعة او ثلاثة .

إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ{25}
تستمر الآية الكريمة ( إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً ) , ألقوا عليه التحية , ( قَالَ ) , ابراهيم “ع” :
1- ( سَلَامٌ ) : رد تحيتهم .
2- ( قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ) : قوم غرباء , لا نعرفكم .

فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ{26}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ ) , مال الى اهله سرا , دون علم الضيف , ليقوم بواجب الضيافة قبل ان يمنعه الضيف من التكلف , او ان يجعله منتظرا , وهذا من اسمى آداب الضيافة , ( فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ ) , وفي آية كريمة اخرى { وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ }هود69 , أي مشوي , مما يروى في ذلك , ان اكثر مال ابراهيم “ع” كان من البقر .

فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ{27}
تستمر الآية الكريمة ( فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ) , كما هي العادات المتبعة في اكرام الضيف , ( قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ) , تلطفا في دعوتهم لتناول الطعام .

فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ{28}
تستمر الآية الكريمة ( فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ) , اضمر نوعا من الخوف منهم , عندما لاحظ انهم لم يأكلوا من الطعام , فهذا قد يعني عدة أمور منها ان الضيوف قد يحملون شرا او لديهم نقطة خلاف او جاؤوا بطلب ما , فلا يأكلون الا بعد ان تقضى طلبتهم , وهذه من العادة التي لازالت سارية لدى القبائل العربية , ( قَالُوا لَا تَخَفْ ) , طمأنوه , وعللوا عدم اكلهم لانهم رسل “ملائكة” , ( وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ) , ثم بشروه بإسحاق وهو ذو علم .
يلاحظ في الآية الكريمة انها وصفت اسحاق بالعلم , بينما آية اخرى { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ }الصافات101 , وهو اسماعيل “ع” وصفته الآية الكريمة بالحلم , فاشتهرت ذرية اسحاق “ع” بالعلم , بينما اشتهرت ذرية اسماعيل “ع” بالحلم , الفرق بينهما ان البشارة بإسحاق “ع” كانت عن طريق الملائكة ( وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ) , اما البشارة بإسماعيل “ع” فنسبها الباري جل وعلا الى نفسه ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ) , وفي ذلك فرقا واضحا .

فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ{29}
تمضي الآية الكريمة قدما في سرد التفاصيل ( فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ ) , سارة , ( فِي صَرَّةٍ ) , في صيحة “صرة من صرير” , بينما يرى القمي انها بمعنى “في جماعة” , ( فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ) , أي لطمته , وقيل انها ضربت جبهتها بأطراف اصابعها تعجبا , ( وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ) , أي كيف ألد وانا عجوز وعاقر , قيل ان عمرها ساعتئذ تسع وتسعون سنة , بينما كان عمر ابراهيم “ع” مائة او مائة وعشرون سنة .

قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ{30}
تروي الآية الكريمة على لسان الملائكة الضيوف ( قَالُوا كَذَلِكَ ) , القول في البشارة , ( قَالَ رَبُّكِ ) , انما نبلغكم بما قاله “جل وعلا” , ( إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ ) , في صنعه , فعله وقضاءه محكما , ( الْعَلِيمُ ) , بكل شيء , العليم بخلقه , العليم بالمصالح والمفاسد .

قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ{31}
تروي الآية الكريمة على لسان ابراهيم “ع” سائلا الملائكة الضيوف , حيث جرت العادات ان لا يسأل الضيف عن سبب مقدمه او وجهته الا بعد القيام بواجبات الضيافة ( قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ) , ما شأنكم ايها المرسلون , فقد ادرك “ع” ان الملائكة لا ينزلون مجتمعين الا لأمر عظيم .

قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ{32}
تروي الآية الكريمة على لسان الملائكة الضيوف معرفين ( قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ ) , قوم لوط “ع” .

لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ{33}
يستمر كلامهم في الآية الكريمة ( لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ ) , مطبوخ بالنار , وهو السجيل , {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ }الحجر74 .

مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ{34}
يستمر كلامهم في الآية الكريمة مضيفين ( مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ) , معلمة , يختلف المفسرون في انها معلمة عليها اسم صاحبها , او انها معلمة خاصة بذوي تلك الفاحشة المعروفة , ( لِلْمُسْرِفِينَ ) , المفرطين المتجاوزين الحد .

فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{35}
تستمر الآية الكريمة ( فَأَخْرَجْنَا ) , من القرية , ( مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) , ممن آمن بلوط “ع” .

فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ{36}
تستمر الآية الكريمة مخبرة ( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ ) , هو بيت لوط “ع” , ويلاحظ انهم وصفوا بالإيمان في الآية الكريمة السابقة ووصفتهم الآية الكريمة بالإسلام .

وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ{37}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع ( وَتَرَكْنَا فِيهَا ) , بعد هلاك المجرمين “الكافرين” , ( آيَةً ) , علامة على هلاكهم , ( لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ) , ليعتبروا بهم , ولا يقدموا على فعل ما مثل تلك الفعلة “الفاحشة” .

وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{38}
تنعطف الآية الكريمة لتذكر شيئا موجزا من خبر موسى “ع” ( وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ) , بالمعجزات الواضحة كـ “اليد والعصا” .

فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ{39}
تستمر الآية الكريمة مخبرة ( فَتَوَلَّى ) , فاعرض فرعون عن الايمان , ( بِرُكْنِهِ ) , جنوده , لانهم مما يتقوى بهم وهم بالنسبة له كالركن , مغترا بهم , ( وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) , ثم انه قال عن موسى “ع” انه ساحر او مجنون , الملاحظ ان الخوارق التي جاء بها موسى “ع” ليست من فعل المجانين , المجنون لا يأتي بالخوارق , فلماذا وصف فرعون موسى “ع” بالجنون ؟ ! , الاجابة في عدة محاور :
1- ان المجنون من تلبست به الجن , التي هي مصدر الخوارق التي جاء بها موسى “ع” في نظر فرعون وقومه .
2- كان في رأي فرعون ان موسى “ع” ساحر , وايضا مجنون في نفس الوقت , بمعنى ساحر متهور بشكل جنوني .
3- اعتقد فرعون ان وقوف موسى “ع” امامه بهذه الجرأة ليدعوه الى عبادة الله الواحد وان يتبعه في ذلك , أي ان فرعون بجاهه وجعجعته يتبع موسى “ع” الراعي الفقير , فأن ذلك الموقف ابلغ ما يكون جريئا , لا يصدر من العقلاء “في ظنهم” الذين ينبغي منهم مسايرة فرعون والتملق له .

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ{40}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع ( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ ) , طرحناهم , اغرقناهم , ( فِي الْيَمِّ ) , البحر , ( وَهُوَ ) , أي فرعون , ( مُلِيمٌ ) , آت بما يلام عليه من الكفر والعناد وتكذيب الرسل والتكبر والاستعلاء … الخ .

حيدر الحدراوي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here