الحكومة العراقية تترك الاستثمار في مصافيها الحديثة وتستثمر في مصفى قديم في المغرب؛

من روج لهذه الصفقة ولماذا؟

نشر موقع شفق نيوز في 17 نيسان الجاري عن صحيفة “الأحداث المغربية” أن الدولة العراقية دخلت بشكل مفاجئ على خط اقتناء مصفاة “لاسامير”. ثم ذكرت السومرية نيوز/ بغداد في 24 نيسان عن صحيفة “العربي الجديد” القطرية عن “مصادر عراقية رسمية”، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، عن انسحاب الحكومة العراقية من سباق شراء مصفاة البترول الوحيدة بالمغرب، حيث بررت ذلك بكون التقرير الفني لم يكن مشجعا.

ونظرا لان الخبر يشكل مفاجئة غريبة ومحيرة ومقلقة فقد بحثت في المواقع المعنية لمعرفة من هي هذه المصادر العراقية الرسمية وفي أي وسائل إعلام محلية تم نشر التصريحات. لم اجد في مواقع وزارة النفظ ولا في الشركات العامة للمصافي ( الشمال والوسط والجنوب) ولا في موقع مجلس الوزراء ما يشير الى صحة الخبر؛ ولكن لم اجد أي تصريح رسمي ينفي او يكذب الخبر رغم مرور سبعة ايام على نشره.

فاذا كان الخبر غير صحيح فلماذا لم يصدر أي موقف رسمي بشأنه؟

واذا كان صحيح فهذه الطامة الكبرى؛ فكيف تترك الحكومة العراقية الاستثمار في مصافيها الحديثة وتستثمر في مصفاة قديمة في المغرب؟ من يقف وراء الترويج لهذا الاستثمار الغير مبرر بالمطلق من ناحية الجدوى الاقتصادي؟ ومن حاول توريط العراق ، او كاد، في هذه الصفقة؟ وهل صادق مجلس الوزراء عليها ومتى؟ وما انعكاسات هذا القرار على جهود العراق لاستقطاب المساعدات والاستثمارات لاعادة الاعمار بعد مؤتمر الكويت الاخير لهذا الغرض؟ و ؟ و؟ و ؟

اولا: مصفاة سامير

تقع المصفاة في منطقة المحمدية شمال الدار البيضاء في المغرب. والاسم SAMIR مشتق من الاسم الكامل بالفرنسية Societe Marocaine d’Industrie de Raffinage

تم بناء المصفى في 1959 بطاقة 2.25 مليون طن سنويا- مطس ثم تم خصخصته في 1997 حيث اشترت شركة “كورال بتروليوم” المملوكة للمستثمر السعودي محمد الحسين العامودي،67.27% بـ450 مليون دولار. و تم تحديث المصفى في 2009 حيث تبلغ الطاقة التشغيلية الان بحدود 10 مطس او 200 الف برميل يوميا-أبي.

وبعد اكثر من عشرين عاما على خصخصة المصفى تراكمت عليه الديون لتصل الى 4.3 مليار دولار والمصفى الان رهن التصفية القضائية. علما ان المعلومات تشير الى أنه بسبب قدم المصفى فقد تأثر كثيرا نتيجة للتوقف عن العمل الذي عانى منه منذ آب 2015. ويشترط المغرب من أجل بيع سامير، التي حدد خبراء رسميون قيمته بـ2.6 مليار دولار، إعادة تشغيله والحفاظ على فرص العمل لنحو 825 شخصا.

وتشير المعلومات إن المحكمة التجارية بالدار البيضاء الحارس القضائي امهلت ثلاثة أشهر أخرى من أجل بيع مجموعة “سامير” التي تمتلك مصفاة النفط ، وهذه تعتبر المرة الثامنة التي يمهل فيها الحارس القضائي من أجل مواصلة التصفية.

اذن وفي ضوء المعلومات المتاحة فان المصفى قديم رغم تحديثه ويعاني مشاكل تشغيلية مؤثرة منذ 2015 وديونه المتراكمة تعادل تقريبا ضعف قيمته التقديرية! فهل يشكل هذا المصفى فرصة استثمارية مجزية للعراق ضمن ظروف البلد الحالية؟ بالتاكيد يكون الجواب كلا حتى بدون اجراءحسابات الجدوى الاقتصادية وتحديد قيمة معدل المردود الداخلي- IRR وهو من المؤشرات المهمة في تلك الحسابات.

ولكن على الجهة او الاشخاص الذين روجوا لهذه الصفقة ان يقدموا مبرراتهم وادلتهم وحساباتهم ان وجدت!

ثانبا: علاقة سامير مع سومو وشراء النفط المصدر من اقلبم كردستان

كان مصفى سامير من ضمن الشركات العالمية التي تستورد النفط العراقي بواسطة عقود شركة سومو المعهودة. وتشير المعلومات الاحصائية للتقارير السنوية لمبادرة الشفافية في الصناعة الاستخراجية في العراق IEITI ان قيمة استيرادات المصفى من سومو قد ازداد ت من حوالي 582.5 مليون دولار في 2009 الى اعلى مستوى وهو1.064 مليار دولار في عام 2011 ثم بدأ ت بالانخفاظ الشديد ليصل الى الصفر في 2014 ثم حوالي 82 مليون دولار في 2015. ولم يضهر اسم المصفى في قائمة مبيعات شركة سومو لشهر اذار الماضي.

في المقابل كانت اول شحنة نفط من اقليم كردستان موجهة الى مصفى سامير وذلك في شهر مايس 2014 وعلى ناقلة النفط United Leadership حيث تشير المعلومات على موافقة المصفى لشراء الشحنة وحسب تأكيدات أشتي هورامي- وزير النفط في حكومة الاقليم. وقد لعبت شركة جنيل انرجي Genel Energy (التركية البريطانية) ومديرها التنفيذي توني هيوارد Tony Haywardفي حينه دور الوسيط لاتمام الصفقة ثم بعد انتقاله ليصبح رئيس شركة كلنكور Glencore لمالكها Marc Rich .علما ان شركة كلنكور قدمت في عام 2012 قرضا للمصفى بقيمة 500 مليون دولار.

وبسبب تحرك الجهات العراقية واعتراضها على تفريغ حمولة الناقلة على اساس انه نفط عراقي مهرب؛ اجبرت الناقلة على مغادرة السواحل المغربية. وهذا يفسر عدم قيام سومو ببيع اي نفط الى مصفى سامير في ذات العام-2014.

ثالثا: لماذا تترك الحكومة المصافي العراقية الحديثة وتتوجه للاستثمار في هذا المصفى القديم في المغرب؟

يبقى السؤال المحير هو كيف تبرر الجهات العراقية التي تقف خلف هذه الصفقة الغير مجدية في الوقت الذي تدعوا الى عدم قيام الحكومة العراقية بالاستثمار في المصافي العراقية وتركها للقطاع الخأص وهذا ما دعى له وزيرالنفط خلال المقابلة التلفزيونية مع قناة الشرقية/برنامج طبعة محدودة في شهر حزيران 2017.

واوضح مثل على ذلك هو مصفى كربلاء.

ان مصفى كربلاء هو من ضمن المصافي الحديثة التي اقترحتها الحكومة وروجت لبعضها على اساس الاستثمار المباشر منذ 2010 وبعد تكليف الاستشاريين الاجانب في اعداد دراسات FEED لكل منها.

ولم يتقدم اي مستثمر رغم كل المحفزات التي جائت بها تعديلات قانون الاستثمار في المصافي، باستثناء شركة مفلسة ماديا وغير مؤهلة تقنيا ولم تنفذ اي مصفى في السابق بهذا الحجم والمواصفات- وهي شركة ستاريم التي تم التعاقد معها منذ سنوات لتنفيذ مصفى ميسان ولم تنجز اي شيء ليومنا هذا رغم كل انذارات الوزارة!!

لقد احالت الحكومة مصفى كربلاء في مطلع العام 2014 على الائتلاف الكوري بقيادة شركة هيونداي بمدة تنفيذ 54 شهر وبكلفة 6 مليار دولار. وقد تعثر وتاخر تنفيذ المصفى بسبب الازمة المالية وعدم اعطاء الاولوية المطلوبة لتنفيذ هذا المصفى الحديث ذي المواصفات الدولية؛ ويستمر العراق في استيراد المشتقات النفطية وبوتائر متصاعدة وكلف عالية تفوق ملياري دولار سنويا نتيجة لعدم كفاية انتاج المصافي المحلية لمقابلة الطلب المتزايدعلى المشتقات النفطية وبالنوعية الجيدة.

في ضوء ما تقدم فانني اناشد كل من وزارة النفط ومجلس الوزراء تحديد واعلان:

اولا:من هي الجهة الرسمية التي تقف وراء مقترح شراء جزء من مصفى سامير في المغرب؟

ثانيا: ماهي المبررات الاقتصادية لهذه الصفقة؟

ثالثا: ماهو المبلغ المنوي استثماره في هذه الصفقة؟

رابعا: لماذا فضل مصفى سامير القديم في المغرب على مصفى كربلاء الحديث؟

خامسا: ألا يولد قرار الاستثمار في مصفى سامير في المغرب ردود فعل عكسية على جهود الاستثمار واعمار العراق وخاصة بعد مؤتمر الكويت الاخير؟

احمد موسى جياد

استشارية التنمية والابحاث/العراق

النرويج

24 نيسان 2018

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here