قراءة في كتاب عنوان الكتاب: حوار ساخن عن الإلحاد Heated Debate on Atheism

اسم المؤلف: هادي المدرسي

سنة النشر: 1438 هـ| 2017 م(الطبعة الثانية)

الناشر: دار أهل البيت (عليهم السلام) للعلوم

منذ أن فتح الإنسان عينيه ووجد تحته أرضا يزرعها، ويبني عليها، ووجد فوقه سماءً تنيرها الشمس نهارا، ويزيّنها القمر والنجوم ليلا، ووجد ما يحتاج لمعيشته ماثلاً حوله، أخذ يتساءل عمّن خلق كل ذلك.

وعند النظر إلى نفسه، أدرك مكامن الحكمة في خلقه. فأخذ يتساءل عمّن خلقه ودبّر شؤونه. فكان الإيمان هو الأصل. وكان الإلحاد هو الشذوذ. فاتخذ الفريق الأول من آيات الله دليلا على إيمانه. ولم يجد من ألحد سوى التشكيك.

ثمة حوار افتراضي بين توأمين في بطن أمهما. يسأل أحدهما الآخر فيما لو يؤمن بوجود أم لهما. فيجيبه الآخر أنّه يشك في ذلك. فيتساءل الأول عمّن يوفر لهما ما يحتاجانِه للعيش. فيقول الثاني أن ذلك محض خرافة. بما أننا لا نرى أمَّاً، ولم نسمع صوتها ولم نشم رائحتها، فلا وجود لشيء اسمه أم.

ثم يسأل الأول عن مكانهما القادم بعد رحيلهما من مكانهما الحاضر. فيقول الثاني أنه لا يوجد مكان آخر غير هذا الحاضر. والسبب أننا لم نسمع بأحد قبلنا عاش في ذلك المكان المقترح.

ويستمر الحوار بينهما. وما يقوله التوأم الثاني يشبه ما يقوله الملحدون في عالمنا. فهم لا يؤمنون بوجود الله لأنهم لا يرونه. ولم يعرفوا من عاش حياة أخرى غير حياتهم، وبذلك فلا حياة بعد الموت.

ومما يتذرع به الملحدون قولهم أنهم لا يؤمنون بما لا يرونه. وهم ينسون أن هنالك الكثير من الأمور التي يتعامل معها الناس على أنها حقائق غير مرئية، مثل الطاقة الكهربائية والاليكترونات والعقل والعواطف والجاذبية والمغناطيسية والموجات فوق الصوتية والروح والحياة وسواها.

ويقدم المؤمنون الكثير من الأدلة عل وجود الخالق. لكن الملحدين لا يقدمون دليلا واحدا على عدم وجوده. فهم يتذرعون بأشياء خلافية لا تصمد أمام النقاش مثل نظرية التطور والصدفة وسواهما.

ومن أسئلة الملحدين: لماذا لا يثبت الخالق للخلق وجوده عن طريق الحواس؟ والجواب أن إيماننا بوجود الأشياء عن طريق الحواس راجع إلى ما يقوله العقل، وما الحواس إلا وسائل. وكثيرا ما نؤمن قطعيا بأمور بديهية كثيرة دون المرور بالحواس. ومن ذلك جمال الأخلاق الحسنة وقبح الأخلاق السيئة وما إلى ذلك. ولكن عندما يحدثك شخص عن تجمع قطع من المعادن وتكون سيارة عن طريق الصدفة، فلا يعينك العقل على قبول ذلك. فكيف إذا تعلق الأمر بوجود الكون كله؟

ونقول للملحدين الذين يطلبون الدليل على وجود الله أن يتأملوا في الكون ثم يستخدموا عقولهم حينما نذكر لهم الدليل الأول وهو وجود الكون بما في ذلك أنفسهم(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)(الطور| 35). ومن عجائب الخلق أن الأرض هي الكوكب الوحيد في مجموعتنا الشمسية الذي يتوفر فيه الماء بحالاته الثلاث: الغازيّة والسائلة والصلبة. والثانية أن العين البشرية تبصر سبعة ألوان أساسية(ألوان الطيف) بترددات مختلفة تحولها شبكية العين إلى شفرة كهربائية وينقلها العصب البصري إلى مراكز الإبصار. وحين تصل إلى المخ يقوم بفك تلك الشفرة ويترجمها إلى ألوان، ثم يجري تداخل ومزج بين هذه الموجات، وبذلك نبصر ما لا حصر له من الألوان. والشيء نفسه يحدث عند تذوقنا للطعام.

ومن الأسئلة الكثيرة التي يثيرها الملحدون سؤالهم: من خلق الله؟ وجوابه أننا لا نقول أن كل موجود لا بد له من موجد. لكن الكائنات الموجودة تحمل أثر الصنعة، وبذلك فانّ لها صانعا. بيد أن هذا الصانع لا يحمل نفس صفات ما يصنع، فلا بد له أن يكون بخلاف مصنوعاته. فالله غني بذاته. وبذلك يكون السؤال في غير محله. ومن البديهي أن ملوحة كل شيء بالملح، لكن ملوحة الملح ذاتية.

ويعترف الملحدون ومن بينهم ريتشارد دوكينز في كتابه(وهم الإله) أننا غير قادرين على استيعاب وتصوّر كل ما في الكون. فمخيلتنا تعجز عن تصور المسافات الكبيرة، كما تقصر عن تخيل الإلكترون وسواه. على أن عالم الأحياء الشهير جي بي أس هالدين يقول في كتابه (العوالم الممكنة)أنه يعتقد أن الكون أغرب مما نستطيع تخيله، وأن في السماء والأرض من الأشياء أكثر بكثير مما حلمت به فلسفةٌ ما أو تحلم به. فماذا عمّن خلق الكون؟

لا يملك الملحدون أدلة على إلحادهم. فهم يعتقدون أن مسألة وجود الإله من عدمه هي نوع من اللاأدرية. وبذلك تكون مسألة وجود الله أو عدمه لها نفس الاحتمالية من الصحة. فهم يقولون أنهم قد يعرفون الإجابة مستقبلا، وحتى ذلك الوقت يكون الكلام عن الاحتمالات وليس عن اليقين. والجواب أننا نقول لهم: لماذا لا تؤمنون إلى أن يحصل الدليل على عدم وجود الإله؟

ومن ادعاءاتهم أن الدين مبيد فعال للمنطق العقلاني. ونقول أن العقل هو أصل الدين. فالمؤمنون يستخدمون العقل دائما، بينما يلغيه الملحدون من خلال تعاملهم مع أفكار مثل الصدفة والتطور الذاتي وسواهما. نحن نقول أن الأشياء وضعت بدقة، مما يستدعي عقلا أنها من فعل فاعل.

ويدّعي الملحدون أن العلم يؤدي إلى الإلحاد. وهو ادعاء بدون دليل. فالعكس هو الصحيح. ويقول أنتوني فلو الملحد الذي اعترف أخيرا بوجود إله أن أينشتاين لم يكن الوحيد من بين علماء الفيزياء الكبار الذي ربط بين انتظام قوانين الطبيعة وحكمة الإله الخالق. وإنما يشاركه في ذلك أساطين فيزياء الكوانتم مثل فيرنر هايزنبرك صاحب مبدأ اللاحتمية وإروين شرودنجر مؤسس ميكانيكا الموجات وماكس بلانك مؤسس فيزياء الكم وبول ديراك من كبار مؤسسيها وستيفن هوكنك صاحب كتاب(تاريخ موجز للزمان) الذي يقول: عندما نتوصل إلى النظرية الجامعة، فسنتمكن من معرفة الحكمة من الوجود، وعندها سنكون “قد عرفنا كيف يفكّر الإله”. ويقول أيضا” قد لا تجد إجابة إلا مشيئة الإله”.

ومن صفات الملحدين: مخالفة الفطرة والإيمان الانتقائي والإيمان حسب المزاج والاستهزاء بالمؤمنين والنرجسية والزئبقية والميل إلى اهانة المقدسات والتعصب والكيل بمكيالين ودعوى الإقصاء وتقديس المنكر وإنكار المقدس وسواها. كما ويتميز الإلحاد بالتطرف من أجل تخريب الثقافة العلمية. وهو نفس الاتهام الذي يوجهونه للدين.

ويلحّ الملحدون على الصدفة باعتبارها سببا لوجود الكون. ونقول: لو وجدنا سيارة متوقفة على قارعة الطريق، فهنالك عدة احتمالات: إما أن تكون تلك السيارة قد صنعت نفسها، أو أن الصدفة هي التي صنعتها، أو أن مجموعة مهندسين مهرة قد قاموا بصنعها. فأي الاحتمالات أقوى؟

وتُضرب كذلك عدة أمثلة لذلك مثل مثال الطائرة العملاقة ونظرية القردة التي تكتب قصيدة لشكسبير بمجرد النقر على لوحة مفاتيح الكومبيوتر. وعندما أحصى العلماء إمكانية كتابة قصيدة شكسبير المكونة من 488 حرفا بهذه الطريقة، ظهر أن احتمال ذلك يساوي 10 مرفوعة إلى -690. فكيف الحال مع كل الجسيمات في الكون؟ وبذلك فقد ذهبت الصدفة إلى التقاعد.

وبالنسبة لنظرية دارون، فقد أقرّ دارون نفسه في سيرته الذاتية بصعوبة تصور كون هائل ككوننا قد نشأ بمحض الصدفة العمياء. ثم قال: “ومن ثم فإني أؤمن بوجود الإله”.

وبخصوص خلق الكون، أصيب الملحدون بالإحباط لأن العلم قدم الدليل على أمرين: أن للكون بداية أي أنه ليس أزليا، وأنه نشأ من العدم.

ويقدم التصميم الذكي دليلا آخر ضد ما يرجوه الملاحدة. ويقول أنتوني فلو: أوصلني الاستدلال الفلسفي للتصميم الذكي إلى الإقرار بوجود إله حكيم خالق.

أما بخصوص التطور، فيناقض الملاحدة أنفسهم عندا يقولون مثلا أن كل عضو من أعضاء الإنسان له هدف، لكن وجود الإنسان نفسه لا هدف له.

ويقدّم الكتاب ما يسوقه الملحدون من افتراءات على الكتب المقدسة وعلى أنبياء الله. ثم يتناول الأخلاق وتفسيراتها الدينية ونظرة الملحدين لها. وفي فصله الأخير يتناول تراجع أنتوني فلو، أشرس الملحدين عن الإلحاد. بعد ذلك يقدم فصلا عن أهل البيت والاستدلال على وجود الله في مجالس أربعة.

وأقول صراحة إن تناول كتاب مكوّن من 679 صفحة من الحجم الكبير، يصلح كل فصل منه ليكون كتابا مستقلا، وبهذه العجالة هو في واقع الأمر تجن كبير على الكاتب والكتاب. فلا بد للقارئ الحريص من أن يقرأ الكتاب بكل تفاصيله قراءة متأنية. فالغنيمة لا تُقدّر بثمن.

قراءة

أ د حميد حسون بجية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here