فضائح تنتج اخبار كاذبة وإعلام متحيّز بلا قوانين

مع اقتراب الانتخابات اجتاحت الأخبار المفبركة مواقع التواصل الاجتماعي، فضائح وصور ومقاطع فيديو مفبركة باتت تشغل العراقيين حتى أكثر من الانتخابات نفسها، بينما تنهمك جيوش الكترونية منظمة في إنتاج المزيد.

الأسبوع الماضي انتشر خبر مفبرك في صفحات على فيسبوك في العراق يقول ان مفوضية الانتخابات طردت (75) امرأة مرشحة من الانتخابات لأسباب أخلاقية، واكتشف فريق “نقاش” الكذبة، مسؤولي مفوضية الانتخابات نفوا الخبر، إلا أن الرأي العام صدق الخبر برغم ذلك، والسبب أن مقطع فيديو جنسياً انتشر على فيسبوك لإحدى المرشحات النساء، كان هذا كافيا ليربط مستخدمي فيسبوك بين المقطع الجنسي والخبر المفبرك، واستنتجوا انه حقيقي على رغم نفي السلطات.

وبعد ساعات انتشر خبر كاذب آخر أيضا يقول إن هذه المرشحة التي ظهرت في المقطع الجنسي اقدمت على الانتحار بسبب الفضيحة، وبسبب العادات والتقاليد الاجتماعية التي تفرض ضغوطا على النساء عندما تتعرض لفضيحة وتدفعهن الى الانتحار، استنتج العراقيون أن الخبر صحيح على الرغم من ان المرشحة ظهرت في قناة تلفزيونية محلية معروفة ونفت الخبر.

رئيسة جمعية الأمل هناء ادور تقول لـ “نقاش”: حول ذلك “منذ ايام قليلة حصل تطور خطير في المجتمع العراقي، أصبحت الأخبار الكاذبة عاملا في خلق رأي عام معادٍ للمرأة ويرفض مشاركتها في العملية السياسية او تسلم المناصب الإدارية، العشرات من الأخبار الكاذبة هاجمت المرشحات النساء باستخدام فضائح جنسية عبر صور مفبركة، وللأسف صدقها الكثير من العراقيين، وبدأوا يطلقون آراء متطرفة حول المرأة، ويرددون عبارة أن مكان المرأة في المنزل فقط”.

وتضيف ادور ان “جيوشاً الكترونية منظمة أعدت خططاً جيدة للانتخابات وتقوم بإنتاج أخبار كاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي، هذا ما يحصل عند غياب الشفافية لدى صناع القرار ورفض المسؤولين التعليق على قضايا مهمة، إنهم يعطون فرصة لانتشار الأخبار الكاذبة، بينما وسائل الإعلام للأسف أصبحت غير مهنية بسبب تبعيتها للأحزاب، وهذا سبب الكارثة”.

وعلى مدى الأشهر الماضية كشف فريق “نقاش” العشرات من الأخبار الكاذبة في العراق، والمشكلة لا تكمن في مواقع التواصل الاجتماعي بل إن وسائل إعلام مشهورة محليا نشرت هذه الأخبار، وحتى بعد الكشف عن أنها مزيفة لم تحذف وسائل الإعلام هذه الأخبار من مواقعها، فالرقابة القانونية منعدمة تقريبا.

مراحل عدة تسبق عملية إنتاج الأخبار الكاذبة، أولها توجيه اذهان الرأي العام الى فكرة ما وترسيخ هذه الفكرة، بعدها يتم إطلاق الأخبار الكاذبة وفقا لشهادات مدونين ومدراء صفحات واسعة في فيسبوك تحدثوا لـ “نقاش” عن ذلك.

ولكن من يقف وراء إنتاج الأخبار الكاذبة؟، طريقة صياغة هذه الاخبار والجهد المبذول في مونتاج الصور ومقاطع الفيديو تبدو في الغالب غير محترفة، ولكن منشورات أخرى تشير الى خبراء ومتخصصين في تحرير الخبر والمونتاج وحتى في علم النفس، هناك ذكاء يقف وراء توقيت وكيفية نشرها.

ورفض مدراء العشرات من الصفحات على فيسبوك الإجابة عن أسئلة بعثها فريق “نقاش” حول أخبار كاذبة نشروها على صفحاتهم، عدد من هذه الصفحات استخدم “البلوك” لعدم إزعاجهم بالأسئلة مجددا، وهناك صفحات أجابت بالتهديد وقرصنة الحساب الخاص بنا.

حتى وقت قريب كانت الأخبار المفبركة في البلاد تنتشر بطريقة عفوية دون أهداف سياسية واضحة باستثناء الحصول على متابعين أكثر، لاحقا أقحم السياسيون والمسؤولون أنفسهم في هذا المجال بعدما اكتشفوا اهمية مواقع التواصل الاجتماعي للعراقيين بدلا عن وسائل الإعلام التقليدية.

يقول حيدر جليل (17 عاما) مدير في احدى الصفحات التي طلب عدم الإشارة الى اسمها، لـ “نقاش” ان “إدارة الصفحات على فيسبوك متعبة وليس كما يتصور البعض، اعمل مع عشرة أشخاص لإدارة الصفحة، وهناك جدول مقسم بيننا حول وقت العمل في الصفحة، ومثلا مهمتي الآن إدارة الصفحة من الساعة التاسعة مساءا وحتى الساعة 12 صباحا، بينما يقوم زملائي بالبحث عن الاخبار والمنشورات المثيرة التي تجلب المتابعين، بصراحة هدفنا جمع آلاف المتابعين، وتمكنا من ذلك حتى وصلنا إلى أكثر من نصف مليون متابع من دون أن ندفع دولار واحد”.

الصفحة التي يعمل بها حيدر نشرت في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي صورة تظهر شقا واسعا في الارض وقالت إنها صورة للدمار الذي خلفه الزلزال الذي ضرب العراق في تلك الفترة ونشرت هذا الخبر بعد عشر دقائق فقط من وقوع الزلزال، اذ كان العراقيون يتطلعون لأي خبر او صورة عن ذلك.

فريق “نقاش” اكتشف ان الصورة تعود الى زلزال سابق ضرب المغرب، والتقطت الصورة في النهار، على الرغم من الزلزال الذي ضرب العراق حصل في الليل ما يعني ان الصورة التي نشرتها هذه الصفحة بعد دقائق من الزلزال يجب ان تكون مظلمة، إلا أن العراقيين صدقوا الخبر.

ويقول حيدر “أتذكر هذا الخبر، نحن وجدناه منشورا في احدى الصفحات، ونشرناه في صفحتنا للحصول على المتابعين”، يضيف “في بعض الاحيان نقوم بإنتاج بعض الأخبار عند حصول أحداث كبيرة مثل الزلزال، ولكن في الغالب نحن نأخذ هذه الأخبار من صفحات أخرى سبقتنا في إنتاج الأخبار، نحن لا نؤذي أحدا، نسعى فقط ان نكون الأفضل بين الصفحات”.

من الواضح أن اغلب الأخبار والمنشورات الكاذبة يتم نسخها عبر الصفحات، واكتشف فريق “نقاش” ذلك عبر العديد من الأخبار الكاذبة التي تبين ان الصفحات نشرتها بفارق دقائق او ساعات قليلة عن بعضها البعض وفي الشكل والصور نفسها كما في هذا الخبر:

ويقول يوسف الموسوي أستاذ علم النفس والإرشاد النفسي لـ “نقاش” إن “الأخبار الكاذبة تولد في مجتمعات يكتنفها الشك، وهدفها زراعة الشك، وتستغل أوضاعا سياسية او امنية او اجتماعية متوترة، هناك عشرات الاخبار الكاذبة تنتشر يوميا في العراق، ولكن بعضها فقط ينال اهتمام الجمهور لأنها مرتبطة بميوله الدينية او السياسية، فالمجتمع هو الذي يحرك الأخبار الكاذبة ويجعلها واسعة الانتشار او محدودة بسبب الجهل”.

جيوش الكترونية تابعة لسياسيين

منذ أشهر ينخرط سياسيون ومسؤولون في عملية صنع الأخبار الكاذبة ضمن مستوى جديد من الصراع بين الأحزاب بعيدا عن الوسائل التقليدية في تبادل الاتهامات عبر التصريحات والسجالات داخل البرلمان، الآن يجري الصراع عبر جيوش الكترونية خفية مدفوعة الثمن على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومع اقتراب الانتخابات، تزايدت الاخبار الكاذبة على نحو لافت، ويلاحظ اغلب العراقيين خلال تصفح موقع “فيسبوك”، العشرات من الصفحات الممولة تدعوهم للانضمام لها، وغالبا ما تكتسب آلاف المتابعين في أيام قليلة عبر استخدام “الإعلان الممول”، وأيضا عبر أخبار كاذبة تستهدف سياسيين.

ورصد فريق “نقاش” عددا من الأخبار الكاذبة نشرت للمرة الأولى على صفحات ممولة، ومن ثم نقلتها باقي الصفحات والمدونون لتنتشر على نحو واسع، ومثلا نشرت صفحة “حرامية” (الممولة) منشورا يهاجم فيه الحملة الانتخابية لأحد الأحزاب عبر صور كاذبة، ولاحقا نشرت صفحات عامة أخرى الخبر بالصياغة والصور نفسها.

سامر الدليمي وهو موظف في احد المصارف في بغداد يقول لـ “نقاش”: انه “منذ اسبوعين وجدنا تزايد الطلب للحصول على فيزا كارد، مصرفنا احد المصارف القليلة الذين يوفرون خدمة الفيزا كارد في بغداد، الزبائن الجدد يطلبون الفيزا مع وضع مبلغ لا يزيد عن ألف دولار، وعند قراءة استبيان تم توزيعه عليهم حول الغرض من حاجتهم إليها، اغلبهم قال إنها لأغراض الشراء الالكتروني واستخدامها في مواقع التواصل الاجتماعي”.

بعد تداول الحديث بين العراقيين عن الجيوش الالكترونية الممولة ماليا، لجأ السياسيون هذه المرة إلى شراء صفحات ومجموعات عامة لا علاقة لها في السياسة من اجل إخفاء نشاطهم، ورصد فريق “نقاش” تغير أسماء العشرات من المجموعات إلى أسماء جديدة تحمل أسماء أحزاب ومسؤولين ومرشحين، ولكن كيف تتم عملية شراء الصفحات؟ وما المبالغ؟

أركان الشمري واحد من سبعة مدراء يديرون مجموعة على فيسبوك يبلغ عدد أعضائها 300 ألف متابع، ولكنه انسحب من إدارة المجموعة بعدما قرر زميل له بيع الصفحة الى احد الأحزاب، وقال الشمري لـ”نقاش”: “لاحظت ان بعض زملائي من مدراء المجموعة بدأوا ينشرون أخبارا تمدح احد الأحزاب، وتهاجم أحزاباً أخرى عبر أخبار كاذبة.

و تبين ان بعض المدراء اتفقوا على بيع الصفحة لأحد الأحزاب مقابل خمسة آلاف دولار وراتب (500) دولار شهريا لكل مدير يوافق على مواصلة العمل، عندما رفضت أنا وثلاثة من زملائي تم إبعادنا وتجميد نشاطنا في المجموعة، حاولت فضح ما جرى في منشور على حسابي الشخصي ولكن تعرضت للتهديد من زملائي في هذه المجموعة وطلبوا مني حذف المنشور او سيقومون بقرصنة او إغلاق حسابي الشخصي عبر استخدام آلاف المتابعين في المجموعة”.

معاون عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد إرادة الجبوري تقول لـ “نقاش”: “بلا شك ان جهات سياسية تقف وراء الأخبار الكاذبة عبر صفحات ممولة خصوصا مع اقتراب الانتخابات، انهم يستغلون ميول الجمهور وإخافتهم عبر هذه الأخبار، للأسف أنها تنتشر بسهولة لعدم وجود قوانين تراقب ما يجري على مواقع التواصل الاجتماعي”.

ويفتخر العراقيون بان القوانين التي تخص العقوبات الجنائية والأحوال الشخصية من أفضل وأقدم القوانين بين الدول العربية، ولكنها ما زالت متأخرة في معالجة التطورات التكنولوجية الأخيرة، ومثلا ما زال قانون المطبوعات والنشر الصادر عام 1968 ساري المفعول وهو يختص في وسائل الإعلام والصحف، ولكن ماذا عن النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟

ويؤكد احمد حمد الله الاستاذ في القانون الجنائي في جامعة القادسية ان هناك حاجة إلى ثورة في القوانين لتغطية التطورات التكنولوجية وخصوصا في الانترنيت، ويقول لـ “نقاش” إن “محاولات مستمرة لتشريع قوانين تتعلق بالنشر على الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي، وهناك مشروع قانون جرائم المعلوماتية إذا تم إقراره فانه سيحل مشكلات كبيرة تنتشر على الانترنيت”.

اتساع ظاهرة الاخبار الكاذبة في البلاد، اصبحت تثير اهتمام أساتذة الجامعات في الاعلام والقانون، وتقول استاذة الاعلام في جامعة بغداد ارادة الجبوري ان الكلية وضعت منهجا جديدا يخص محاربة الاخبار الكاذبة، فيما يقول استاذ القانون احمد حمد الله ان العديد من طلبة الماجستير والدكتوراه اختاروا مواضيع تخص الأخبار الكاذبة لبحوث التخرج.

قبل ايام كان احمد حمد الله احد المشرفين على مناقشة رسالة ماجستير لإحدى طالبات كلية الحقوق في جامعة النهرين كان عنوانها “المسؤولية الجزائية عن ترويج الشائعات الكاذبة والمغرضة عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here