صفحات مجيدة من نضالات الطبقة العاملة العراقية

أيام إضراب ومسيرة ” كي ثري ” البطولية
عواطف رمضان
تظل المأثرة التي سجلها عمال K3 “كي ثري” ، محطة ضخ النفط العراقي ، الى البحر الابيض المتوسط ، القريبة من مدينة حديثة، في نيسان 1948 ، صفحة مشرفة ومشرقة في تاريخ نضالات طبقتنا العاملة العراقية ، فالقرار الذي اتخذه العمال خلال اضرابهم بالتوجه بمسيرة سلمية صوب العاصمة بغداد، لمسافة تبلغ حوالي 250 كيلو متر ، يظل درسا نضاليا مشرفا، يعكس قيم التحدي والابداع في ابتكار طرق نضالية سلمية لاجل تحقيق المطاليب المشروعة. ولم يكن اضراب عمال “كي ثري” حاملا فقط زخم احداث وثبة كانون في نفس العام، وانما جاء ايضا نتيجة لنضال مستمر ومعاناة متواصلة لعمالنا الذي خرجوا بالكثير من الدروس من الاضرابات التي نفذها عمال السكك في البصرة وبغداد وموانيء البصرة واحداث كاورباغي 1946 وغيرها، فكانت رصيدا نضاليا دافعا للعمال لابتكار اساليب نضالية اخافت الحكومات العميلة يومها.
تخبرنا الوثائق المتنوعة ، وبعض اللقاءات المنشورة مع قيادات عمالية، بانه في يوم 23 نيسان أعلن 700 عاملا من عمال ضخ النفط في محطة “كي ثري” اضرابا عن العمل، وكان منظما بحرفية عالية ، اذ شكلت لادارته لجان عمالية وزعت وتقاسمت المهام فيما بينها . فكان هناك لجان توزيع المواد الغذائية ولجان للتواصل بين مختلف منشات المحطة، واجراءات لحماية المنشآت من العبث ولحماية ارواح المشاركين في الاضراب. واحد اهم هذه اللجان ، كانت لجنة التفاوض التي راسها العامل “شنور عودة” والى جانبه المناضلون كاظم عبد الرضا، باكيف سركيس واسطيفان تريكان . كانت اللجنة القيادية للاضراب، التي تضم كوادار مجربة من قيادات الحزب الشيوعي العراقي، اكتسبوا الخبرة في نضالات مطلبية عديدة ، تعقد اجتماعاتها بشكل يومي، وحيوية في التواصل مع جماهير المنطقة ، في القرى القريبة من موقع الاضراب ، لدعم اضراب العمال وفي التحرك لكسب تعاطف عموم جماهير الشعب وتضامن العديد من الشخصيات الوطنية ، خصوصا بعد انتشار اخبار الاضراب في عموم البلاد . كانت المفاوضات بين العمال وشركات النفط عسيرة بسبب من تزمت الجهات المسؤولة في الاستماع الى مطاليب العمال المشروعة المتعلقة بتحسين ظروف العمل والاجور والاعتراف بالحركة النقابية والتعامل معها ، فلم يتم التوصل الى نتيجة ملموسة. وعلى العكس من ذلك ارسلت السطات قوات الشرطة الملكية التي احتلت مخيمات العمال المضربين ونصبت رشاشاتها قرب مساكن العمال وفي طرق تنقلهم لغرض ارهابهم كوسيلة لكسر عزيمتهم واضرابهم . وهنا قرر العمال ارسال مندوب عنهم الى بغداد ، ليس فقط لايصال مطاليب العمال، بل ولاجل استثارة تضامن المساندين لحركتهم من القوى الوطنية . مع تواصل استفزاز قوات الشرطة للعمال المضربين المسالمين ، قررت قيادة الاضراب دعوة العمال للتوجه بمسيرة سلمية تتوجه الى بغداد رافعين لافتة (نحن عمال النفط قد قدمنا للمطالبة بحقوقنا المهضومة). بدأت المسيرة الراجلة يوم 13 ايار باتجاه بغداد ، استمرت ثلاث ايام ، مرورا بمدينة هيث وثم الفلوجة. وطوال الطريق كانت جماهير القرى من الفلاحين والكادحين تهب لتحية العمال وتقديم مختلف اشكال الدعم من الطعام والشراب ، ليسهل عليهم تحمل مشاق الطريق، فارتفاع درجات الحرارة ، خصوصا منتصف النهار كان مرهقا للعمال الراجلين ، وكل ذلك كان مصحوبا بالهتافات والهوسات . وكانت المسيرة منظمة ومتماسكة وسلمية في كل ايامها ولم يستسلم العمال لاستفزاز قوات الشرطة في بعض نقاط تواجدها. وخوفا من وصول المسيرة الى بغداد، ورعب الحكومة العميلة من ان تكون شرارة لانطلاق انتفاضة شعبية جديدة ، وهذا كان متوقعا جدا ، قامت السلطات بالتمركز على جسر الفلوجة ، وقطع الطريق وايقاف المسيرة قبل وصولها بغداد . ولاجل انهاء الاضراب والمسيرة لجات الحكومة العميلة ، وبتهاون من الاحزاب الذيلية لها ، الى اعلان حالة الطواريء بذريعة حماية القوات العسكرية المتوجهة الى فلسطين. واشار الى ذلك كتاب الرفاق زكي وسعاد خيري ( دراسات في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي 1984 / صفحة 182 ) بكون الحكومة العراقية ” لم تسخدم الاحكام العرفية لحماية مؤخرة الجيش العراقي وانما لضرب الحركة الوطنية والثورية ، فمن اول يوم لاعلانها بدات الادارة العرفية تصدر البيانات والقرارات بحظر الاجتماعات العامة ومنع الاضرابات وغلق الصحف الوطنية وغلق النقابات واعتقال قادتها وغلق النوادي ومقرات المنظمات الاجتماعية ومصادرة ممتلكاتها ” . وقد نشرت جريدة “صوت الاهالي ” مذكرة كامل الجادرجي الى الحكومة التي انتقد فيها اعلان الاحكام العرفية و” كونها تستغل لغير الغرض الذي اعلنت من اجله “.
ومع مرور الايام والسنين ، بقي اضراب ومسيرة عمال “كي ثري “مثلا ملهما في دروسه النضالية للاجيال في العمل والكفاح لاجل مستقبل سعيد وضمان حياة كريمة لكل الناس.
* طريق الشعب العدد 177 ليوم الاثنين 30 نيسان 2018 / ملف خاص بمناسبة عيد العمال العالمي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here