الاقتصاد الوطني.. من النفط إلى الذكاء الاصطناعي

إعداد: فاروق فياض وسامي مسالمة

بخطى ثابتة ومتسارعة تفتح دولة الإمارات العربية المتحدة باب المستقبل على مصراعيه، بعد أن نجحت بالتحول من اقتصاد يعتمد على النفط كمصدر للدخل، إلى اقتصاد متقدّم وبين الأكثر تنوعاً، وجذباً للإبداع والابتكار يدشّن في كل يوم مرحلة جديدة من مراحل التقدّم في ريادة عالمية أنتجت أول وزارة من نوعها للذكاء الاصطناعي.
اقتصاد مستدام يعتمد على تعدد الموارد ومصادر الدخل، بعيداً عن النفط الذي شكّل في البدايات المصدر الأول والأوحد لدخل الحكومة، واليوم تتجلى رؤية القيادة الرشيدة في اقتصاد قائم على المعرفة، واقتصاد أخضر يحافظ على البيئة.
انطلاقاً من رؤية وتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأخيهما صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة، تمضي دولة الإمارات في انتهاج وتطوير السياسات المالية والاقتصادية الرشيدة القائمة على تنويع مصادر الدخل، وضبط أوضاع المالية العامة وإيجاد موارد إضافية مستدامة للدخل، الأمر الذي يدعم قدرة الاقتصاد الوطني في مواجهة التحديات الخارجية، والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي ودفع عجلة النمو المستدام. وقد قطعت الدولة شوطاً مهماً في تطوير قاعدة صناعية متنوعة قادرة على الاستفادة من أحدث الاتجاهات، ومواكبة أرقى التقنيات العالمية التي تعزز ريادة القطاع الصناعي الوطني، لا سيما الصناعات الرقمية والقائمة على الابتكار والبحث العلمي والتطوير والتكنولوجيا المتقدمة.

التقدّم الذي حققته الإمارات على الصعيد الاقتصادي يظهر جلياً في المؤشرات العالمية، وآخرها احتلال دولة الإمارات المركز السابع عالمياً، حسب تصنيف مؤشر «IAREM» السنوي لأفضل الاقتصادات على مستوى العالم لعام 2017 بتسجيلها 27.95 نقطة، لتحافظ بذلك على مكانتها ضمن الاقتصادات العشرة الأفضل عالمياً منذ بداية إطلاق المؤشر في العام 2013، وفيما حافظت سنغافورة على صدارتها للعام الثاني على التوالي ب 36.89 نقطة، تتقدم الإمارات على دول مثل اليابان وهولندا وألمانيا وكندا وكوريا الجنوبية وبلجيكا وأستراليا والصين والولايات المتحدة وغيرها.
ويتألف المؤشر المركب من 8 عناصر يتم استناداً إليها تصنيف الدول الأفضل، وهي الدخل القومي ونسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط ثروة الفرد، ونمو الوظائف، ومعدلات التضخم والضرائب، وإجمالي الدين العام، انتهاءً بالحرية الاقتصادية.
وجاءت سويسرا في المركز الثاني تلتها هونج كونج ولوكسمبورج والنرويج وتايوان، فيما حلت الكويت ثامنة خلف الإمارات، متبوعة بكل من اليابان وهولندا على التوالي، فيما حلت اقتصادات كبرى مثل الولايات المتحدة مرتبة متأخرة في المركز 21، ولم تتمكن دول مثل المملكة المتحدة وفرنسا من دخول قائمة أفضل 30 اقتصاداً في العالم.

التنافسية العالمية

وحققت دولة الإمارات العربية المتحدة مراكز متقدمة وفقاً لتقرير التنافسية العالمي للأعوام الماضية، وفي العام 2017 واحتلت المركز الأول إقليمياً والعاشر عالمياً، ضمن أكثر الدول تنافسية في العالم، وتقدمت دولة الإمارات في تقرير عام 2017 خمس مراتب عن تصنيف عام 2016، حيث تم تصنيفها في المرتبة العاشرة عالمياً والأولى إقليمياً، وبذلك تكون الإمارات تقدمت على دول الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.
وتقدمت الإمارات بالمقارنة مع العام 2016 في محور كفاءة قطاع الأعمال من المرتبة 11 إلى المرتبة الثانية عالمياً، وفي محور الأداء الاقتصادي من المرتبة 12 إلى المرتبة الخامسة عالمياً، وفي محور الكفاءة الحكومية من المرتبة 7 إلى المرتبة الرابعة عالمياً، وعلى مستوى المحاور والمؤشرات لعام 2017 حققت الإمارات أداءً متميزاً في محور الكفاءة الحكومية؛ حيث حققت المركز الرابع عالمياً في هذا المحور، كما حققت المركز الأول عالمياً في تسعة من المؤشرات الفرعية تحت هذا المحور، من أبرزها مؤشر «مرونة السياسات الحكومية»، ومؤشر «جودة القرارات الحكومية»، ومؤشر «كفاءة قوانين الإقامة»، أما في محور الأداء الاقتصادي، فقد حققت الإمارات أعلى قفزة من المركز 12 العام الماضي إلى المركز الخامس عالمياً لهذا العام، كما حققت المركز الأول عالمياً في ثلاثة من المؤشرات الفرعية، أبرزها مؤشر «نمو النفقات الاستهلاك الأسري»، والذي قفزت فيه من المرتبة 25 لعام 2016 إلى المركز الأول عالمياً لعام 2017.

دورة جديدة من النمو

ويستعد الاقتصاد الوطني لدورة جديدة من النمو المرتفع بداية من 2018، مدعوماً بمؤشرات تعافي الاقتصاد العالمي والارتفاع المتوقع في أسعار النفط، والأداء الإيجابي للقطاعات غير النفطية، وتشير جميع المؤشرات الحالية إلى حالة من التفاؤل والإيجابية بشأن أداء الاقتصاد الوطني في العام 2018 وما بعده، ليكون 2018 عاماً إيجابياً للاقتصاد العالمي، وذلك في ظل مؤشرات عودة النمو مجدداً إلى دول الاتحاد الأوربي، التي تشكل أهمية كبيرة لدولة الإمارات، فضلاً عن ارتفاع نمو الاقتصاد الأمريكي والصيني والهندي، الأمر الذي سينعكس بإيجابية على أسعار النفط وعلى التبادل التجاري لدولة الإمارات.
وتوقع معهد التمويل الدولي أن يسجل اقتصاد الإمارات نمواً بمعدل 1.4% في العام الجاري، مرجحاً أن يرتفع مستوى النمو إلى 2.8% في 2018، مع توقعات بارتفاع نمو القطاعات الاقتصادية غير النفطية من 3% مرجحة في العام الجاري إلى 3.5% بفضل الإصلاحات المالية، وتحسن التجارة الدولية في 2018، وعودة الاقتصاد النفطي للنمو بمعدل 1.3% في العام المقبل.
وكان المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) قد أظهر تصدر الإمارات المركز الأول عربياً وال 17 عالمياً في أحدث إصدار لتقرير التنافسية العالمية 2017-2018، كما صنف التقرير الدولة ضمن أفضل 20 اقتصاداً تنافسياً في العالم للسنة الخامسة على التوالي.

قائمة الاقتصادات الواعدة

يعتبر الاقتصاد الإماراتي من أكثر الاقتصادات العربية جذباً للاستثمارات، وتتخذ نحو 25% من أكبر 500 شركة عالمية من دولة الإمارات مقراً لعملياتها التشغيلية، وقد نجحت الدولة في تعزيز مكانتها التنافسية المرموقة كمركز إقليمي وعالمي جاذب للاستثمارات، وحلت في المرتبة الأولى عربياً و12 عالمياً بين قائمة الاقتصادات الواعدة للاستثمار خلال الفترة من 2017 حتى 2019، مدفوعة بما تمتلكه من مقومات كثيرة وحوافز متميزة وفريدة من نوعها، أسهمت في تهيئة بيئة استثمارية نشطة وصديقة لقطاع الأعمال، ترفدها بنية تحتية حديثة ومتطورة، ومنظومة تشريعية داعمة للنمو، وسياسات مالية وجمركية وضريبية محفزة لاستقطاب رؤوس الأموال، فضلاً عن الأطر التنظيمية والإدارية والإجرائية الميسرة.

الاستثمار الأجنبي المباشر

يتوقع في ظل هذا المناخ الاستثماري الواعد والإيجابي أن تشهد تدفقات الاستثمار الأجنبي الواردة إلى الدولة معدلات نمو كبيرة خلال الأعوام القليلة المقبلة، وخاصة من خلال المشاريع الاستثمارية الكبيرة التي يجري العمل بها أو المعلن عنها والمخطط عنها في العديد من القطاعات ذات الأولوية في الدولة، ويأتي في مقدمتها مشاريع استضافة «إكسبو 2020»، والمشاريع المنبثقة عن الاستراتيجية الوطنية للابتكار؛ حيث تتركز الاستثمارات في القطاعات السبعة التي حددتها الاستراتيجية، وفي مقدمتها قطاعا الطاقة المتجددة والنقل اللذان يشهدان تنفيذ مشاريع عملاقة.
وعلى الصعيد الأوروبي بلغ إجمالي حجم الاستثمارات الأوروبية المباشرة في الإمارات 130 مليار درهم، تمثل ما نسبته 30% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدولة بشكل عام، وتعد دول الاتحاد الأوروبي من أبرز الشركاء التجاريين للإمارات، حيث يشهد حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الجانبين ارتفاعاً مطرداً وصل خلال 2016 إلى 241.4 مليار درهم.
وأفادت وزارة الاقتصاد بأنه يوجد في الدولة أكثر من 1200 فرع منشأة أوروبية في مختلف القطاعات الاقتصادية، تمثل أكثر من 30% من إجمالي عدد فروع الشركات الأجنبية في الدولة، إضافة إلى 2700 وكالة تجارية أوروبية، تمثل نحو 52% من إجمالي الوكالات المسجلة، فضلاً عن علامات تجارية أوروبية يتجاوز عددها 60 ألف علامة تجارية، تشكل ما نسبته أكثر من 30% من إجمالي العلامات التجارية في الدولة حتى نهاية 2016، فيما تمثل الاستثمارات الأوروبية 30% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في الدولة، بقيمة تقترب من 130 مليار درهم كاستثمار مباشر، وتأتي 3 دول أوروبية ضمن قائمة أهم الدول المستثمرة في الإمارات.
ومن أبرز القطاعات التي تشهد نمواً متواصلاً القطاع الصناعي حيث بلغ إجمالي حجم الاستثمار فيه حتى نهاية النصف الأول 2017 أكثر من 130 مليار درهم، محققاً نمواً عن العام الماضي 2%، ليواصل نموه إلى جانب قدرته على تحقيق تطورات نوعية خلال السنوات المقبلة.

الأكثر تطبيقاً للتكنولوجيا المتطورة في العالم

مع تسارع دوران عجلة التطور الحاصل في مجال تقنية المعلومات وعالم التكنولوجيا الحديث، تستمر الإمارات ودبي في مواكبة كل تطور وكل اختراع في هذا المجال العلمي وتوظفه بالشكل الأمثل لتحقيق أفضل النتائج على كافة الأصعدة، وتتصدر دولة الإمارات الدول الرائدة في تقنية المعلومات وتقنية الاتصالات في الشرق الأوسط، وتأتي دبي دائماً في قلب الإبداع والتطور وتطبيق واستخدام تقنية الاتصالات والمعلومات.
وتشهد صناعة تقنية المعلومات في دبي تطوراً ملحوظاً وذلك في ظل الاستثمار الأجنبي مقروناً بالدعم الحكومي المستمر لهذا القطاع الحيوي، ما يثمر نتائج طيبة ملحوظة، وتأتي دولة الإمارات في المرتبة الخامسة على مستوى العالم في تطبيق التكنولوجيا المتطورة على نطاق الشركات، والثالثة على مستوى العالم من حيث الحكومات المنفقة على المنتجات التقنية المتطورة وهي دولة رائدة عالمياً في استخدام الهاتف المتحرك لكل فرد.

هيكل اقتصادي قائم على المعرفة

ساعدت الحكمة والرشادة التي وظفت بها الدولة معظم إيراداتها النفطية لدعم التنمية ورفع مستوى النمو الاقتصادي، على بناء هيكل اقتصادي قوي وقطاعات اقتصادية حيوية وواعدة، وبنية تحتية على أحدث المستويات العالمية رقياً وكفاءة وتقدماً وساعد على بروزها كلاعب اقتصادي استراتيجي على المستوى العالمي وانعكست تطوراً إيجابياً على كافة المؤشرات الاقتصادية منذ بدء تكوينها وتحقيق قفزات إيجابية هائلة ومعدلات نمو قياسية التي تحققت بفضل السياسات الاقتصادية الحكيمة المتبعة، وجاء هذا التطور الإيجابي نتيجة تفعيل الدولة لسياسة تنويع مصادر الدخل والتركيز على القطاعات الاقتصادية الواعدة النمو مثل الصناعة والسياحة والتجارة والنقل والتخزين والاتصالات والطاقة والقطاع المالي والبنية التحية المادية والتشريعية المتقدمة التي ساعدت على زيادة الاستثمارات الداخلية والخارجية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here