هل يحتاج الشعب الى ان تقول له المرجعية الدينية كيف ينتخب؟

بقلم: الدكتور سامي آل سيد عگلة الموسوي

العراق بتنوعه الكبير من النواحي البشرية والدينية والقومية والمذهبية وامتلاكه لانواع عديدة من المصادر الاقتصادية يجب ان يكون لدى مواطنيه وشعبه وعي وثقافة بحيث يستطيع على اقل الأحوال تمييز السياسي الفاسد او الفاشل او المنتفع او الظالم وما شاكلهم بعد تجربته لهم على اقل تقدير ان لم يكن قبل تجربته من خلال ما يمتلكه ذلك السياسي من مقومات تؤهله لكي يكون في موقع يخدم فيه الناس والبلد نحو التقدم والاستقرار. ولايحتاج شعب يتصف بهذا التنوع لفتوى من المرجعيات الدينية لكي ترشده الطريق وهو يراه يومياً ويقدر اعوجاجه عبر أيام السنوات الغابرة منذ عام ٢٠٠٣.

الامر واضح وهو ليس داعش الذي يفتى به من قبل المرجعيات الدينية بل هو امر عام يهم الناس بكل اطيافهم ولايحتاج الى تمحيص. والناس هنا بشكل عام نوعان. أولئك الذين ينتمون للأحزاب وهم منتفعون على شاكلة (كل حزبٍ بما لديهم فرحون) او عموم الناس وهؤلاء هم الأغلبية الساحقة. والصنف الثاني هو الذي يمكن ان يحدث التغيير فيما لو أراد. الامر في اختيار الاصلح للبلاد والناس شيء منطقي ولايحتاج الى انتظار المرجعيات الدينية لكي تفتي فيه. ان الانسان عندما يهم بشراء سيارة او بيت او ملابس او يتقدم للحصول على عمل او وضيفة او ما شاكل من أمور الدنيا لا ينتظر لكي تفتي له مرجعيته الدينية بذلك … فهو يستطيع ان يميز الصالح من الطالح فيترك الثاني وينتقي الاول … ولايختلف هذا الحال عن حال الانتخابات فهي جميعاً تؤدي نفس الاغراض.

منذ عام ١٩٩١ وبعد الغزو الأمريكي عام ٢٠٠٣ وما بينهما الحصار البربري وما قبلهما الحرب الصدامية – الخمينية تم تدمير العراق بشكل ممنهج بحيث اصبح متأخراً مئات السنين اذا ما قورن بحالته المتقدمة قبيل ذلك. بعد الغزو او معه في عام ٢٠٠٣ دخلت الأحزاب الحاكمة في العراق اليوم من البلدان التي احتضنتها او بلدان الغرب التي هي شاركت بتدمير العراق وغزوه. وقد خضعت هذه الأحزاب لسلطة الاحتلال الأمريكي وايدت القوانين الطائفية المحاصصية التي اريد منها تمزيق النسيج الوطني للعراق. وبناءاً عليه فان العراق لايزال يحكمه قانون (بول بريمر) القاضي بتوزيع الوزارات والمناصب على أسس سنية شيعية كردية واثنية أخرى.

ان المواطن العراقي من حيث يعلم او لا يعلم اذا صوت لاحد في هذه الكتل والأحزاب السنية والشيعة والكردية انما هو يصوت لذلك القانون الذي اقره (بريمر) على إبقاء الطائفية والمحاصصية هي التي تسود.

تلك الاحزاب الشيعية والسنية والكردية قد فشلت وبدلاً من ان تأسس دولة مدنية ذات مؤسسات مقبولة أسست للطائفية والمذهبية والمحاصصة البغيضة والفساد والجهل والمرض والفقر والتشرذم وفقدان السيادة والتهجير والبيروقراطية والسرقات والجرائم وداعش وغيرها ….

أحزاب الحكم في العراق منذ ٢٠٠٣ ولحد الان تتنافس وتتوافق على المناصب والسلطة فقط…. كم مرة سمعتم منذ ذلك الحين لحد الان كلمة (توافقية) … الجميع يرددها وهم الان يستعدون ويدعون للتوافق (حكومة توافقية) حتى قبل الانتخابات وقد سمعها الجميع من جميع الكتل وقادتها المتربعين على سرقة أموال النفط والموارد والتجارة مع دول مجاورة كان في وقت ما العراق يصدر لها ما يستورده منها الان.

انه لمن سخرية القدر ومن المضحك المبكي ان نرى مرشحي الأحزاب المختلفة ليس لهم خبرة في العمل السياسي او انهم أصحاب شركات ومؤسسات قائمة هي نفسها على الفساد او من نفس الوجوه التي بدلا من ان تحاسب تعيد صياغة نفسها بشعارات فقط…. ويقال ان شر البلية ما يضحك فمن العجب كل العجب ان يطلع على شاشات التلفاز رئيس كتله ينتقد الفساد في الأجهزة الأمنية وكتلته هي التي تدير الأجهزة الأمنية! اليس ذلك عجيباً؟! ليس هذا وحده بل كلهم من أعضاء برلمان وأحزاب حاكمة ينتقدون السلبيات والفساد وغياب الخدمات وعدم توفر الامن وكأنهم ليسوا هم الذين يحكمون ….. ان هذا هو عين الخداع والنفاق والظلم والاستهتار بحق الشعب الذي ضيعوه ..

في الديمقراطيات الصحيحة عندما تخطأ الحكومة تستقيل وتعترف بخطأها حال وقوعه وان كان تأخر عضو برلمان لمدة ساعة عن الحضور .. بينما في العراق يستخدم الخداع والنفاق بحيث يتم تكريم المقصر والفاشل والمتسبب بسقوط مدن بكاملها بيد عصابات إرهابية دفع ثمنها غاليا ما سيثقل كاهل أجيال متتالية … فبدلاً عن محاسبة وعقاب واستقالة الحكومة المتسببة يتم تكريم ذلك المقصر بمنصب شرفي من اجل (حفنة من الدولارات).

ان معظم الأحزاب الحالية والتي بلغت المئات في هذه الانتخابات الطائفية كانت تحكم بعد عام ٢٠٠٣ وهي جميعا مسؤولة عن كل الخراب الذي جرى. وليس من حق احدهم ان يسأل عن ابسط السلبيات التي حصلت لانهم هم المسؤولون عنها . هم عليهم ان يجيبوا ويعطوا تفسيرا واضحاً عن تلك السلبيات التي تحصل بينما هم المسؤولون في الحكم. كلهم يتكلم عن الفساد….. والفساد لم يكن ليحصل ما لم يتسببوا به او يسكتوا عليه والساكت عن الحق شيطان اخرس.

المرجعية الدينية الشيعية والمتمثلة بالسيد علي السيستاني لا يمكن لها ان تقول للشعب انتخب هذا او ذاك وان موقفها معروف وقد أعلنته على لسان ممثلي السيستاني عدة مرات وهي انها ضد الفساد والمفسدين والفاشلين والظالمين وما شاكلهم … وقد فسروا ذلك بعدة خطب في وصية الامام علي لمالك الاشتر وغيرها …. ولو افترضنا ان المرجعية قالت انتخبوا هذه الكتلة بشكل مباشر او غير مباشر وكانت هذه الكتلة غير صالحة للحكم فهل على الناس ان تنتخبها ؟ انه من الخطأ الانتظار لكي يصرح لكم الشيخ الكربلائي كيف تنتخبون؟

هناك قول ينسب الى الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وهو: الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم.. وهذه قاعدة ومبدأ طبيعي تنطبق على البشرية بكافة اديانها وليس الإسلام فقط فهي من المبادئ الأساسية البشرية … اذ ان الانسان مهما كان دينه يفضل العيش تحت حاكم عادل يساوي بين البشر بغض النظر عن انتماءاتهم ويحفظ بذلك لهم جميعاً كرامتهم ورفاهيتهم وحريتهم على العيش تحت حاكم ظالم مسلم لا يساوي بين البشر ويضطهدهم ويسرق أموالهم ويشتتهم مذاهب وطرائق عدة ولا يهتم الا للسلطة ولا يحارب الفساد مما ينتج عن ذلك ظلم شديد … وهذا هو حال الأحزاب المتسلطة على رقاب الناس في العراق … هذه الأحزاب كانت تنتقد حزب البعث بالتفرد بالسلطة والحكم بالقهر والقوة وهي أسوأ من حزب البعث لأنها لا تنفك ان تتفرد بوزارة واحدة او وزارتين او ما شابه .. وهل يخفي على احد ان الحزب الفلاني له الوزارة الفلانية والحزب الفلاني له وزارة سيادية وهلم جرى وكأننا لسنا سوى أطفال مدارس ابتدائية متنافسون على اللعب ولو كان قبيحاً ! والامر والادهى من ذلك هو ان تلك الأحزاب تقاسمت امتلاك الوزارات (بصورة توافقية) ولم يحصل الشعب غير الهوان …. ومن الأمثلة على ذلك وزارة الكهرباء والفساد في وزارة النفط خاصة أيام حسين الشهرستاني والفساد الذي تكلم عنه أصحاب وزارة الداخلية وصفقات الاسلحة مع روسيا في عهد وزير الدفاع ورئيس الوزراء ووزير الداخلية والان نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي وهروب عشرات الوزراء بملايين الدولارات الى الخارج ولهذا الحين ووزارة الصحة ووزارة التعليم العالي وباقي الوزارات …. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فأن الفساد الإداري والرشوة والمحسوبية والترهل الإداري والبيروقراطية والفساد المالي هي أمور تنهش في المؤسسات والدوائر من القاعدة حتى قمة الهرم والسبب او الأسباب نفسها مضافاً اليها عدم وعي من يقوم بها وعدم وجود الشخص المناسب لان المحاصصة امتدت لما هو دون الوزارات …. هنا قد تفيد مرجعية السيد علي السيستاني الناس وذلك بفتوى جهادية مشابهة لفتوى داعش لكي يتم اجتثاث الفساد من كافة مواقع الدولة

ولايخفى ان الفساد يمتد حتى الى الانتخابات وشراء الأصوات لان هناك دول مجاورة للعراق تريد ان تأتي بمن يمرر لها اجنداتها ولكي يبقى العراق ضيعة تابعة لها … ولكن اذا أراد الشعب والشباب الجيل الجديد الذي انفتح اكثر وصار لديه وعي اكبر ان يغير فلا تستطيع ماكنة تلك الدول ان تواجهه …

وبصورة منطقية مختصرة فأن الأحزاب الفاشلة والتي تسنمت الحكم منذ ٢٠٠٣ ولحد الان كانت قد جربها الشعب ومزقت اقتصاده ونسيجه الاجتماعي ودمرت الزراعة واسست للفساد أسس عميقة ومهدت لسقوط المدن بيد داعش ورسخت منهج الإرهاب وتدهورت الخدمات والصحة والتعليم وسقطت سيادة البلد ليس بأيدي العصابات فقط بل بأيدي الدول الأخرى … هذه الأحزاب التي تمت تجربتها آن لها الاوان ان ترحل وآن الاوان ان يتم اختيار حكومة وطنية وليست توافقية محاصصتيه …. هذه الأحزاب الفاشلة تقول اليوم يجب علينا التوافق من الان وذلك لكي يقولوا للناس نحن هنا عائدون ! وعلى الشعب ان يقول لهم كلا و ليكن رئيس الوزراء العراقي القادم شخص كفوا مهما كان وليكن مسيحي او كردي سني او كردي شيعي او سني عربي او شيعي عربي او امرأة وطنية او كافر عادل …. المهم ان يكون وطني عادل يريد البناء والقضاء على الفساد ….. الوجوه المجربة التي فشلت يجب ان تحاسب وليس ان تعاد الى السلطة … وان إعادة تلك الوجوه سيشكل خطراً شديداً لمستقبل العراق بشكل شامل هو اكبر خطورة من كافة الازمات التي مضت … ان ابسط ما سيكون هو ان الشعب اذا إعادة هذه الأحزاب والوجوه فهي سوف تقول اذا كان الشعب قد اعادنا فهو موافق على فسادنا وترهلنا وفشلنا وسوف تتضاعف السلبيات ويستشري الفاسد ولا يلوم الشعب الا نفسه … فكيفما تكونوا يولى عليكم ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here