الإنتخابات البريطانية بلا هوية ولا حبر أزرق ولا بطاقة انتخابية!

ساهر عريبي

[email protected]

إنطلقت ومنذ الصباح الباكر ليوم الخميس الثالث من مايو الإنتخابات المحلية البريطانية لإختيار قرابة ال 4000 عضو في 150 مجلس بلدي في انكلترا . ويشارك في الإنتخابات البريطانيون بالإضافة الى المقيمين بصورة شرعية في البلاد, وتحظى هذه الإنتخابات المحلية باهمية بالغة لأنها ستكون كاشفة عن المزاج البريطاني العام إزاء حكومة المحافظين التي ترأسها ”تيريزا مي“ والتي ضعفت ثقة الناخبين بها بشكل كبير في الآونة الأخيره , في وقت تصاعدت فيه شعبية حزب العمال البريطاني المعارض الذي يقوده جيرمي كوربن.

فقد تزايدت الضغوط مؤخرا على حكومة المحافظين منذ إجراء الإستفتاء على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي الذي اوقع البلاد في مأزق, وبعد ان مني حزب المحافطين بخسارة أغلبيته النيابية إثر الإنتخابات المبكرة التي اطلقتها رئيسة الوزراء وجاءت نتائجها على العكس مما تشتهي سفن المحافظين. وأما حزب العمال المعارض فمانك يوجه الإنتقادات لرئيسة الوزراء على خلفية تزويدها السعودية بالأسلحة في حربها على اليمن. ولذا فمن المتوقع ان تعجل نتائج هذه الإنتخابات بالإطاحة بحكومة المحافظين التي منيت بفضائح مؤخرا كانت آخرها فضيحة مهجري الكاريبي التي اجبرت وزيرة الداخلية على تقديم استقالتها.

وتجري العملية الإنتخابية بشكل سلس للغاية وبسيط بعيدا عن أي تعقيدات, حيث تبدأ مقدمات العملية الإنتخابية قبل عدة شهور عبر إرسال استمارات الى جميع من يحق له التصويت سواء من البريطانيين او المقيمين, والناخب ملزم بملأها وإعادة ارسالها وإلا فتفرض عليه غرامة مالية كبيره. ثم تأتي الخطوة الثانية وهي ارسال البطاقة الإنتخابية الى كل من يحق له التصويت ممن بلغ ال 18 عاما من العمر , وتحتوي البطاقة على اسم الناخب والمركز الإنتخابي الذي يجب عليه التصويت فيه وعادة مايكون بالقرب من محل سكناه.

واللافت ان البطاقة الإنتخابية كتب عليها وبشكل واضح بألا حاجة لإخذها الى مركز الإقتراع! وقد توجهت صباح هذا اليوم الى مركز الإقتراع المحدد في البطاقة, وكان قاعة داخل مدرسة وضع على بابها تعليمات حول كيفية انتخاب المرشحين. وعندما دخلت القاعة ذهلت لبساطتها! حيث كان في وسطها طاولتين جلس شخص على كل منهما , ومن خلفهما ثلاثة مراقبين بالإضافة الى مدير المحطة.

فتقدمت نحو احد الطاولتين فبادرني بالسلام قائلا صباح الخير! فرددت عليه التحية ثم سألني عن عنواني ثم نظر في قائمة أمامه وبعدها سألني عن اسمي ثم شطب اسمي وحولني للطاولة التي جنبه حيث أعطتني موظفة ورقة الإنتخاب بعد أن إقتطعتها مما يشبه الدفتر! لأذهب بعدها للمكان المخصص للإقتراع لأنتخب ثلاثة أشخاص ثم اضع الورقة في صندوق الإنتخابات والسلام!

عملية لم تستغرق اكثر من خمس دقائق , كان اللافت فيها انه لم يطلب مني اي وثيقة للتحقق من هويتي! علما بان لديهم صلاحية ذلك فيما لو أثار الناخب الريبه!

وكان الأمر اللافت الآخر هو عدم وجود أي ممثل للأحزاب عند باب المركز الإنتخابي , وأما ورقة الإنتخاب فكانت صفراء وضع عليها اسم كل مرشّح مع شعار حزبه وجميعها باللون الأسود بلا تمييز. وأما القلم فكان خاصا من الرصاص ولا اعلم إن كان يمكن مسح كتابته ام لا. وهكذا انتهت العملية الإنتخابية خلال بضع دقائق. لم اضع اصبعي في حبر أزرق ولم تطلب مني البطاقة الإنتخابية ولا أي وثيقة رسميه! لإن العملية الإنتخابية قائمة على الإخلاق! لا اكثر ولا أقل.

كل ناخب أسمه مسجل في قوائم بيد موظفين نزيهين فلاتلاعب بها إذ يتم شطب اسم كل ناخب حال حضوره, فلايمكنه التصويت مرّتين ولا التصويت بالنيابة عن أبيه او امه او زوجته او ابنه او صديقه او صديقته. واما المرشحون فليس لديهم لإقناع الناخب سوى إرسال منشورات الى محل سكنه يوضحون فيها ماينوون فعله للمنطقة فيما لوفاز. لا صور معلقة ولا بوسترات ولا جيوش الكترونية تروج له ولحزبه.

الفضول دفعني لإلتقاط صورة للمركز الإنتخابي فطلبت الإذن من شخص يبدو انه مدير المحطة, فرفض قائلا يمنع التصوير داخل المركز الإنتخابي ولكن يسمح باصطحاب الموبايل. ثم بدات ادردش معه حول الإنتخابات فسألني من أي بلد انت فقلت له من العراق , الذي يعرفه الكثير من البريطانيين جيدا, وهنا تذكّرت الإنحطاط الذي وصلته العملية الإنتخابية في العراق والى الحد الذي منعت فيه المفوضية الناخبين من إصطحاب جهاز الموبايل, بعد أن وصلت الدناءة ببعض المرشحين النافذين الى شراء أصوات بعض الناخبين البسطاء مشترطا عليهم أخذ صورة لتصويتهم عليه قبل إعطاءهم المبلغ المتفق عليه.

واما هنا في بريطانيا فلايخطر في بال أي مرشح أن يفعل ذلك فلماذا؟ قد يقول قائل إن التجربة الديمقراطية البريطانية عريقة على هذا الصعيد ولايمكن مقارنة التجربة العراقية بها, وهو كلام سليم ! لكن هذا الصدق والثقة والنزاهة لا علاقة لها بمدى عراقة التجربة الديمقراطية! لإنها قيم اخلاقية إنسانية لا علاقة لها باي تجربة. لقد جاء الإسلام قبل اربعة عشر قرنا لترسيخ القيم الأخلاقية وكما قال الرسول الأكرم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاٌق“ لكن الحد الدنى من تلك الأخلاق غاب في الشرق وفي العالم الإسلامي فيما انتشر في الغرب البعيد عن الدين ولكنه قريب من الفطره!

ولعل الإنتخابات العراقية خير مصداق لهذالغياب , فهناك شراء للأصوات وهناك قتل للمرشّحين وهناك التسقيط الأخلاقي وهناك المنافسة غير الشريفة, يضاف لذلك استخدام المال العام للدعاية الإنتخابية واستخدام مرافق الدولة ومؤسساتها لمصلحة النافذين والإستعانة بالدول الخارجية والمتاجرة بتضحيات الشهداء والقائمة تطول , وجميع تلك الممارسات تشكل خرقا لأحكام الدين ولقيمه الأخلاقية.

والخلاصة ان سر تخلف الشرق هو غياب القيم الأخلاقية , واما غياب الدين في الغرب فلم يترك أي أثر على الحياة هناك وعلى العكس من الشرق الذي تخلى عن الأخلاق وتمسك بقشور الدين , فكان الغرب خير مطبق لوصية علي ابن طالب ” اوصيكم بتقوى الله ونظم امركم“ فقد التزم الغربيون بنظم الأمر وبقليل من التقوى, فارتقوا في كافة جوانب الحياة وخاصة الأخلاقية منها, واما المسلمون فتركوا الأمرين معا فلانظم لأمرهم ولاتقوى تتناسب مع تاريخهم الديني!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here