العرگجية… وفايق الشيخ علي

رحمن خضير عباس

كلمة (العرگجية) في اللهجة العراقية الدارجة . تعني شاربي العرق. وهو مشروب كحولي قديم. يمتد الى الحضارات العراقية القديمة. وكان يُصنّع من التمر في وادي الرافدين ووادي النيل. قبل أن يُصبح فايق الشيخ علي نائبا ! بحوالي ثمانمائة سنة. والعراقيون يشربون الخمر ويفتخرون بصناعته. وهو يُشبه الفودكا الروسي الاوزو اليوناني والريكارد الفرنسي وماء الحياة ( المحيا) اليهودي.

وبما أن سكان العراق نسيج من المسيحيين والصابئة والكلدان والايزيديين والمسلمين. فقد شاع هذا الشراب وأصبح رمزا للرجولة. وكثرت أماكن تناوله علنا في المدن العراقية جميعا.

وكان شارع ابي نؤاس في بغداد ، يزخر بالبارات والنوادي الليلية . وأصبح رمزا للحياة البغدادية الراقية.

وكذلك البصرة والموصل ، إضافة الى المدن العراقية الاخرى.

وقد كان مسلمو العراق من أكثر الناس إستهلاكا للعرق. في ذلك الوقت الذي من الصعب ان تفرّق بين المسلم وغيره من الديانات الاخرى.

شاربو الخمر ( أو العرگچية) حسب توصيف السيد النائب الذي إستجدى أصواتهم. كانوا من النخب الاجتماعية والسياسية والأدبية. لو كان ثمة تدوين لما يطرحه العرگجية في نواديهم وباراتهم في بغداد وغيرها من المدن ، لغطى مجلدات في الشعر والادب والفن. حيث بزغت الحركات الشعرية والأدبية. والصراع بين المدارس الفنية في رحم النوادي والبارات ، التي خرّجت كبار الشعراء والاُدباء والفنانين. كما أنها كانت تكتنز القيم الجميلة في الحياة. بحيث لم نجد الخطف والابتزاز والسطو وسرقة المال العام أو الاعتداء على حريات وقناعات الآخرين من قبل العرگجية. كما لم نسمع بالمذهبية وتكفير الاخر وقتله لانه لاينتمي الى ملتنا.

شاربو الخمر كانوا من العفة ودماثة الخلق بحيث أنهم لم يكونوا بحاجة الى هذا الإزدراء. وهذه اللغة الفوقية التي تكلم بها السيد فائق الشيخ علي. بحيث أن كلماته التي كانت تقطر بالاحتقار. صورت شاربي الخمر وكأنهم ( هوملس) أو مجموعة من المشردين ذوي الملابس المتسخة.

العرگجية ياصديقي فايق. يشكلون نسبة أكثر من تسعين بالمائة في كل العوالم الغربية وفي أمريكا اللاتينية والصين واليابان وروسيا. ومع ذلك فان هؤلاء يديرون ماكنة مجتمعاتهم بشكل دقيق. يخلو من لصوصية أغلب متديني عراقك الجريح!

في كندا التي أعيش فيها منذ ثلاثين عاما. تمتلئ بالبارات. ومحلات بيع الخمور المزدحمة في كل وقت ، يشترون خمرتهم بأدب ويذهبون الى عوائلهم أو أصدقائهم. يشعلون الشموع ويعيشون حالات من الصفاء الروحي. يتبادلون الأفكار بهدوء ورومانسية. يحبون زوجاتهم وحبيباتهم. ولايفكرون بالمتعة والمسيار وبما ملكت أيمانهم.

هؤلاء( العرگجية ) مثال جميل للإلتزام المهني والاخلاقي. ومثال جميل للتقدم والدقة في العمل. كثير منهم ساهم مساهمة كبير في إستقبال اللاجئين – وأغلبهم من المسلمين – لأنهم ينطلقون من أفق إنساني. لا أعتقد بانك – سيادة النائب – قادر على إستيعابه.

إن دفاعك عن العرگجية هو دفاع ساذج غير متزن. فهؤلاء ليسوا مدمني خمور كما تعتقد. وانما بشر حقيقيون يريدون أن يمارسوا حياتهم بحرية . يريدون ان يستنشقوا هواءً نقيا في بلدهم. لايريدون أن تصادر إرادة البلد من قبل مجموعات مذهبية أو دينة. أصبحت تعتقد بأنّ العراق لها.

لانريد احدا أن يمنع الخمر لا لأننا متهتكون. وانما لأننا نؤمن بان العراق للجميع ولايمكن مصادرته من قبل مجموعة ظلامية.

لانريد أحدا أن يفرض الازياء والطقوس والحلال والحرام. لأننا نُدرك أفضل منهم ماذا يعني الحلال الحقيقي والحرام الحقيقي.

مسألة أخرى جديرة بالتبيه سيادة النائب .

وهي إن الدفاع عن الناس من قبل أي نائب ليست مِنّة ، تستحق عليها الثناء. وانما هو الواجب الوحيد الذي جعل النائب يتقاضى راتبا أكثر من راتب خمسين عرگجيا.

والذي جعل النائب يتمتع بالحمايات التي تؤخذ من جيوب العرگجية ورفاقهم من باعة المزة.

والذي جعل النائب يتقاضى راتبا تقاعديا يحلم به حتى رؤساء جمهوريات لدول أغلب رعيتها من العرگجية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here