ما الذي يريده ترامب من الإتفاق النووي؟

علي فضل الله الزبيدي

مع قدوم ترامب لسدة الرئاسة الأمريكية، إصبحت السياسة الدولية تشهد إضطرابا” وضجيج، لم تشهده من قبل، على الأقل للقرن الحالي، فسياسة خلط الأوراق والتنصل من المعاهدات الدولية، كانت سمة السياسة الترامبية، فإتفاقية المناخ في باريس، التي رتبت مبالغ كبيرة على الولايات المتحدة، كون أمريكا تعتبر الدولة الأكثر إسهاما”، في تلوث مناخ الأرض، رتبت على حكومة أوباما، إستحقاقات مالية بقرابة 30 مليار دولار، لإزالة ذلك التلوث، الذي تسببه المعامل والمصانع الأمريكية، ولكن مع قدوم ترامب قرر الإنسحاب من تلك الإتفاقية، كونها تثقل كاهل أمريكا بأعباء مالية، متناسيا” ترامب إن أمريكا تثقل كاهل المعمورة، بسموم التلوث والإنبعاثات السامة.

أما الإتفاق النووي الذي وقع مع إيران، من قبل الدول5+1، أرادت حكومة أوباما منه ترويض إيران، وضمان عدم إمتلاكها السلاح النووي، وجعل منطقة الشرق الأوسط اكثر إستقرارا”، حيث إن هذه المنطقة أخذت من امريكا كثيرا”، وشغلتها عن تحقيق مصالح إسترتيجية، فالخطر الصيني الروسي، بحسابات إدارة أوباما، أهم من الملف الإيراني، وعلى الأقل في حسابات أوباما، تم إخضاع إيران للمراقبة الدولية، لتكون تحت بصر العين الأمريكية، ولكن ذلك الإتفاق لم ترحب به، أغلبية دول الخليج العربي وإسرائيل، كون الإتفاق النووي، سيعمل إلى رفع العقوبات عن إيران، وعودتها للإندماج بالمجتمع الدولي، وذلك ما لا يسر أغلبية العرب وإسرائيل.

وفور تسلم ترامب لرئاسة البيت الأبيض، أمر فريقه بمراجعة الإتفاق النووي مع إيران، فأستبشرت إسرائيل وبعض دول الخليج، للقرار الترامبي، وبدأت العروض المليارية تتهافت على أمريكا من إسرائيل ودول الخليج العربي، وعلى وجه الخصوص السعودية والإمارات، وكان لا بد من حجة لأمريكا، للدفع في موضوع حل الإتفاق، وبدأت الماكنة الإعلامية الأمريكية والخليجية والإسرائيلية، وبعض الماكنات الغربية الإخرى، تدعم توجه ترامب، فكانت الأعذار الأمريكية لإلغاء الإتفاق النووي، عدم إلتزام إيران بشروط الإتفاق، وإن لدى إيران محاولات سرية، لصناعة السلاح النووي، وكل ما ذهب إليه ترامب وفريقه، لم يتجاوز الذريعة، لأن برنامج إيران النووين خاضع لتفتيش الوكالات الدولية المختصة، وتقارير تلك الوكلات أثبتت إلتزام إيران، بشروط الإتفاق النووي، الذي وقع مع الدول الخمس، دائمة العضوية لمجلس الأمن، بالإضافة لألمانيا.

إذن ما الذي يريده ترامب، من جعجعة إلغاء الإتفاق النووي؟ هنا لا بد أن نستذكر حملة ترامب الدعائية للإنتخابات الرئاسية، حين صرح بما معناه، إنه لا توجد خدمات أمريكية لحلفائنا بالمجان، وعلى الجميع الذي يطلبون حمايتنا، الدفع بما يتناسب وحجم الحماية، وكان الكلام موجه لحلف الناتو، وعموم الإتحاد الأوربي، والخليج العربي وكذا الحال لدول شرق اسيا، صاحب ذلك تفعيل فوبيا الخوف، من تزايد نشاطات الثلاثي المقلق، روسيا وكوريا الشمالية وإيران، لتستغل أمريكا خوف حلفائها من هذا الثلاثي، ليكون الثلاثي الروسي الإيراني الكوري، أداة لإبتزاز أمريكا لحلفائها، ونجح ترامب في ذلك، وأبتز أغلبية حلفائه.

أما الإتفاق النووي فله خصوصية كبيرة، وخصوصيته من إشكاليات الشرق الأوسط وحجم التقاطعات الدولية فيه، ويبدو إن الفريق الترامبي، أعد دراسة مستفيضة فيه، لا يراد منها إلغاء الإتفاق أو تعديله، بقدر ما لأمريكا غايات أخر، لا تخص إيران بعينها، بقدر ما تعني الدول المستفيدة من الإتفاق، والمتضررة منه، لأن أمريكا تعلم جيدا”، أن العقيدة الدينية الإيرانية، تحرم عليها تصنيع أسلحة الدمار الشامل، بالإضافة إن كافة برامجها النووية، خاضعة للمراقبة الدولية، عليه ماهو مراد ترامب من ذلك:

1_ تأخير إيران قدر المستطاع حتى لا تصل إلى مرحلة الصناعة النووية، ذات الإستخدامات السلمية.

2_إن فريق ترامب أدرك، إن دول الإتحاد الإوربي، سوف يعود عليها الإتفاق النووي، بإستثمارات مالية إيرانية هائلة، بعد رفع الحظر عن إيران، لذا أراد ترامب أن تكون الفائدة الأوربية بثمن تدفعه لأمريكا، وما يؤيد ما ذهبت إليه، رفض أغلبية دول الإتحاد الأوربي، إلغاء الإتفاق النووي، ومحاولة أغلبية قادة تلك الدول، إقناع ترامب بالعدول عن قراره.

3_ الرغبة الخليجية_ الإسرائيلية، بإبقاء إيران تحت طائلة العقوبات، وعدم إنفتاحها على المجتمع الدولي، إستثمر من ترامب وفريقه، لسد مديونية الخزانة الأمريكية، الذي يصل لقرابة 29 ترليون دولار أمريكي، والأخبار المتسربة إن إسرائيل، سوف تسهم بقرابة 15 ترليون، وباقي دول الخليج تتحمل جزء أيضا” من ذلك، في حال إلغاء الإتفاق أو تعديله.

أمريكا وكون الإتفاق وقع من ستة دول، وحاز على مصادقة الأمم المتحدة، وحتى لا تقع خطأ أسترتيجي، على المدى البعيد مع المجتمع الدولي، سوف تذهب إلى تعديل الإتفاق ولو شكليا”، من خلال ضغط دول الإتحاد الأوربي، على إيرن، وتتولى أمريكا إقناع المتخوفين من هذا الإتفاق، بإن الإلغاء يسمح لإيران، بالعودة لممارسة النشاط النووي ، بدون رقابة دولية، وذلك اخطر بكثير من تعديل الإتفاق، لأن ليس لإيران بعد ذلك، من شئ تخاف أن تخسره، ويكون بذلك ترامب أبتز الجميع، ويعود للخزينة الأمريكية، بعشرات الترليونات من الدولارات.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here