– الشابندر وتحدي الشيخ اليعقوبي وأشياء أخرى –

تشكل الانتخابات فرصة للشعوب الحرة للتعبير عن ارادتها وقدرتها على التغيير من خلال اختيار الاحزاب التي تحقق تطلعاتها وتتبنى تلبية احتياجاتها وتمتلك القدرة على تقديم برامج انتخابية تساير رغبات وطموحات الجماهير بالإضافة الى اختيار وتقديم الاشخاص الاكفاء لإدارة الوزرات والمؤسسات الحكومية .

بالإضافة الى ذلك فان الانتخابات احدى أهم حقوق الشعوب التي كفلتها وأقرتها الدساتير الدولية والاعراف والمواثيق الدولية للإنسان وتجسيد عملي لمفهوم الديمقراطية في حكم الشعب لنفسه من خلال امتلاك الناخب لحرية الاختيار والقرار ، وتكتمل فاعلية العملية الانتخابية من خلال نظام انتخابي عادل وسلطة رقابية عليا ولجان انتخابية محايدة وتنافس سياسي انتخابي خالي من التسقيط والابتزاز والتشهير .

وفي اغلب البلدان التي تتمتع بالاستقرار النسبي وتنعم بالحرية وظلالها الوارفة تجري عملية الانتخاب بسلاسة وسط تنافس كبير بين الاحزاب ومرشحيها ويكون المعيار الاساسي للتفاضل فيما بينها هو برامجها الانتخابية وتجربتها على صعيد الحكم والسلطة ، لذلك تجد ان عملية تغيير الحكومات والاحزاب الحاكمة قائمة على قدم وساق ، وتتبادل الاحزاب فيما بينها الادوار على صعيد الحكومة والمعارضة لضمان سلامة العملية السياسية في تلك الدول .

في العراق كانت الانتخابات قبيل سقوط حكم البعث الصدامي عبارة عن مسرحية هزيلة ومرعبة في نفس الوقت ، فالقائد الضرورة يجب ان ينتخب قائدا وزعيما للشعب والامة والعالم كل اربع سنوات بنسبة لا تقل عن (99.99%) اما انتخابات المجلس الوطني ( البرلمان) فكانت مشهد آخر للاستبداد صدام وجلاوزة حزبه حيث كانت عضوية ذلك المجلس متاحة فقط امام اعضاء حزب البعث ويتم اختيار الاعضاء من قبل القيادات البعثية في بغداد .

ومنذ سقوط صدام وحزبه المشؤوم من قبل اسياده الامريكان في (2003) حظي العراقيون بثلاث عمليات انتخابية في (2014 – 2010 – 2006) تباينت فيها اعداد المشاركين والمقاطعين سواء على صعيد الاحزاب السياسية او على مستوى الجماهير وتحت ذرائع ومبررات شتى ، الا ان جميع تلك المواسم الانتخابية لم تنتج سوى المزيد من الاهمال والدمار والخراب والفساد ، وخلال هذه المواسم الانتخابية الثلاث كانت الكتل وشخصوها تكرر نفسها في كل مرة ، وكان الحزب الحاكم هو نفسه ( حزب الدعوة ) وحتى عملية التدوير التي مارسها الحزب الحاكم من خلال تغيير شخص رئيس الوزراء لثلاث مرات متتالية لم تكن بداعي الحرص على التغيير وانما نتيجة لصراعات داخلية بين قيادات الحزب .

في ظل قانون انتخابي ظالم يكرس لهيمنة الكتل المستبدة وحيتانها الكبار ، وتسخير مقدرات الدولة المادية ومؤسساتها الحكومية من قبل الحزب الحاكم ، ومفوضية انتخابات غير مستقلة تتقاسمها الكتل الرئيسية ، وسلطات قضائية مسيسة من قبل نفس حيتان السلطة ، أصبحت الانتخابات عبارة عن عملية تدوير نفس النفايات واستنساخ لذات الوجوه البائسة الفاسدة الفاشلة التي انتجت الخراب والدمار للبلاد والعباد في العراق .

وانطلاقا من مسؤوليتها الشرعية كانت المرجعية الدينية ( الرشيدة) المتمثلة بالمرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي تسعى للتصدي لمخططات الكتل المهيمنة على المشهد السياسي ومخططاتها الاستبدادية بالسلطة ووقف في (2006) امام ظاهرة الاستقطاب القومي والطائفي والمتاجرة السياسية بهما من قبل الاحزاب وحذر المواطن العراقي من السقوط في براثنها ، وفي (2007) أطلق مشروعه الوطني لإصلاح العملية السياسية من خلال اعتماد نظام القوائم الانتخابية المفتوحة بدلا من القوائم المغلقة ، وفي (2010) و (2014) دعا الى تعديل النظام الانتخابي الظالم الذي يكرس هيمنة نفس الكتل السياسية المتنفذة ، وفي (2017) وقف وحيدا فريدا امام مشروع قانون سانت ليغو (1.7) والذي تم بالأخير التصويت عليه بعد اتفاق الكتل الرئيسية الشيعية على تمريره لتنعدم بذلك اي فرصة للإصلاح والتغيير الحقيقي .

كل تلك المواقف وغيرها الكثير التي يمكن الاطلاع على تفاصيلها في موسوعة ( خطاب المرحلة ) والتي طرحها المرجع اليعقوبي لإصلاح الوضع السياسي والعملية الانتخابية مرارا وتكرارا ولم تنصف من قبل المجتمع العراقي او المؤسسات الثقافية والاعلامية والمجتمع المدني ، بل كان مصيرها الاهمال والتشكيك والتشويه من قبل الابواق المرتبطة بالأحزاب السياسية في داخل العراق وخارجه وخصوصا لندن حيث مستنقع كتاب الحزب الحاكم ومرتزقته النفعيين .

مؤخراً طلع علينا الرجل الذي (خسر حياته) في حزب الدعوة السيد غالب الشابندر في صفحته الفيسبوكية والتي يروج من خلالها لأفكاره وتحليلاته المتأرجحة المضطربة ليتحدى الشيخ اليعقوبي في تحديد الاسم الصالح من الطالح ، وذلك بعد أن استفزه مقطع على اليوتيوب للمرجع اليعقوبي يدعو فيه القيادات الدينية لبيان موقفها الصريح والواضح امام جماهيرها وانقاذهم من المتاهات التي يتخبط الكثير في ظلالها نتيجة التصريحات المشوشة والضبابية والتي لا تغني من فقر ولا تشبع من جوع ، وكذلك انتقد سماحته في ذلك المقطع دعوة القيادات الدينية الى الجماهير الى المشاركة في الانتخاب دون توفير أرضية صالحة للانتخابات اصلا ، في ظل نظام انتخابي مكرس لإعادة نفس الوجوه الى المشهد السياسي وانعدام اي فرصة لتغييرها ، بالإضافة الى ذلك رفض المرجع اليعقوبي الغموض الذي يتلبس الموقف المرجعي من خلال موقفها بـ (الوقوف على مسافة واحدة من الجميع ) ورأى ان ذلك بمثابة اعطاء الضوء الاخضر لاختيار نفس الاحزاب التي ملأت العراق خرابا وفساداً .

وحقيقة كان الاجدى ان يكون الشابندر اكثر شجاعة وجرأة وان يجل نفسه عن التملق المحموم لذوي الشأن والجاه والنفوذ وان يتوجه بالتحدي والمطالبة الى الجهات التي رفعت شعار ( الوقوف على مسافة واحدة من جميع الاحزاب والمرشحين ) ويطالبها بموقف أكثر وضوحا ودقة ، وهي التي بإمكانها بكلمة واحدة كما يقول القاضي وائل عبد اللطيف ان تقطع الطريق على الاحزاب الفاسدة وتغيير المشهد السياسي من جذوره نظرا للشعبية التي تتمتع بها والطاعة الكبيرة من قبل اغلب اطياف الشعب العراقي لها .

الشابندر المتذبذب في مواقفه وتصريحاته يعلم قبل غيره ان سبب الخراب الذي حل بالعراق هو حزبه التعيس ، وسكوت القيادات الدينية العليا عن مفاسد قياداته ، الا ان شجاعته لم تخنه فقط وانما تحولت الى هزيمة وجبن وتملق عسى ان يعيد اليه ( أحدهم) ثمنا لحياته التي خسرها بمليء ارادته نتيجة لطمعه في مشاركة رفاق الجهاد السابقين بتقاسم الكعكعة التي قصمت ظهر العراق والعراقيين والتي على ما يبدوا انها مستمرة الى أربع سنوات عجاف قادمة أخرى والله العالم .

احمد البديري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here