الشورُالمهدويّ تطلعات في الرؤية والأنتماء

هيام الكناني
في هذه الأجواء المشحونة بالصراع العقائدي لا بدّ للإنسان أن يدلي بدلوه ويعلو بحجته ويجادل بالتي هي أحسن في سبيل بناء عقيدة رصينة مستمدة من الأدلة العقلية والنقلية بعيدة عن جنوح العاطفة وإفرازات التمذهب.و الحديث عن الإمام المهدي عليه السلام يختلف باختلاف الثقافة التوعوية التي يحملها المخاطب والأسس والتراكمات التي بنيت عليها شخصيته العقائدية، وكما ان للحديث العلمي مكانه الخاص وزمانه حيث يمكن تحصيل النتائج واعطاء الثمار فيما اذا كان هناك من يخالفك الفكر والاعتقاد ويجحد بايات الله الدالة على طرح قضية الامام كــُسنة تأريخية لابد من حصولها ..

اما اذا كان الحديث مع المنتظرين فالأمر سيأخذ منحى مختلف وسيكون له مذاقه الخاص ولونه المنفرد, لأن المتلقي مهيأ ومعدّ لمثل هذه الاطروحة أساساً فتراه يحمل في قلبه العقيدة المهدوية متطلعاً إلى مولاه تطلعه لاشراقة الشمس في أوّل إطلالها وجمال بزوغها.

فالشور المهدوي مفردةٌ من مفردات ثقافة أهل البيت عليهم السلام ومنهجٌ من مناهج أدبيات خطابهم.. انها ثقافة الإنسانية متجهةً نحو كمالاتها في الاصلاح والارتقاء إلى معارج الوعي في علاقتها بهذا الكون ومكنوناته.. هكذا يمكننا أن نقرأ الانتظار في الشور المهدوي بثقافته الإنسانية وبمنابعه الإسلاميّة الصحيحة، وليس كما يتصوره البعض بأنه الجهل والخنوع والاستكانة والخضوع.. أنه العمل والبناء نحو إنسانيةٍ يسودها السلام ويعمها الود والتفاهم.

ولعل أرقى مايصل اليه الأنسان المحب هو عمارة القلب بذكر محبوبه كما في الدعاء( بذكرك عاش قلبي) فالذاكر لامامه على وجه الحقيقة هو من تكون جوارحه وجوانحه وجميع وجوده ناطقاً ولهاً بذكره ..وبهذا الذكر يحصل الأطمئنان والراحة والانس وهو مدعاة الى العمل والصبر والمصابرة في طريق الأنتظار ففي المناجاة يقول الإمام زين العابدين عليه السلام: (وَآنِسْنَا بِالذِّكْرِ الْخَفِيِّ وَاسْتَعْمِلْنَا بِالْعَمَلِ الزَّكِيِّ وَالسَّعْي الْمَرْضِيِّ)

فلا بدّ أن يكون مجرى الحديث عاطفياً تعبوياً مع من حمل في فكره عقيدة الانتظار وآمن بها في قلبه ؛ وليس المقصود من حب الإمام هو الأعتقاد بوجوب محبته فإنها من القضايا الضرورية في الفكر الأسلامي ؛ لكن المقصود والذي يسعى الفرد المنتظِروكذلك المجتمع المنتظِر إلى تحقيقه والوصول إليه هو جوهر الحب ولبّه وأصل العشق ومعدنه ومنبت الوله ومركزه…

لا بدّ للمنتظر من السعي الجاد والفاعل لاستشعار حضور الإمام عليه السلام وتنسم عبيره الفواح والهيام به والشوق للقياه، وأن لا يقرّ له قرار ولا يهنأ له عيش ولا يهدأ له بال ولا يرقأ له دمع إلاّ باكتحال نواظره بطلعته الرشيدة وغرته الحميدة.

هكذا هو الانتماء كما العلم يحصل بالكسب والتعلم فهكذا العاطفة الصادقة والحبّ الصافي والعشق الخالص لا يأتي جزافاً بل لا بدّ له من السير والسلوك والجدّ والاجتهاد والحركة والمثابرة في طريق رسمهُ لنا أئمّة الهدى وخطه لنا قادة الورى وثابر على سلوكه العلماء وثبت على نهجه العرفاء وولج في بحر أمواجه الأولياء.

فلا بدّ للوالج في أعماق الحب، والسابح في غمراته أن يسلك الطريق ويحث الخطى ويديم المسير

فالضلالة والغرق في بحر التيه ناتج عن الجهل وعدم المعرفة ؛ وحينما نلاحظ الدعاء وربطه بين معرفة الحجة وبين النجاة من الضلال يتبين لنا العنصر الوحيد المنجي والمنقذ في الدارين هومعرفة الأمام وان لامعرفة بالله ولا رسوله دون معرفة الامام فذكر الامام والوله بعشق قضيته هو ماء الحياة للمنتظِر وهو الاكسير الأعظم الذي به يحصل اللقاء الروحي والتعلق في المحبوب حتّى لا يريد خيراً إلا من خلاله ولا يأمل شيئاً إلا عن طريقه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here