العراق يدفع ثمن فشل تعديل الاتفاق النووي

بغداد – أضفى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي المزيد من الأهمية على الانتخابات العراقية العامة، التي بدأ فعليا التصويت الخاص فيها الخميس ويستمر الجمعة، على أن يكون الاقتراع العام السبت المقبل.

ويقول ساسة عراقيون إن بلادهم ربما تتحول إلى ساحة للمواجهة بين واشنطن وطهران. ويعتقد هؤلاء أن إيران قد تتخلى عن شيء من نفوذها في كل من سوريا واليمن البعيدين عنها جغرافيا، لكنها ستسعى إلى تعزيز نفوذها في العراق المجاور، الذي ترتبط معه بحدود يزيد طولها عن ألف كيلومتر.

وتضمّن خطاب ترامب عن الانسحاب من الاتفاق النووي، إشارة صريحة إلى النفوذ الإيراني السلبي في كل من لبنان وسوريا واليمن. لكنه تجنّب الإشارة إلى العراق. ويقول مراقبون في بغداد إن الإدارة الأميركية تعرف صعوبة انتزاع العراق من النفوذ الإيراني، لكن هذا لا يعني أنها ستتخلى عن هذا البلد الغني بالنفط.

وبخلاف معظم الدول العربية والغربية التي سارعت إلى إعلان موقفها من إعلان الانسحاب الأميركي، انتظر العراق حتى ظهر الأربعاء، لإعلان موقفه، الذي جاء من رئاسة الجمهورية، ذات الدور الشكلي بين السلطات العراقية.

وأعرب الرئيس العراقي فؤاد معصوم عن “أسفه لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاقية جنيف حول البرنامج النووي الإيراني الموقعة نهاية عام 2015 بين إيران ومجموعة 1+5”.

ودعا معصوم الولايات المتحدة إلى “إعادة النظر بقرارها”، معتبرا أن “الاتفاقية مثلت إنجازا كبيرا لتعزيز فرص إحلال السلام والتقدم لجميع دول المنطقة والأسرة الدولية عبر تفعيل الدبلوماسية الرشيدة لإنهاء التوترات الخطيرة وتفادي الكوارث المحدقة بالاعتماد على الحكمة والحوار الإنساني والتفاهم البناء القائم على أسس ومبادئ الأمم المتحدة”.

ويمثل صدور الموقف العراقي عن معصوم، الذي لا يملك أي صلاحيات مهمة، وفقا للدستور العراقي، إشارة إلى رغبة الحكومة العراقية بالنأي عن نفسها عن هذا الملف.

وبحسب مراقبين، فإن سياسة “النأي بالنفس” التي أعلن عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي، ربما لن تصمد أمام أي رغبة إيرانية في توريط الساحة العراقية بتداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاقية النووية.

وستكون إيران ملزمة بالتركيز على الملف العراقي، إذا ما حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها الضغط على نفوذها في لبنان وسوريا واليمن. ولن تجد إيران وسيلة أفضل من الانتخابات العراقية العامة، لدفع الموالين لها نحو مواقع المسؤولية في العراق.

إيران تملك أدوات أخرى، ليست سياسية، لمواجهة الولايات المتحدة في العراق، وهي مجموعة الفصائل المسلحة التي تحمل شعار “المقاومة الإسلامية”

وعمليا، تشهد الانتخابات العراقية ترشح قائمتين مرتبطتين بإيران، الأولى بزعامة هادي العامري والثانية بزعامة نوري المالكي، وكلاهما يخطط للحصول على منصب رئيس الوزراء. وفضلا عن ذلك، تملك إيران نفوذا استخباريا ودينيا وماليا كبيرا في العراق.ويمكن لكل أشكال النفوذ هذه أن تتحول إلى أدوات في الصراع الإيراني الأميركي على أرض العراق. وسبق أن استخدمت إيران هذه الأدوات مجتمعة، العام 2010، لضمان بقاء المالكي على رأس السلطة لولاية ثانية، بالرغم من خسارته الانتخابات أمام قائمة إياد علاوي.

وباتت الانتخابات العراقية العامة بالغة الأهمية لإيران، فهي فرصتها الوحيدة لتثبيت مؤيديها في المواقع العليا.

ويرى الكاتب ديفيد أوزبورن ان إيران التي سلحت ودربت الالاف من ميليشيات الحشد الشعبي لمقاتلة تنظيم داعش في العراق منذ عام 2014، قادرة على تشجع بعض ميليشياتها الشيعية على شن هجمات ضد القوات الأميركية بعد الغاء الاتفاق النووي.

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، الذين يدعمون رئيس الوزراء حيدر العبادي، فإن أسوأ سيناريو للانتخابات العراقية، هو فوز هادي العامري أو نوري المالكي بأغلبية المقاعد المخصصة للنواب الشيعة في البرلمان العراقي، ما يمنحهما دورا حاسما في تسمية رئيس الحكومة.

وفي حال تحقق هذا السيناريو، فإن المالكي أو العامري سيكون هو رئيس الوزراء الجديد، ولن تواجه إيران صعوبة في إقناع أحدهما بالتنازل للآخر. ولكن إيران تملك أدوات أخرى، ليست سياسية، لمواجهة الولايات المتحدة في العراق، وهي مجموعة الفصائل المسلحة التي تحمل شعار “المقاومة الإسلامية”، وينشط جزء منها ضمن قوات الحشد الشعبي.

ويقول مراقبون إن جزءا من هذه الفصائل منخرط عمليا في الصراع الإيراني الأميركي الذي يدور في سوريا، ولن يتردد في نقل المعركة إلى أرض بلاده العراق. وفي حال فوز العبادي، الذي يعد أميركيا أكثر من اللازم في نظر الإيرانيين، خلال الانتخابات العامة، وهو السيناريو الأقرب للتحقق، بحسب استطلاعات الرأي، فإن إيران قد تجد نفسها مجبرة على تحريك الفصائل المسلحة داخل العراق، للحفاظ على نفوذها ومكاسبها. وبالنسبة إلى العبادي، فإن هذا السيناريو يمثل كابوسا له، لأنه يعول على جلب الاستثمارات الأجنبية لإعمار المناطق التي دمرتها الحرب مع تنظيم داعش. وفي حال خسر العراق استقراره الأمني النسبي الحالي، فإن فرصه تنعدم في إقناع الشركات الأجنبية بالقدوم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here