السبت القادم ستعرض بلادي للبيع من يشتري؟

السبت القادم الثاني عشر من آيار/مايس، هو التأريخ الذي سيتوجه الناخبون في بلدي فيه الى صناديق الإقتراع وهم أمام ثلاث خيارات. فأما المقاطعة، أو إختيار من لم تتلوث أياديهم بسرقة أموال شعبنا ولم يعرف الفساد اليهم طريقا، وأمّا إنتخاب اللصوص والفاسدين مرّة رابعة.

السبت القادم، ستنظر طهران الى صنايق الإقتراع ممنّية النفس في إستمرار أتباعها بالسلطة وهيمنتها من خلالهم على مقدّرات شعبنا ووطننا. وسوف تحوّل كما كل إنتخابات أمنيتها الى حقيقة، من خلال ترتيب بيتها في بيتنا عن طريق أحزابها وميليشياتها ليظل العراق ساحة خلفيّة وحائط صدّ لها وهي تواجه الصعوبات في علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل ومحيطها الإقليمي في الخليج . وستتهيأ بعد فرز الأصوات لتشكيل الحكومة العراقيّة في حضرة وليّ الفقيه كما كل مرة، خصوصا وأن عصاباتها المسلّحة سيكون لها صوت عال في برلمان الخضراء هذه المرّة.

السبت القادم، ستنتظر الرياض نتائج الأنتخابات بعد أن قدّمت لأتباعها من أحزاب وشخصيّات كانت حتّى الأمس القريب جزء من نسيج عصابات القاعدة وداعش وأهّلتهم ليدخلوا العملية السياسية مسلّحين بدعم كامل منها و مئات ملايين الدولارات لشراء ذمم الناس. ليكون لها وهي في حالة حرب باردة مع طهران آمال بإعادة العراق الى محيطه العربي، وكأن شيعة العراق ليسوا بعرب!

السبت القادم، سيكون المحتل الامريكي ومن خلال أكبر سفارة له بالعالم في عاصمة الرشيد، قريب جدا من صنادق الإقتراع. ليقوم والطرفين الآخرين بإعادة تدوير نفس النفايات للسنوات الأربع القادمة. فالذي يهم المحتل الأمريكي، هو إستمرار تدفق النفط العراقي الرخيص لأسواقها، وإستمرار شركاتها في إستثماراتها النفطيّة. أمّا ديموقراطية الساندويج الجاهز، فما هي الا جزء من لعبة لا نجيد كعراقيين قوانينها، ولا نملك اللياقة للجري في مضاميرها. والدليل فشلنا كشعب من إنتخاب من يمثّل مصالحنا، بإستمرارنا في إنتخاب نفس اللصوص والفاسدين لنشتمهم بعد إنتخابهم مباشرة!!

السبت القادم، سيقف النخّاسون ليبيعوا ليس شعبنا فقط بل وبلدنا وتراثه وتأريخه. السبت القادم سيُعرض جلجامش للبيع ومعه عشبة الخلود، فمن يشتريه ويشتري تراثنا الأنساني وهو يجر لبؤسنا أذيال خيبتنا كبشر؟ السبت القادم، سيُباع سرجون الأكدي وقاربه المغلق بالقار، فمن يشتري سرجون ويُغرق القارب كي لا يأتي سرجون جديد؟ السبت القادم، سيُباع حمورابي ومسلّته، بعد أن أضعناه كواضع أوّل القوانين فمن يشتريه ويشتري مسلّته ويحطمّها كي نعيش كما اليوم عصر اللاقانون؟ السبت القادم، سيُباع آشور بانيبال وثوره المجنّح، فمن يشتري بانيبال لوحده كون الثور قد تم ذبحه؟ السبت القادم، سيُباع نبوخذ نُصّر وجنائنه المعلقة في بابل، فمن يشتري نبوخذ نُصّر ويفجّر جنائنه بالديناميت؟

السبت القادم، سيُباع الأمام علي في مسجد الكوفة، فمن يشتري الإمام ليفلق رأسه بسيف كسيف إبن ملجم؟ السبت القادم، سيُباع الإمام الحسين في صحراء كربلاء، فمن يشتري الإمام ليبيعه وعياله الى يزيد جديد؟ السبت القادم، سيُباع الإمام موسى الكاظم فمن يشتريه ليسممّه من جديد؟ السبت القادم، سيُباع الإمام أبا حنيفة النعمان صاحب المحنتين، فمن يشتريه ليبيعه لورثة الأمويين والعباسيين لجلده؟

السبت القادم، سيُباع الضرير بشار بن بُرد وأبي نؤاس وأبي العتّاهية ومسلم إبن الوليد وعلي بن الجهم ، فمن يشتريهم بدانق؟ السبت القادم، سيُباع الشريف الرضي وأبو الطيب المتنبي ، فمن يشتريهما بثمن بخس؟ السبت القادم، سيُباع إبن الهيثم والرازّي والخوارزمي وإبن حيّان، فمن يشتريهم مقابل بصقة من معمّم جاهل؟
السبت القادم، سيُباع هارون وغيمته والمأمون وفلسفته والبرمكي جعفر وجوده، فمن يشتري؟ السبت القادم، ستُباع المدرسة المستنصرّية والمدرسة النظاميّة ، فمن يشتريهما ليحولهما الى مسجد وحسينيّة؟

السبت القادم، ستُباع ثورة العشرين وجامع الحيدر خانة، فمن يشتريهما لنعتذر للأنكليز على ثورتنا ضدّهم؟ السبت القادم، ستُعرض للبيع وثبة كانون وإنتفاضات الحي وآل أزيرج والسليمانيّة ، فمن يشتريها ليمحوها من ذاكرة شعبنا والى الأبد؟ السبت القادم، ستُباع ملحمة كاورباغي فمن يشتريها لينهي نقابات العمّال؟ السبت القادم، ستُعرض ثورة الرابع عشر من تموز للبيع، فمن يشتريها ليقتل عبد الكريم قاسم ورفاقه في مبنى إذاعة جديد؟ السبت القادم، ستباع جدارية جواد سليم، فمن يشتريها ليهدّها على رؤوس المتظاهرين ضد الفساد؟ السبت القادم، سيُباع الرحّال وتمثال أمّي، فمن يشتري أمّي ليبيعها في سوق نخاسة الخضراء؟ السبت القادم، سيُباع الرصافي والعلم والدستور ومجلس الأمّة فهل من شارٍ؟ السبت القادم، سيُباع أبا فرات ودجلته الحبيسة عند صبي الجادرّية، فمن يشتريه ليخبره عن لساني “لن يأتي يا أبا فرات يوما عصوفاً جارفاً عرَماً وشعب الثورات خدّرته العمائم، ليرضيك عقباه ويرضيني” *

السبت القادم سيُباع المنصور وبغداد، وسيُنادي الدلال بصوت عال … بغداد للبيع بدجلتها ومآذنها وقبابها.. من يشتري ؟ وسيتقدّم الشارون .. أنا يا طويل العمر، انا حامي سنّة العراق .. أنا رافع راية البداوة لأحوّل العراق الى صحراء بلقع. ويخرج آخر ليصيح :”من خريدارم .. من حامي شيعة آل بيت محمد هستم .. من عراق را نابود ميكنم” “انا الذي يشتري .. انا حامي شيعة آل بيت محمد . انا من سأدمّر العراق”.

السبت القادم، سيقف عاشقو وطنهم ضد بيعه ودماره، وسيقف أعداءه في معسكري طهران والرياض لبيعه لهما ، وستجلس البقيّة على التل لترى إجراءات البيع. إن فاز معسكري طهران والرياض يوم السبت القادم، فكلنا مسؤولون عن ضياع بلدنا الذي لم نحافظ عليه كالرجال، ولن يفيدنا مستقبلا بكائنا إيّاه كالنساء. فلمن الغلبة؟ أقولها وكلّي ألم، من أن النصر نصيب بيّاعي الوطن، فجمهورهم بأكمله خائن لبلاده.

يأتي وقت يكون الصمت فيه خيانة “مارتين لوثر كينغ”.

* بتصرف من قصيدة يا دجلة الخير للجواهري؟

زكي رضا
الدنمارك

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here