بوادر انتهاء “زواج المنفعة” بين إيران وروسيا في سوريا

رغم أن انخراط روسيا في تحالف مع إيران في الملف السوري هدفه دعم نظام بشار الأسد، إلا أن الموقف الروسي من الهجمات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة ضد مواقع إيرانية في سوريا يكشف ضمنيا عدم وقوفها في صف طهران وأنها تتمسك بحماية مصالح إسرائيل والتزاما بتفاهمات سابقة مع الجانب الإسرائيلي تشكلت في فترة حكم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وتقضي بإطلاق يد موسكو في سوريا مع غض نظرها عن ضرب تل أبيب ما تراه مهددا لأمنها في سوريا، وهو ما يفسّر الصمت الروسي حيال التصعيد بين طهران وإسرائيل، فيما يقول مراقبون إنها بوادر لتصدّع العلاقات بدأ يظهر للعلن بعد المكاسب التي حققها النظام السوري مؤخرا على حساب المعارضة في إطار المنافسة بينهما على النفوذ.

اتخذت الأحداث في سوريا منعطفا هو الأخطر منذ اندلاع فتيل الأزمة في مارس 2011، ويثير تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل قلقا دوليا من نشوب حرب إقليمية. وأعلن الجيش الإسرائيلي، فجر الخميس الماضي، أنه هاجم العشرات من المواقع الإيرانية في سوريا، ردا على إطلاق قوات إيرانية 20 صاروخا على هضبة الجولان المحتلة.

وبالتوازي مع التصعيد العسكري واصلت تل أبيب تهديدها للنظام السوري ولحليفته إيران، وأطلق وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الجمعة، رسائل إنذار جديدة طالب فيها الرئيس السوري بشار الأسد بإبعاد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني من سوريا.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن ليبرمان خلال جولة قام بها في هضبة الجولان السورية المحتلة قوله “ندعو الرئيس السوري بشار الأسد إلى إبعاد القوات الإيرانية، وتحديدا فيلق القدس وقائده قاسم سليماني عن سوريا”. وقال محذرا “إن تواجد هذه القوات لا يساعد نظام الأسد، وإنما يسبب له مشكلات وأضرارا”.

ومن جهته، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن بلاده لا تريد “توترات جديدة” في المنطقة وأنها “عملت على الدوام على خفض التوترات في المنطقة”.

وأمام احتدام الصدام مع إسرائيل وعلى الرغم من نبرة التصعيد في الخطاب الرسمي الإيراني، تعمل طهران على استغلال علاقاتها مع موسكو للحيلولة دون انفلات الأوضاع نحو معركة واسعة قد تكلفها انسحاب قواتها من سوريا. حيث سارعت إلى الاستنجاد بها باعتبار انخراطهما في تحالف استراتيجي في الملف السوري، حيث تدعمان سياسيا وعسكريا نظام بشار الأسد.

وسيزور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف موسكو الاثنين المقبل للقاء نظيره الروسي سيرجي لافروف. ويتوقع أن تتناول المحادثات بين الطرفين تصاعد التوتر والضربات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة والانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران.

لكنّ مراقبين يعتقدون أن فرص الدعم الروسي لإيران تبدو محدودة لرغبة روسيا في الحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل التي استطاعت منذ بداية الأزمة السورية ومنذ إعلان روسيا الانخراط المباشر لدعم نظام الأسد عام 2015 أن تبني تفاهمات مع موسكو تهدف أساسا إلى حماية مصالحها الأمنية في سوريا.

وتتمثل هذه المصالح في منع نقل السلاح من الساحة السورية إلى لبنان، ومنع اقتراب الحرب من الحدود الإسرائيلية، ومنح إسرائيل حق الرد على هجمات عليها من أطراف داخل الساحة السورية. ومما سهَّل التوصل إلى هذه التفاهمات التأكيد الإسرائيلي للجانب الروسي على أن تل أبيب محايِدة في الصراع في سوريا ولا تدعم طرفا ضد آخر وأنها لا ترى نفسها شريكا في تحديد مستقبل سوريا، الأمر الذي دفع روسيا إلى الأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية ذات الطابع الأمني.

وأشار المحلل الروسي ألكسي مالاشنكو في تصريحات صحافية إلى أنه “بالمختصر المفيد يجد الكرملين نفسه اليوم جالسا بين كرسيين”، في إشارة إلى إيران وإسرائيل، مضيفا “إنه وضع معقد وصعب لروسيا التي تقيم علاقات جيدة مع العدوين اللدودين”.

إضعاف إيران

تربط روسيا وإسرائيل علاقات صداقة، وفي الوقت ذاته تقاتل موسكو في جبهة واحدة مع إيران في الحرب السورية. وبعد الضربات الأخيرة اكتفت روسيا بدعوة الطرفين إلى ضبط النفس وحل الخلافات عبر القنوات الدبلوماسية فحسب، الأمر الذي فسره مراقبون بانحياز ضمني لتل أبيب لذلك يبدو من المستبعد أن تنخرط موسكو في تفاهمات مع طهران تهدد المصالح الإسرائيلية.

وذكرت صحيفة التايمز أن الرئيس الروسي على علم بالضربات الجوية التي استهدفت مواقع عسكرية إيرانية في سوريا. وأشارت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حضر احتفالات عسكرية في روسيا الأربعاء، ولكن هدف الزيارة كان أهم من حضور الاحتفال وهو إخطار موسكو بطبيعة الرد الإسرائيلي على إيران. وجاءت الغارات بعدها سريعة ردا على هجمات استهدفت هضبة الجولان، التي كانت بدورها ردا على غارات استهدفت قاعدة عسكرية وأدت إلى مقتل 7 من أفراد الحرس الثوري الإيراني .

ويرى مارك كيتز، أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشأن الروسي، أن بوتين لم يمانع توجيه إسرائيل ضربات في سوريا وبدا أنه لن يتخذ إجراءات لحماية الإيرانيين. ولفت إلى أن تحقيق الرئيس السوري لمكاسب في الشهور الأخيرة وضع إيران وروسيا في محل منافسة على النفوذ في سوريا، لذلك “لن يمانع الكرملين إضعاف إيران”.

ويوضح قائلا “ لقد تصدع التحالف (الروسي الإيراني) بعد هزيمة عدو مشترك (المعارضة السورية) والآن يتصارعان على النفوذ ” . ويقول خبراء إن روسيا ستبذل كل ما في وسعها للإبقاء على علاقات جيدة مع إسرائيل وإيران، خصوصا أن الضربات الإسرائيلية “لا تهدد على الإطلاق” الدور الروسي في سوريا.

ووصف المحلل السياسي البريطاني كون كوغلين العلاقة بين إيران وروسيا بأنها “زواج منفعة”، متهما طهران بأنها تضمر شرّا. وقال إن حرص إيران على استغلال تحالفها مع الأسد لفتح جبهة جديدة مع إسرائيل أثار بعض التوتر بين طهران وموسكو لأن الكرملين لا يسعى إلى إثارة نزاع مع إسرائيل ، بل العكس هو الصحيح ، لأن بوتين له علاقات متميزة مع نتنياهو، إلى درجة أن موسكو أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل بضرب أهداف إيرانية في سوريا.

وأضاف كوغلين في مقال له بصحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية أن أي تحالف بين إيران وروسيا هو أقرب إلى “زواج المنفعة” منه إلى الشراكة الاستراتيجية القوية، معتبرا أن أحسن وسيلة تمكن الروس من الحفاظ على قواعدهم العسكرية في سوريا هي إقناع إيران بوقف سلوكها العدائي تجاه إسرائيل .

وأوضح “ أن موسكو لم تكن أبدا مرتاحة في تحالفها مع طهران منذ إطلاق الحملة العسكرية في سوريا . فالهدف المشترك بينهما هو بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه”.

تسوية روسية إسرائيلية

تلفت أوساط سياسية روسية مراقبة إلى أن الرئيس الروسي عقد تفاهمات مع نظيره الأميركي باراك أوباما في سبتمبر/أيلول 2015، تقضي بإطلاق يد موسكو في الشأن السوري لـ”مكافحة الإرهاب” وترتيب تسوية مقبولة تحمي مصالح إسرائيل.

وتضيف هذه الأوساط أن بدء الهجمات الاسرائيلية في سوريا سبقته تفاهمات واسعة جرت بين بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتنظيم أنشطتهما العسكرية من جهة بما في ذلك إطلاق يد إسرائيل بضرب ما تراه مهددا لأمنها في سوريا. وتلفت هذه الأوساط إلى أن التفاهمات التي جرت بين موسكو وطهران في شأن سوريا، إثر ما قيل إنه طلب حمله قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني لتدخل روسي ينقذ نظام دمشق من الانهيار، ركّزت على تعاون مشترك هدفه حماية النظام على ألا يمس ذلك بالتفاهمات الروسية الإسرائيلية.

وترى هذه الأوساط أن إيران انتهكت هذه التفاهمات وجاهرت بأجندة تعكس حقيقة مصالحها البراغماتية وتخدم استراتيجياتها الإقليمية والدولية مستفيدة من الدعم الجوي الناري الذي أمّنته روسيا لقوات النظام وميليشيات طهران في سوريا.

ويكشف دبلوماسيون أوروبيون أن ما يملكونه من معطيات يفيد بتبرّم الطرف الروسي من الإحراج الذي تسببه الأنشطة الإيرانية في سوريا في وقت لازالت موسكو تحتاج إلى القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لطهران للقيام بالمجهود العسكري البري الذي تتجنب موسكو الانخراط فيه في الميادين السورية.

ويضيف هؤلاء أن الضربات التي وجهتها إسرائيل إلى أهداف تابعة لحزب الله كما تلك التي استهدفت مؤخرا مواقع وقواعد إيرانية في سوريا لا تزعج روسيا كثيرا. إلا أن بوتين حريص على أن يكون موقع روسيا أساسيا لتقرير مصير سوريا المقبل ، وبالتالي أن لا تنال الضربات الإسرائيلية من أدوات روسيا العسكرية التي تتمثل في القوى الإيرانية بانتظار انجلاء الضباب الدولي حول التسوية السورية .

ويشير مراقبون للشؤون الإيرانية إلى أن طهران باتت مدركة أن روسيا لا تقف إلى جانبها ضد إسرائيل ، وأن الصمت الناري الذي تتقصّده موسكو في هذا الشأن يمثل رسالة روسية واضحة إلى إيران بالعودة إلى التفاهمات السابقة وعدم التعويل على روسيا وقواها النارية لتمرير أجنداتها في الشرق الأوسط .

ويدعم هذه الفرضية تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ختام اجتماعه مع الرئيس الروسي في موسكو الأربعاء، بأن روسيا لن تتدخل لمنع ضربات إسرائيلية في سوريا.

ويعتقد المراقبون أن إيران باتت في موقف لا تحسد عليه وهي مضطرة للجوء إلى الحضن الروسي والامتثال لأجندة روسيا في مقابل القطيعة والتصعيد مع واشنطن وعدم الثقة بقدرة الأوروبيين على التمرد على الحليف الأميركي .

ويخلص المراقبون إلى أن رسائل التهدئة التي أطلقت من طهران تعبر عن قلق إيراني شامل مما يحاك ضدها خصوصا وأن طهران لم تكن تتوقع حجم الرد الإسرائيلي الناري وضخامته على الصواريخ التي أطلقتها ضد مواقع إسرائيلية في هضبة الجولان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here