لا تطربوا أن دقت طبول الحرب

منذ سقوط نظام الشاه في ايران و قيام جمهورية الخميني الأسلامية في العام 1979 و ما تلاها من اغلاق السفارة الأسرائيلية في طهران و التي حلت مكانها السفارة الفلسطينية و النزاع الأيراني الأسرائيلي في تصاعد مستمر و خطير و التهديدات المتبادلة بين الدولتين الدينيتين بالألغاء و الفناء و تدمير القدرات العسكرية و اغراق المنطقة كلها في صراع عسكري مدمر قد يجر الى تدخل القوى الكبرى الى جانب هذا الطرف او ذاك و عندها قد لا يخلو الأمر من الأحتكاك العسكري المباشر بين تلك القوى العظمى و ما ينتج عنه من مواجهة بينهما قد تتطور الى مديات خطيرة لا يمكن لأحد التكهن بمدى خطورتها على الأمن و السلم ليس في هذه المنطقة فقط بل في العالم كله .

اذا كانت دولة ( اسرائيل ) قد قامت على اساس ديني بحت في تجميع شتات اليهود من كل انحاء العالم و بث الروح القومية فيهم بأعتبارهم امة واحدة يجمعها اضافة الى الدين اللغة المشتركة ( العبرية ) و التي هي من اساسيات القومية لكن ( اسرائيل ) وجدت نفسها في محيط عدائي ينظر اليها بعدوانية و عدم ارتياح و يتمنى التخلص منها حتى و ان كان ذلك عن طريق ( رميهم في البحر ) ما جعل قادة الدولة اليهودية في حذر و توتر دائمين معتمدين سياسة الضربات الوقائية التي تعني ضرب قدرات الخصم قبل اكتمالها و دخولها في المعركة ان وقعت و كانت هذه السياسة فعالة جدآ في اغلب الحروب التي خاضتها اسرائيل مع الدول العربية و التي لم تخسر أي من تلك الحروب عدا تلك التي كانت مع حزب الله اللبناني المدعوم ايرانيآ .

في المقابل كانت هناك ( ايران ) الجمهورية الأسلامية التي تتخذ من الأسلام بشقه الشيعي منهجآ في الحكم و مرشدآ في العلاقات مع باقي دول العالم و لم تخف ( ايران ) عدائها الشديد لأسرائيل و المستمد من آيات في ( القرآن ) تتوعد بني اسرائيل بالعقاب القاسي و الأبادة و انهاء دولتهم ان قامت و هذا ما تعمل عليه ( ايران ) جاهدة من خلال تعزيز ترسانتها الحربية بمختلف انواع الأسلحة الحديثة تحسبآ و ترقبآ من احتمال نشوب حرب بينها و بين اسرائيل و كذلك بدأت ( ايران ) في ايجاد موطئ قدم لها بالقرب من ( اسرائيل ) ان كان ذلك من خلال الدعم غير المحدود لحزب الله اللبناني الذراع الأيراني هناك او بالتواجد العسكري المباشر من خلال المشاركة الفعالة في الحرب الأهلية السورية .

احست ( اسرائيل ) و قادتها ان الخطر الأيراني بدأ يقترب اكثر فأكثر الى ان وصل الى الحدود الأسرائيلية مباشرة و لم يعد هناك من حواجز او موانع تعيق الأصطدام فالقواعد العسكرية الأيرانية منتشرة في الأراضي السورية و هي بمثابة رأس الحربة و الموقع المتقدم في أي هجوم قد تنوي ( ايران ) القيام به ضد ( اسرائيل ) لذلك بدأت اسرائيل بتوجيه عدة ضربات قوية و مؤثرة على القواعد العسكرية الأيرانية في سوريا ملحقة بها دمارآ واسعآ و خسائر كبيرة و كأنها تريد جر الطرف الأيراني قسرآ الى حرب ( اسرائيل ) من تحدد مكانها و زمانها بتلك الأستفزازات المستمرة و التي جعلت عدم الرد الأيراني يفسر على انه حالة ضعف و هوان و هذا ما ارادت اسرائيل الوصول اليه .

بدأ التنسيق الأمريكي – الأسرائيلي بالتصعيد فبعد سلسلة من الغارات الأسرائيلية التي استهدفت مواقع عسكرية ايرانية داخل الأراضي السورية على حد المزاعم الأسرائيلية جاء الأنسحاب الأمريكي من الأتفاق النووي مع ايران ليضع اللمسات الأخيرة على سيناريو الحرب القادمة ان لم تذعن ايران و حلفائها للشروط الأمريكية الأسرائيلية في الأنسحاب من الأراضي السورية خاصة و ان الحرب الأهلية السورية على وشك ان تضع اوزارها و تنتهي بعد الهزائم الكبيرة التي منيت بها الفصائل العسكرية المعارضة و التي كانت تتلقى الدعم المبشر من امريكا و الغرب او غير المباشر عبر الدول الخليجية و بالأخص ( قطر و السعودية ) ما يعني ان المعسكر الأيراني – السوري – حزب الله سوف يخرج قويآ منتصرآ منتشيآ بالظفر باحثآ عن العدو الأسرائيلي للأنقضاض عليه .

بعيدآ عن النصوص الدينية و التي تجعل من اليهود الشعب الوحيد الجدير بالثقة الذي اختاره الله ليرث الأرض ملوك بني اسرائيل او تلك التي تدعو الى التمكن منهم و الفتك بهم و انهاء دولتهم ان وجدت بأعتبارهم الأشد عداوة لله و رسوله فأن الصراع بين الغرب و قاعدته المتقدمة ( اسرائيل ) و الشرق المدافع عن وجوده و كياناته و التي لا يمكن و بأي شكل ان يخضع او يقبل بالشروط الأمريكية في القبول بأسرائيل كدولة لها حق الوجود و الديمومة كغيرها من دول المنطقة لكنها سوف تبقى ( اسرائيل ) ذلك الكيان الغريب المغتصب للأراضي و الحقوق الفلسطينية و من غير الممكن القبول بها ضمن دول المنطقة المتجانسة قوميآ و فكريآ و الى حد كبير دينيآ .

ان اختيار ( ايران ) لسوريا العربية منطلقآ للتحرش بأسرائيل لم يكن اعتباطيآ او مصادفة لكنه وفق تخطيط مدروس بعناية فقد يكون الهجوم الأسرائيلي الواسع و الشامل ان حصل على القواعد العسكرية الأيرانية في سوريا ان يجر كل الشعوب العربية المحتقنة غضبآ من التصرفات الأسرائيلية و بالأخص تلك المحيطة بالدولة اليهودية و القريبة منها الى التضامن مع سوريا بأعتبارها البلد الذي تعرض الى العدوان الأسرائيلي و من الواجب الدفاع عنه و حمايته من ذلك العدوان الغاشم و كذلك سوف تجد دول الخليج العربي و خصوصآ ( قطر و السعودية ) مجبرتان و تحت ضغط شعوب تلك الدول على الوقوف الى جانب سوريا و حكومتها ضد الهجوم الأسرائيلي و هذا ما تريده ايران و حلفائها و ما لا تريده امريكا و اسرائيل و حلفائهم .

اذا ما تركنا كل تلك الأحتمالات و التوقعات جانبآ و حسبنا ان الحرب قد وقعت فعلآ فأن الكارثة الكبرى قد حدثت و هذه الحرب لن تكون كتلك التي حصلت بين دولتين في المنطقة او في مكان ما آخر على اراض حدودية متنازع عليها و تجد في الهيئات و المحاكم الدولية الفيصل و الحكم الذي يفض النزاع و يعيد الحق الى اصحابه او تلك الحرب الأهلية التي قد تنشب بين المواطنيين انفسهم في الدولة ذاتها اما لتعصب ديني او لتمسك مذهبي و التي سرعان ما تجد من عقلاء القوم و حكمائهم ما يجبر المتخاصمين الى الجلوس على بساط المسامحة و المصارحة فأن هذه الحرب لن تكون الا حربآ كارثية مدمرة و شاملة و لن تبق على الأخضر و اليابس حينها يمكن ان يشم رائحة الغبار النووي المنبعث من الكتب و التعاليم الدينية .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here