الانسان والاخلاق !

(*) .
د. رضا العطار

يبحث علم الاخلاق مجمل العلاقات النفسية والدينية المتعلقة بالتفاعلات الأجتماعية التي تجري بين الأنسان والأخرين من بني جنسه , فكل واحد منهم يتميز عن غيره من ناحية ويشاركه في نواحي عدة. فالأنسان يبقى في تفاعل مستمر مع الظروف التي تحيط به، فهو اما ان يأخذ منها و يهتدي بها، مستفادا او لا يأخذ: ففي كلتا الحالتين يترك في محيطه مقدارا من الأثر اما ان يكون سلبا او ايجابا اي اما ان يفشل في مواجهتها او يتكيف معها طوعا او اجبارا .ان للأنسان نوعا من الصفات الثابتة التي من خلالها تتحدد هويته الأخلاقية, اما التغيير الذي يحصل لديه، فهو نتيجة اكتسابية، تحدث له منذ سن الطفولة الى نهاية العمر .

هناك عدة تعاريف للصفات الاخلاقية للأنسان ابرزها تعريف العالم النفساني مورتن برنس في كتاب اللاشعور قوله : ان الشخصية هي مجموعة الأستعدادات والنزعات والميول والغرائز والقوى البيولوجية الفطرية والموروثة و المكتسبة و ان محصلتها هي التي تتحكم في مستوى اخلاق الفرد الناجمة من تنشئته الأجتماعية, علينا اذا ان نلجأ دائما الى العقل السليم للأستفادة من خبراته المخزونة ليكون في مقدورنا امكانية اختيار الأسلوب الأفضل في تنشئة الانسان بعد التأكد من جودة الصفات .

ما هو العقل وما هي وظيفته ؟
ان عقل الأنسان الكامن في عضو الدماغ هو ذو طاقة فكرية عملاقة لكنه لا يخلق الأفكار انما يتقلب بينها بحثا وتنقيبا . العقل الذي يستعمله الأنسان عبر التفكير، يستفاد منه لغرض الوصول الى المعرفة , فأما ان تكون هذه المعرفة خيرا او شرا , فأذا كان القرار خيرا ارتقى الأنسان به وخطى بمجتمعه نحو طريق افضل، اذا كان مسؤولا عن قيادته اما اذا كان القرار شرا , تعرض الى المخاطر والأهوال . فالقرار النهائي للأفعال والسلوكيات تكون في نهاية المطاف من اختصاص النفس البشرية , فهي التي تقرر الأقدام على فعل ما او عدم الأقدام , وان للنفس ذاتها صفات خاصة بها , منها انها ترغب ولا ترغب , تلتذ ولا تلتذ , تتأثر ولا تتأثر , قابلة للتطبيع والترويض , وغير قابلة للتطبيع والترويض , فهي مصدر الحب والكراهية وهي اما ان تتصل بالعقل في الظرف الحاسم لتسترشد به او لا تتصل.
اذا فالعقل عند الأنسان بمثابة السلطة التشريعية، فهي التي تصدر القوانين وليس بيدها صلاحية التنفيذ . والنفس البشرية هي بمثابة السلطة التنفيذية تقوم بأجراء القرارات التي يصدرها العقل او لا تقوم بأجرائها, تلتزم بها وقد لا تلتزم.
فالأخلاق التي نمارسها في حياتنا اليومية تنبعث من منبع كامن في داخلنا, حسبما
يؤ كده الفيلسوف الفرنسي كنت الذي يقول ان رغبة الأنسان في التزامه للأخلاق نابع من داخله, بينما الفيلسوف الامريكي توماس هويس يقول العكس تماما، حيث انه يعتقد ان الأخلاق مصدرها في الخارخ، فالدولة هي التي تصدر القوانين الأخلاقية، تفرضها على مواطنيها. الأنسان اجتماعي بطبعه، يبحث عن بني جنسه جسديا ونفسيا لأنه يستأنس بقربه ويستوحش بفقده, والمعروف ان التباعد والتنابذ يخلقان عند الفرد سلوكية انانية افتراسية, ولذا كانت العلاقات الأجتماعية المتبادلة ضرورة ملحة.

يعتبر النبي محمد، المعلم الأول في علم الاخلاق، فحينما جاء الرسول الكريم الى مدينة يثرب (المدينة المنورة حاليا) في العام الأول للهجرة اكتشف ان القبائل العربية كانت متعادية متناحرة مع بعضها وبالأخص قبائل الأوس والخزرج. فشرع بعملية الهداية والتنوير, لقد كان العرب حينذاك مثقلين بعادات وتقاليد الجاهلية الأولى , كل قبيلة تنظر الى الأخرى بعين الشك والريبة، حيث كانت تعتبرها اعداء لها , لكن النبي محمد (ص) امرهم بأن يتخذ كل مسلم فردا من قبيلة اخرى ويعتبره اخا له، ….فالمؤمنون في دين الأسلام اخوة – وبدأ يلقنهم مبادئ التربية الاخلاقية عن طريق احاديثه التهذيبية بشكل دائم ومكثف. وبعدما سمعوا اقواله وفهموا مقصوده استوعبوا فوائدها، تبعوه واطاعوه. وبمرور الزمن تحرروا من وزر تقاليدهم البالية واصبحو مجتمعا متسلحا بفضائل الأخلاق.

فأسس الاخلاق تظهر في الاسر القويمة المتفاعلة مع نفسها ومع بقية الأسر، فتفاعل الشاب مع اخوانه واخواته داخل الأسرة الواحدة ذات التربية الصحيحة و السلوك السليم يمكنه من ان يصلح نفسه اذا كان متأثرا بسلوك سلبي اكتسبه من خارج البيت.
ان الاخلاق الفاضلة التي ينشأ عليها الابناء تجعلهم يكونوا اهلا بالأنخراط في مجتمع المستقبل ويصبحوا فيه اعضاء نافعين يساهمون في بنائه و تطويره وازدهاره .
فعلم التربية الاجتماعية عملية مستمرة غير مقتصرة على مرحلة معينة من عمر الانسان، وتتم عادة بالتعاون بين الأسرة والمدرسة معا , فالعائلة عش حميم لا يحضن الجسد فحسب انما يحضن الروح كذالك. فالأولاد يتعلمون من الأبوين على غرار أخلاقهما وهم مرتبطون بالأم غريزيا وبصورة اقوى واشد من الأب، فالأم هي المسؤولة عن القسط الأكبر من اعباء تربيتهم, كما عبر عنها شاعر النيل حافظ ابراهيم
الأم مدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الأعراق

* مقتبس من كتاب افكار ومواقف للامام عبد الفتاح امام، مكتبة مدبولي ميدان طلعت حرب القاهرة 1996

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here