أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (١)

نــــــــــزار حيدر
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.
من رحمةِ الله تعالى على عبادهِ أَنَّهُ لا يُحمِّلهُم فَوْقَ طاقتهِم، سواءً على المستوى الجسدي أَو العقلي، فاللهُ تعالى رحيمٌ بعبادهِ رؤُوفٌ بخلقهِ.
وإِنَّما يُحمِّلُ الانسانُ نَفْسَهُ فوق طاقتِها فيظلمها أَو يظلِمُ بعضَهُم بعضاً، فيتصدَّى لموقعٍ يعرفُ مُسبقاً أَنَّهُ ليس أَهلهُ أَو يضعَ نَفْسَهُ موضعاً أَكبرَ من قدراتهِ النفسيَّة أَو العقليَّة والفكريَّة، وبذلك يظلمُ نَفْسَهُ ويظلمُ الموقعَ ويظلمُ المسؤُوليَّةَ ويظلمُ المُجتمع!.
وصدقَ الله تعالى الذي قال في مُحكمِ كتابهِ الكريمِ {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
إِنَّ أَغلبَ مشاكلِ المجتمعِ سببُها وضع الرَّجُلِ غَير المُناسب في المكانِ غَير المُناسب! خاصةً إِذا كان مَوقع المسؤُوليَّة أَكبر من حجمهِ بكثيرٍ وأَنَّ نفسيَّتهُ أَو تركيبتهُ الشخصيَّة لا تتحمَّل الفارِق الواسع فيتحوَّل مِثْلَ هذا المسؤُول إِلى وحشٍ كاسرٍ لأَنَّهُ لا يتحمَّل ما يراهُ! ولقد حذَّر الامامُ أَمير الْمُؤْمِنِينَ (ع) في عهدهِ إِلى مالك الأَشتر عندما ولَّاهُ مِصر إِلى ذَلِكَ بقولهِ {وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ}.
وكلَّما كانَ الفارقُ كبيراً بين قدُراتِ المرء العقليَّة والنفسيَّة وبين ما يتطلَّبهُ الموقع كلَّما اشتدَّ خطرهُ على الموقعِ وعلى المجتمعِ! ولذلك حذَّر الشَّرعُ كثيراً من مغبَّة تصدِّي من لا يمتلكُ القدرةَ على أَداء المسؤُوليَّة وإِعطاءها حقَّها خاصَّةً إِذا كان في المجتمعِ مَن هو أَقدرُ عليها، فعن الامامِ جعفر بن محمَّد الصَّادق (ع) أَنَّهُ قال {ما وَلَّت أُمَّةٌ أَمرها رَجُلاً قطُّ وَفِيهِم مَن هُو أَعْلَمُ مِنْهُ إِلّا لَمْ يزَل أَمرهُم سَفالاً حتـَّى يَرجِعُوا إِلى ما تَرَكُوا} وقولهُ (ع) {مَنْ دَعا النَّاسَ إِلى نَفْسهِ وَفِيهِم مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ فهُوَ مُبتَدِعٌ ضالٌّ}.
أَرأَيتُم كيفَ يجُنُّ بعض المسؤُولينَ عندما يلبِسُوا موقِعاً فَوْقَ طاقتِهِم؟! وَإِذَا أَرَادُوا إِزاحتَهُم هدَّدوا بأَنهارِ الدَّمِ قَبْلَ أَن يترُكُوا الموقع؟!.
إِنَّ لكلِّ موقع مسؤُوليَّة معايير خاصةً لمن يتصدَّى لَهُ فإِذا نقصَ منها شيئاً أَثَّر عَلَيْهِ سلباً وبالتَّالي ظهر التَّقصير الذي يترك ضررهُ على المُجتمع!.
وإِنَّما يتصدّى المرءُ لموقعِ ما وهو يعرفُ جيِّداً في قرارةِ نفسهِ أَنَّهُ ليسَ موقعهُ وسيقصِّر بحقِّهِ حتماً بسببِ عدمِ تعاملهِ مع الموقعِ بروحِ المسؤُوليَّةِ وإِنَّما بروحِ التَّباهي مثلاً أَو لاستغلالهِ من أَجلِ الإِثراء غَير الشَّرعي أَو للتمتُّع بامتيازاتهِ أَو لحمايةِ نفسهِ من المُلاحقاتِ القضائيَّةِ وما إِلى ذَلِكَ! وهي الظَّاهرة التي تنتشر في مجتمعاتِنا بشكلٍ كبيرٍ ولذلك ضاعت المسؤُوليَّات التي تصدَّى لها الجهلة العاجزُونَ عن أَدائِها ورُكِل جانباً القادرُون عليها! ما ضيَّع حقُوق النَّاس وساهم بشكلٍ كبيرٍ في تأَخُّر المُجتمع وأَضاعَ فُرص التقدُّم والخَير والتَّنمية!.
إِنَّ دعاءنا الله تعالى أَن لا يحمِّلنا ما لا طاقة لنا بهِ يلزم أَن تصحبهُ إِرادةً ذاتيَّةً في الإِبتعادِ وتجنُّبِ كلَّ ما نعرف جيِّداً بأَنَّنا لسنا بقدرِ مسؤُوليَّتهِ! ما لم نستعدَّ لَهُ ونأخُذَ بأَسبابهِ وشُروطهِ، أَمّا الدُّعاء مع سِبق الإِصرار على تحمُّل ما لا طاقة لنا بهِ فقد يَكُونُ من بابِ الاستدراجِ الإِلهي لفضحِ المتصدِّي [المُزيَّف] وكشفِ حقيقةِ قُدراتهِ التي لا تنسجم مَعَ ما تصدَّى لَهُ من موقعٍ ومسؤُوليَّةٍ! خاصةً إِذا كان هذا الموقع بحاجةٍ إِلى الكثيرِ من العلمِ والمعرفةِ والقدُراتِ العقليَّةِ والإِستعداداتِ النَّفسيَّةِ.
إِنَّ الحريص على أَداء العمل بمسؤُوليَّةٍ عاليةٍ والمُخلص والصَّادق مَعَ نفسهِ لا يُورِّط حالهُ في موقعٍ أَو عملٍ لا يجدُ في نفسهِ القُدرةَ على إِنجازهِ بشكلٍ صحيحٍ يُرضي الله تعالى ويُرضي ضميره!.
وبذلكَ يُحقِّق جَوهر الدُّعاء بإِرادةٍ وعزيمةٍ وليس بلقلقةِ لسانٍ!.
١٦ مايس [أَيَّار] ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here