فى الذاكرة العراقية – 8

د. حامد السهيل
لقد اوقع حكم البعث برأسة القائد الضروره العراق وطنا ودولة فى احداث كارثية جسام, حربين مدمرتين وضرب الانتفاضة عام 91, وليس اخير الحصار الاقتصادى العدوانى للشعب العراقى الذى كانت له اثار عميقة فى افقار العراق دولة وشعبا وتغييراعميقا فى تركيبة الهيكل السكانى خاصة عجزا كبيرا فى الطبقة الوسطى المتعلمة المثقفة وتوجهها الى بلدان الهجرة واللجؤ.
شارع القائد الضرورة والقصر الجمهورى,
انى سوف لا اتكلم عن الاحداث الكبيرة التى يعرفها الجميع, وانما سوف انصرف لرسم صورة عن اليوميات, عن الامور الصغيرة التى لها تاثير كبير فى الوضع النفسى , الاجتماعى والاقتصادى لغالبية العراقيين, حالات قد عشتها مع عائلتى وعاشها مئات العوائل العراقية ايضا, قد فرضت علينا من قبل النظام وعقليتة القائمة على احكام السيطرة, الارهاب ,التعسف وتجاوز كل ماهو معقول, ممكن وحضارى. ان سكان الاحياء السكنية الغزالية والشرطة والجامعة والعدل ….الخ الذين يستخدمون بالضرورة الجسر المعلق ثم الشارع المحاذى للقصر الجمهورى, يجب ان يهيؤا انفسهم لمفاجأت غير سارة, وانما يمكن ان تكون خطيرة, وذلك لانهم يستخدمون احد الشوارع المهمة الذى يمثل احد المحاور الرئيسية لحركة المرور فى مدينة بغداد, ولكنه يتمتمع بسمات خاصة, بالرغم من كونه ملكية عامة, انه فى حقيقة الامر ملكية خاصة لشخص للقائد الضروره, ولذلك فان استخدامه من قبل المواطنين يمثل احد مكارم القائد, وهذه المكارم, كما قد تعرفنا على شروطها من خلال التجربة, ترتبط بالولاء للقائد وصلوات الحمد والشكر ودوام ذكر عطائه ومحاسنه: ان السيارة التى تستخدم شارعه الخاص يجب ان تكون من الناحية التقنية وجودة الاطارات بحيث تنتهى من الشارع بدون اى عطلات وازعاجات. هذا الشرط تمثل مطلبا صعب المنال دائما, حيث لم تكن السيارات غالبا بحالة جيدة والاطارات غالبا مستهلكة. لسؤ الحظ, فى احد الايام بينما كنا, انا والعائلة متوجهون الى البيت, حصل ما كان يجب ان لايحصل ابدا. خرجت لاارى ماذا حصل واذا يصل قريبا منى احد الجنود المسلحين ويأمرونى بالحركة, ولكن الحركة غير ممكنه لان احد الاطارات (بنجر), قال لى ادفعها, وحاولت مع الاطفال والزوجة تحريكها ولكننا لم ننجح فى ذلك, وبدأت فى تبديل العجلة, ولكن الجندى موجها الكلاشنكوف نحوى, قلت له اخى, هذا عطل يمكن ان يحصل, ارجوك ابتدع عنى واتركنى كى استطيع العمل بسرعة, ولكنه اصر على موقفه, ولكن الاطفال اخذوا بالبكاء, وذلك لان الصورة مرعبة حقا ان تتوجه بندقية نحو والدهم تهدده بالخطر. ان هذا الجندى الذى استلم عمله منذ عدة ساعات, ومكلف بعمل لايستطيع التأثير علية, هو فى حالة نفسية متوترة ويعيش ضغوطا يمكن ان تنفجر بشكل عدائى, هذة الحالة تقوم على منهج مدروس مسبقا, الضغوط القوية على قوات الجيش والامن الداخلى تتحول سريعا الى تفجير حالات من العنف ضد المقابل, وهذا المقابل يمكن ان يكون معارضا, مظاهرة جماهيرية او كما الحال معى بسبب (البنجر) فى احد الاطارات فى شارع القائد الضرورة. لقد بذلت جهدا فى تبديل اطار السيارة للخلاص من هذه الحالة المرعبة بسرعة, وكان انعكاسها على افراد العائلة جميعامؤلما, وقررنا تفادىهذا الشلرع والقصر الجمهورى قد الامكان ولم نستخدم الشارع ثانية واصبح لى احد الممنوعات (التابو), بهذه الطريقة تتقلص الحرية والحركة وتزدهر عملية تطويع المواطن بما يتلائم مع استمرار النظام.
الانتظار الطويل: شارع الكرادة خارج/ اللمسبح والعرصات
فى احد الايام التقينا بعائلة صديقة فى نادى الجامعيين فى الجادرية, كان هذا النادى من الاماكن الجميلة الرئعة التى يمكن زيارتها وقضاء اوقات طيبة مع الاهل والاصدقاء. كان هذا النادى من المواقع الجميلة الهادئة لاعضاء هيئة التدريش لجامعة بغداد, الا انه قد اختفى من الوجود كبناية رائعة واحد المراكز الترفيهه الاجتماعىه, وكما يبدو فأن ملكيتة قد نقلت لاعضاء النخبة الجديدة التى توسعت بشكل كبير فى منطقة الجادرية.
هذا الشارع ومنطقة المسبح/ العرصات من منطاق بغداد التى تشمل على فعاليات متنوعة, فهى تقدم سكنا راقيا قريبا جدا من المركز الحضرى الرئيسى, وتنشط فيه المؤسسات التجارية ومكاتب الشركات والاطباء والمحامين. وهذا الشارع يعتبر من المحاورالرئيسية لحركة السيارات والمرور, وبكثافة عالية. كنا متوجهين متوجها مع العائلة لحى البلديات مستخدمين شارع الكرادة خارج/ المسبح. بعد دقائق توقفت حركة المرور والسيارات على جانبى الشارع عن السير. بعد عشرة دقائق من الانتظار لم يحصل انفراج, واخذ راكبى السيارات الذين طال انتظارهم يستفرسون عن الاسباب الممكنة؟؟ ذكر احد اصحاب المحلات, محرجا الى حدما, بان الانتظار يمكن ان يطول, دون ان يذكر اى سبب. مضت 15 دقيقةعلى الاطفال قابعين فى السيارة, من دون حركة, وقد نفذ صبرهم. لقد فتح عددا من المنتظرين المعطلين ابواب سياراتهم للاطفال من اجل ان يتحركوا بما يلائم طبيعتهم, واذا بصوت قوى لا نعلم اى مصدره يامر باعادة الاطفال الى السيارات وغلق الابواب. بعد حوالى 25 دقيقة واذا بسيارات الجمسى تقتحم الشارع بسرعة عالية, كانت حوالى 20 سيارة, ومن تشكيلتها ومنظرها الخارجى استخلصنا الموضوع بان القائد الضرورة فى جولاته التفقدية لجبهة الحرب. هذا الانتظار الطويل هو احد اجراءات الامنية. لقد تنفسنا الصعداء على امل انفراج قريب, ولكن لم يحصل انفراجا واستمر الانتظار وبدات علامات التذمر, خاصة من الاطفال الذين اخذ البعض منهم بالبكاء والتعب. اننا نتسائل ماهى الضرورة الانضباطية الملزمة, بعد مرور موكب القائد ووصوله القصر الجمهورى, ان يستمر انتظارنا فى كلا الاتجاهين؟؟ . اخيرا قد مضت علينا ننتظر فى مكان واحد45 دقيقة, وذلك لتأمين سلامة حركة القائد الضرورة. ان مثل هذة التجاوزات على المواطنين تحصل يوميا وبشكل مستمر, ما عسى المواطن ان يفعل تجاة فكر وسلوك مخابراتى بوليس لا يأتمن احد خارج الحلقة الصغيرة المؤتمنة من العائلة والعشيرة؟؟. هذا الجو الارهانى المثقل بالعنف هو شريعة كل الدكتاتوريات, كيف ترهب المواطن وتحدد بشكل مستمر من حركته؟؟ ان ظهور ووصول صدام الى ما وصل الية يقوم على نجاحه الكبير فى استخدام العنف والفكر البوليسى المخابراتى فى قمع المواطنين وتحديد حركتهم وسلب حرياتهم.
اكو طماطه ماكو لحم, اكو لحم ماكو جكاير!!
كان النقص فى مفردات السوق العراقية, المواد الغذائية بشكل خاص, حالة مستمرة دائمة وتمثل منهجا مدروسا من قبل السلطة التى تعتمد المبدأ الحقير المتخلف فى الحكم والسيطرة القائم على التجويع والتبعية “جوع كلبك يتبعك”. ان البحث اليومى عن المواد الغذائية كانت من المشاكل الكبيرة التى تشغل افراد العائلة والتى تصرفهم عن التفكير فى قضايا مهمة ضرورية اخرى, هذا يعنى انهم فى اطار حلقة من المشاكل اليومية التى تقلقهم وتتعبهم ولا يجدوا لها حلا سوى استمرار البحث والتنقل فى الاسواق المجاورة لتجهيز المكونات الضروراية. اذا توفرت الطماطه فان النقص انتقل الى الزيوت النباتية والسمن, واذا توفر الدجاج المستورد والمحلى, فان اللحم المستورد قد غاب عن الاسواق,هذا يشكل مشكلة كبيرة خاصة وان اللحوم المحلية غالية الثمن والنسبة الكبيرة من السكان لا تستطيع شرائها. ان النقص المستمر فى حليب الاطفال كان الشغل الشاغل للعوائل التى لديها اطفال صغار واطفال رضع, كما ان الحصة التمونية بالرغم من قلة مفرداتها لم تصل الى الاسواق فى مواعيدها. احد الحالات الماساوية كانت فقدان السيكائر فى الاسواق, علما فقد كانت معامل عراقية تنتج سكائر ذو نوعية جيدة, وكان من اثار هذه الازمه الرجوع الى التبوغ والسكائر التى كانت تعمل فى الدكاكين( المزبن). ان اضطرابات التجهيز تنعكس على اسعار المواد المفقوة فى الاسواق وتوسع السوق السوداء ونشاط المافيا التى استطاعت التحكم فى كميات العرض والاسعار, وذلك بالتعاون مع جهات متخصصة فى الحكومة.
فى بدايات الحرب العراقية- الايرانية ازدهرت السوق العاقية بمختلف انواع البضائع الغذائية, انواع متعددة من الاجبان, الشكولاته, الزبد والزيوت واللحوم…الخ لقد فتحت امريكا خزائنها للاسواق العراقية, بعد المصالحة مع صدام الضرورة والرئيس بوش الاب الذى كان يناديه بـ ” جبيبى صدام”
المضحك المبكى, وفى حالة الازمات المستمرة فى الاسواق, صرح وزير التجارة, بان وزارته قد اخذت التدابير اللازمه لتوفير المشروبات الكحولية وخاصة الويسكى الاسكتلندى ذو النوعية الممتازه, وقد تم ذلك فعلا وتوفرت مختلف الماركات العالمية. ان استيراد المواد الضرورية عملية ادارية مالوفة ولا تحتاج الى عقول جبارة لنجاحها, الا ان النقص المستمر فى مفردات السوق كانت عملية مقصودة ومبرمجة: ان المواطن العراقى يجب ان لايجد الراحة ويجب ان يبحث عن الضرورات اليومية وينصرف اليها حتى لا يجد الوقت والهدؤ بالتفكير فى شرعية الحكم واساليبة.
لم يكتفى حكم حزب البعث ورئيسه العتيد, القائد الضرورة بالحروب والتسلط وارهاب الدولة العنيف, وانما قهر الشعب فى يومياته وضروراته الحياتية, ان الشعب يجب ان ان يكون منصرفا لتدبير حاجياته اليومية, ان لايجد الوقت للتفكير والتساؤل عن عقلانية الحكم واساليبه ومغامراته.انها عجرفة وعنجهية القائد الذى تقودة مركبات النقص ويغطى عليها بالنرجسية التى تصوره بالعبقرية والريادة والطغيان, وتتكامل فرحته وسعادته بالاجرام والقتل. لم تكن سنين حكم البعث وصدام حسين حياة كريمة ومريحة للمواطنين, ولايبرر الحنين اليها من قبل فاقدى الوعى والفكر فى عراق اليوم الذى يحكمة عصابات باغية افرغت العراق من خيراته وابداعاته واولاده الكرام.
د. حامد السهيل/ المانيا الغربية
17. 5. 2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here