أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٢)

نــــــــــزار حيدر
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ* وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}.
الكلامُ المعسول وإِطلاق الشِّعارات البرَّاقة وتقديم الوُعود الخلَّابة التي تُدغدغُ المشاعرَ والأَحاسيس هي من أَبرز أَسلحة الخداع والتَّضليل التي يوظِّفها المُنافق الدجَّال للوصُولِ إِلى عقولِ السذَّج والبُسطاء والسَّيطرةِ على عقُولِ وقلُوبِ المُغفَّلين! لتحقيقِ مُبتغاهُ! وما أَن يتمكَّن ويقدِر ينقلبُ على كلِّ شَيْءٍ ويتغافل عن وعُودهِ وينكُث ببرامجهِ!.
إِنَّ مشكلةَ الكثير من النَّاسِ هو ثقتهُم بالكلام من دونِ تثبُّت وتمحيص، ولذلك تراهُم لا يُخدعُون مرَّةً أَو مرَّتَين وإِنَّما في كلِّ مرَّةٍ، على الرَّغم من أَنَّ الحديث الشَّريف يَقُولُ {لا يُلدَغُ المُؤمِنُ مِن جُحرٍ مَرَّتَينِ} إِذ تكفي مرَّةً واحدةً إِذا انتبهَ فتعلَّم واعتبرَ واتَّعضَ، وإِنَّما يُلدغُ من نفسِ الجَحرِ عدَّة مرَّات إِذا مارسَ مع نفسهِ خداع الذَّات!.
إِنَّ الإِعجابَ بالخطابِ المعسولِ لا يكفي لتزكيةِ المتحدِّث! على الرَّغمِ من أَنَّ التحدُّث هو طريق التعرُّف على النَّاس وحجمِ عقولهِم كما في قولِ أَمير الْمُؤْمِنِينَ (ع) {تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ} ولكن مع ذلك فإِنَّ الخطابَ قد يُصدِّقهُ العمل أو لا يُصدِّقهُ، فإذا تطابقَ الإِثنان في سيرةِ المرءِ فبها أَمّا إِذا تناقضا فلا.
فمتى يُصدِّقُ عملَ المرءِ قولهُ؟!.
عندما يتصدَّى للشَّأنِ العام على وجهِ التَّحديد! لأَنَّهُ سيكونُ أَمام الإِختبار الحقيقي عندما تنعدمُ أَمامهُ فُرص الهرب من الحقيقةِ أَو التخفِّي وراءَ الشِّعارات البرَّاقة!.
والآيةُ المُباركة تشيرُ إِلى المرحلتَين، مرحلة الخِطاب فقط والتي يحاولُ فيها الإِنسانُ تقديمَ أَفضل ما عِنْدَهُ من كلامٍ بلُغةٍ جميلةٍ وبلاغةٍ راقِيةٍ! والمرحلة الثَّانية هي مرحلة التولِّي لأَمرٍ ما أَو مسؤُوليَّةٍ معيَّنةٍ، مرحلة التصدِّي، فهي المحكُّ والاختبار التي تكشف حقيقة شخصيَّة المتحدِّث، إِذَا بمَن يُعجبُكَ حديثهُ عن النَّزاهةِ هو أَكْبَر الفاسدين! ولذلك قيل [عندَ الإِمتحانُ يُكرمُ المرءُ أَو يُهان] فالإِمتحانُ الذي يتبيَّن في مرحلةِ التولِّي هو المحكُّ وما قبلهُ من مراحلَ ليست سِوى كلامٌ!.
على الصَّعيد السِّياسي مثلاً نحن نسمعُ من المرشَّحين الكثير من الكلام المُنمَّق والجميل والوعُود الخلَّابة! وهذا من حقِّهم ففي فترة الحمَلات الانتخابيَّة لا يوجدُ سِوى الكلام والخِطاب! أَمّا عندما يفوزُ أَحدهم بصوتِ النَّاخبِ عندها سيكونُ أَمام الإِختبار الصَّعب! تُرى هل سيلتزم بما وعدَ؟! هل سيبذلَ قُصارى جُهدهِ لتنفيذِ وتحقيقِ ما قدَّمهُ للنَّاخبِ من خطابٍ إِعلاميٍّ وسياسيٍّ أَم أَنَّهُ سينقلبُ على كلِّ شيءٍ مُبرِّراً عجزهُ وساعياً للبحثِ عن شمَّاعاتٍ يُعلِّق عليها فشلهُ؟!.
المُؤمنُ لا يعدُ ما لا يقدِرُ على تنفيذهِ، فهو لا يكذبُ من أَجلِ كسبِ ثقةِ النَّاخبِ! لمعرفتهِ التامَّة أَنَّ يوماً آخرَ ينتظرهُ بعدَ هذا الْيَوْمَ! سيقفُ فِيهِ مرَّةً أُخرى أَمام النَّاخب ليسرُد لَهُ إِنجازاته على غرارِ ما وعدهُ! فاليومُ كلامٌ وغداً عملٌ.
أَمّا المُنافق فعلى العكسِ تماماً فهو يعِدُ بما يعلمُ علمَ اليقينِ بأَنَّهُ أَعجز من أَن يفي بهِ! وصدقَ رَسُولُ الله (ص) الذي وصفهُ بقولهِ {آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ}.
أَمّا أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فقد أَحسن وصف اللِّسان بقولهِ {وَلْيَخْزُنِ الرَّجُلُ لِسَانَهُ فَإِنَّ هَذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِهِ وَاللَّهِ مَا أَرَى عَبْداً يَتَّقِي تَقْوَى تَنْفَعُهُ حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَهُ وَإِنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ وَإِنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاهُ وَإِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاهُ وَإِنَّ الْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ لَا يَدْرِي مَا ذَا لَهُ وَمَا ذَا عَلَيْهِ وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ}.
دائماً ما يتكلَّم المُنافق بحديثٍ يتناقض مع ما يضمُرهُ في قلبهِ كما تشيرُ إِلى ذلك الآيتان التَّاليَتان {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} و {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}.
١٧ مايس [أَيَّار] ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here