أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٣)

السَّنةُ الخامِسَةُ
(٣)
نــــــــــزار حيدر
{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
أَسوأُ النَّاسَ مَن يكتَسبُ عِزَّتهُ بالإِثمِ، قولاً فاحشاً كان أَو عملاً سيِّئاً أَو سُلطةً غاشِمةً! مُصِرّاً عليها حتى إِذَا تبيَّنَ لَهُ خطأَها!.
وإِنَّما لا يصلُ المتحاوِرُون إِلى نتيجةٍ لأَنَّ كلَّ طرفٍ تأخذهُ العزَّةُ برأيهِ حتى إِذا تيقَّنَ أَنَّهُ ليسَ صحيحاً!.
وَإِذَا لم نتعلَّم ثقافة التَّنازُل وقبول الرَّأي الآخر إِذَا كانَ أَسلم وأَنضج! فسنظلّ نُمارس حِوار الطِّرشانِ! ولذلكَ قَالَ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) لِسائلٍ سأَلهُ عن مُعضلةٍ {سَل تَفَقُّهاً وَلاَ تَسْأَلْ تَعَنُّتاً، فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيهٌ بِالْعَالِمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ شَبِيهٌ بِالْجَاهِلِ الْمُتَعَنِّتِ}.
أُنظرُوا إِلى هذا النَّوعِ من النَّاسِ مثلاً {مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلً}.
إِنَّهُ يسمعُ الحقائِقَ ويرى الوقائِعَ ويتيقَّن بالنَّتيجةِ ومع كلِّ ذَلِكَ تراهُ يعصي ولا يُؤْمِنُ ويتمرَّد!.
نوعٌ ثانٍ على العكسِ تماماً، فبمُجرَّد أَن يعرفَ أَنَّهُ على خطأٍ مثلاً أَو تُلامِسُ الحقيقةَ عقلهُ وقلبهُ يبادرُ فوراً إِلى القَبولِ بها والإِذعانِ لها {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
ولا علاقةَ للأَدلَّةِ والبراهين وقوَّتها ومتانتَها بتحديدِ مسارِ قناعاتِ هذَين النَّوعين من النَّاسِ، وإِنَّما الأَمرُ مُرتبطٌ بالنفسيَّةِ والعقليَّةِ والثَّقافةِ وطريقةِ الإِستيعابِ! ولقد ذكرَ القرآن الكريم ذَلِكَ بقولهِ {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ}.
إذن هناكَ إِصرارٌ على عدمِ الإِذعانِ للحقِّ بغضِّ النَّظر عن الأَدلَّةِ والبراهين، لماذا؟!.
هذا النَّوعُ من النَّاسِ مُستعِدٌّ لأَن يكذبَ على نفسهِ ويخدعها على أَن يتنازلَ عن رأيهِ الضَّعيف ويقبل بالحقيقةِ {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}.
فما هي الأَسباب؟! ولماذا كلَّ هذا الإِصرار على التمسَّك بالغَلطِ على الرَّغمِ من كلِّ الأَدلَّةِ؟!.
إِنَّ أَهمَّ الأَسباب يعودُ إِلى التَّربيةِ، فإذا شبَّ المرءُ على التشبُّث برأيهِ وعدم قَبول الرَّأي الآخر فإِنَّهُ يستصحب هذا المنهج معهُ إِلى آخرِ عمرهِ!.
ولذلكَ فإِنَّ من الضَّروري جدّاً أَن يُعلِّم الأَبَوان الأَطفال على قَبولِ كلِّ ما هو صحٌ مِن القَولِ والعَملِ بِلا تعنُّتٍ!.
كما أَنَّ للحالةِ النَّفسيَّةِ والموقعِ الإِجتماعي دورٌ مُهمٌّ ومُباشرٌ في أَن تأخذَ العزَّة بالإِثم صاحبها! فإذا كانَ المرءُ صاحبَ مكانةٍ في المُجتمعِ أَو السُّلطة فإِنَّهُ لا يستوعبُ معاني التَّراجع عن قولهِ بأَيِّ ثَمنٍ!.
فضلاً عن أَنَّ لطريقةِ عرضِ الفِكرة السَّليمةِ وتوقيتِها ومكانِها دورٌ مهمٌّ في الإِقناعِ بالتَّراجُعِ عن الرَّأي الخطأ أَو الضَّعيفِ، فإِذا كانَ الأُسلوبُ المتَّبع عقلانيّاً وهادئاً ومنطقيّاً فمِن المُمكن أَن يترُكَ أَثراً في المتلقِّي من دونِ تزمُّت! والعكسُ هو الصَّحيح فإذا كانَ الأُسلوبُ المُتَّبع عنيفاً وشديداً لا يحترم خصوصيَّات الآخر ونفسيَّتهُ وشخصيَّتهُ ومكانتهُ فمِنَ الطَّبيعي أَنَّهُ يتسبَّب بنفُور المُتلقِّي ودفعهِ للتشبُّث برأيهِ وبالتَّالي تأخذهُ العِزَّةَ بالإِثمِ!
حتّى الطِّفلُ الصَّغير إِذا لم يحسَّ بالمُداراةِ والِّلينِ من قِبَلِ أَبوهُ مثلاً عندما يتحدَّث معهُ فمِنَ الصَّعبِ إِقناعهِ بتغييرِ مُتبنَّياتهِ وقناعاتهِ مهما كانت تافهة!.
ولذلكَ حثَّ القرآنُ الكريمِ على انتهاجِ الحِكمةِ والمَوعظةِ الحَسنةِ في الدَّعوةِ لأَنَّ الأُسلوب العُنفي وطُرق الإِكراه لها مردوداتٍ عكسيَّةٍ عادةً فقالَ تعالى {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.
١٨ مايس [أَيَّار] ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here